نموذج لسفينة بابا عروج، جيجل |
حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر واسبانيا 1492 – 1792
تأليف : أحمد توفيق المدني
الناشر: الشركة الوطنية للنشر والتوزيع - الجزائر
وصول النجدة التركية :
لايوجد شخص يحتل مكانة مرموقة في التاريخ الجزائري وفي قلوب الشعب الجزائري الى اليوم تضاهي مكانة الأخوين عروج وخير الدين بربروس إلا الأمير عبد القادر.
فرغم مرور القرون لازال الجزائريون ينظرون بكثير من التبجيل والإحترام والتقدير لبحارين تركيين مسلمين بطلين أرسيا دعائم الدولة الجزائرية الحديثة، العزيزة والمرهوبة الجانب والتي بسطت سيادتها بعد ذلك على البحر المتوسط لمئات السنين وحملت لواء الجهاد عاليا خفاقا ضد الصليبية المسيحية الأوروبية حتى سميت بدار الجهاد والمحروسة والبهجة.
وإلى الآن يلفظ الجزائريون إسم القائد البطل الشهيد عروج بلفظ بابا عروج فقد كان فعلا أبا حانيا ومنقذا بطلا فرحم الله سعيه وسعي إخوته ورفعه عاليا في عليين إلى جانب الشهداء والصديقين.
ولد البطل بابا عروج، وعروج بضم العين والراء وليس كما ينطقها البعض خطأ بفتح العين، في جزيرة مدلي لأبيه يعقوب وسيدة أندلسية فاضلة فجمع الدم الأندلسي والدم التركي في عروقه وكان ثاني إخوته الأربعة خسرف ومحمد الياس واسحاق، ونشأ الأولاد نشأة إسلامية صلبة وترعرعوا في حجر الجهاد وركب بابا عروج البحر وهو دون العشر سنين وذاق فيه الحلو والمر فقد أُسر مرة وعمل عبدا مجذفا لسفن النصارى سنتين حتى إذا حاذت سفينته الساحل المصري ألقى نفسه في البحر وفر إلى الساحل سباحة ومن هناك عاد إلى تركيا أين أكرمه كوركود إبن السلطان بايازيد وجهز له سفينة استعملها في الغزو في البحر وأسر بها سفينتين بابويتين وسفينتين تابعتين لجمهورية جنوا وسار بهما الى ميناء الإسكندرية أين باع أسراه كعبيد ودفع الخمس لبيت المال وكون أسطولا من خمس سفن صار يجوب بها البحر الأبيض المتوسط واختار جربة التونسية كقاعدة له، أين التحق به أخوه خسرف الذي صار مِثله على رأس عمارة بحرية صغيرة أين اقترح عليه بعض فضلاء الأندلسيين أن يغير اسمه فاصبح خير الدين.
من هناك صار الأخوان يغيران على الموانئ الإسبانية في جزر الباليار وصقلية وبرشلونة، وأدت أعمالهما البطلة بالسلطان الحفصي أبو عبد الله محمد أن يمنحهما ميناء تونس حلق الواد مقابل أن يدفعا له خمس الغنائم وذلك سنة 1510.
المحاولة الاولى لانقاذ بجاية:
وصلت سمعة المجاهدين الأتراك مسامع أهل بجاية المنكوبين، فأرسلوا سنة 1512 وفدا الى الأخوين في تونس بقيادة أمير قسنطينة السلطان أبو بكر وأرسلوا إليهما أيضا العلماء والأعيان والأهالي مستصرخين مستنجدين، فتوكل الأخوان على الله وقررا المضي لإنقاذ المغرب الأوسط، الجزائر الحالية، من الخطر الإسباني وأعلما اهالي بجاية بقودمهما.
ففي سنة 1512 غادر الأسطول ميناء حلق الوادي وعلى متنه السلاح والرجال والمدافع في نحو ثلاثة آلاف رجل ولما وصل بجاية اشتبك مع الأسطول الإسباني المكون من 15 سفينة فتم الإستيلاء على سفينة وأُغرقت الأخرى وانهزمت باقي السفن على كثرتها.
فقرر القائد بابا عروج النزول الى البر والتقدم مباشرة الى الأسوار على خلاف رأي اخيه خير الدين الذي كان يرى محاصرة المدينة بحرا ويتكفل الجزائريون بمحاصرتها برا الى أن تسقط غير أن بابا عروج أصر على رأيه وهاجم الأسوار أين أصيب برصاصة إسبانية أدت بالأطباء الى بتر يده.
إضطر بابا عروج إلى العودة إلى تونس بعد إصابته، إلا أن الإتصال الأول مع الأرض الجزائرية ساعداه على كسب مودة الأهالي كما أوضح له نقطة ضعفه التي كانت تتمثل في بعده عن مسرح العمليات فقرر القيام بتحرير مدينة جيجل التي لا تبعد عن بجاية إلا 100 كلم وجعلها قاعدة لعملياته في الجزائر.
تحرير جيجل وانقاذها من الاحتلال الاسباني :
فقد البطل بابا عروج ذراعه إلا أنه لم يفقد إيمانه وعزيمته، فتحرك الى مدينة جيجل بعد أن استصرخه أهلها سنة 1514 مقررا أن يجعل منها مقرا لعملياته في الجزائر وبعد معركة برية بحرية عنيفة تمكن المجاهدون من تحرير المدينة أين تمت مبايعته أميرا من قبل سكان المدينة وضواحيها والجبال المحيطة بها يوم 1514/05/15.
بعد تفكير عميق وتحليل لنتائج معركة بجاية الأولى وماحدث من تقاعس السلطان الحفصي عن إمداد المجاهدين بالبارود بعد أن أصبحوا تحت أسوار المدينة قرر أهالي مدينة جيجل والأخوان بابا عروج وخير الدين طلب النجدة من الخليفة العثماني سليم الذي فتحت جيوشه مصر، فتم إرسال وفد من علماء الجزائر إليه أين بايعوه كخليفة للمسلمين وجعلوا الخطبة له في الجوامع فكان رد السطان سليم أن أرسل دعما عسكريا قويا إلى بابا عروج تضمن ثمانمائة تركي و14 سفينة حربية وعددا من المدافع والبنادق وأحمال البارود كهدية للمجاهدين.
و بداية من هذه السنة أصبحت الجزائر جزء من بلاد السلطنة العثمانية مع الفرق، فبينما كانت باقي الأقاليم قد تم فتحها بقوة السلاح فإن الجزائر كانت الإقليم الوحيد الذي دخل طوعا مفضلا الدخول تحت خلافة إسلامية على الإحتلال الإسباني الصليبي وكانت المكافئة أن تم الإعتراف بالكيان الجزائري كدولة مستقلة تتبع السلطنة إسميا؛ فكان لها حق سك العملة و لها علمها الخاص المثلث الالوان الاخضر والاصفر والاحمر ولها جيشها وحق اختيار حاكمها وسياستها الخارجية المستقلة والتي كانت تتعارض أحيانا مع السياسة العثمانية نفسها فكثيرا ما كانت الجزائر تحارب دولا سالمتها الدولة العثمانية كما كانت الردود على طلبات السلطان من مثل "نُعلم سلطاننا أن هذا الامر غير ممكن أو ان هذا الامر غير مقبول" كثيرة وشائعة في المراسلات بين الدولتين، وكما وجدت الجزائر في تركيا حليفا قويا وجدت تركيا في الجزائر حليفا وصديقا وفيا أيضا فكثيرا ماتولى ضباط جزائريون قيادة الأسطول التركي كما كثيرا ما كان الأسطول الجزائري يشارك جنبا إلى جنب شقيقه التركي حروبه كمعركة ليبانتو ونفارين وغيرها.
0 comments:
إرسال تعليق