حملات التنكيل و الإبادة الفرنسية في الجزائر

حملات التنكيل و الإبادة الفرنسية في الجزائر
Prisonniers algériens parqués dans des trous
 creusés par eux même

حملات الإبادات الجماعية و التنكيل

سطرت فرنسا في الجزائر صفحة سوداء في تاريخها الحديث فقد قرر (الجنرال بيجو) القائد العام لجيش الاحتلال تطبيق سياسة الأرض المحروقة والعمل على إبادة الشعب الجزائري وكانت حملات الإبادة قد بدأت فعلا منذ دخول الجيش الفرنسي الى الجزائر تحت قيادة الجنرال (روفيجو) حاكم الجزائر العسكري قبل مجيء (بيجو) الى الحكم عام 1836م، ففي عام 1832م أعطى القائد (روفيجو) أوامره للجند بمداهمة قبيلة العوفية ليلا وإبادتها عن آخرها و تحت شعار الأرض المحروقة نجح (بيجو) في إضعاف المقاومة التي كان يقودها الأمير عبد القادر مما جعل الأمير يستسلم عام 1847م بعد حرب وطنية قومية دامت سبعة عشر سنة وفي عهد حكم (بيجو) كتب أحد قادة حملة الإبادة قائلا: كنا نكتسح ونهدم ونحرق وننهب وندمر كل شيء… "كنت أحرق كل شيء أصادفه في طريقي، ونزلت في البليدة وأفنيت هذه القرية الجميلة… عن بكرة أبيها" ثم يضيف قائلا: "إن النساء اللواتي نأسرهن كنا نحتفظ ببعضهن بمثابة رهائن ونبيع الباقي لقاء الجياد أو نبيعه بالمزاد كما نفعل بالمواشي، وكنت أحيانًا أفرج همومي بقطع… رؤوس الرجال" ثم يقول أحدهم: "لقد كان الزوج من أذان الوطنيين الجزائريين يساوي عشرة فرنكات وكانت نساؤهم طرائد فاخرة في نظرنا، والواقع أننا عدنا وعندنا برميل مليء من الأذان التي جمعناها زوجًا فزوجًا من الأسرى".
واستمرت حملة إبادة الشعب الجزائري من يوم دخول الجيوش الفرنسية للجزائر ولغاية الاستقلال عام 1962م وكانت هذه الحملات تتزامن وتشتد باشتداد الثورات والانتفاضات الشعبية ومن أشهر حملات الإبادة نذكر الحملة التي صاحبت وأعقبت ثورة (لالّا فاطمة) بجبال القبائل عام 1857م فلم يسلم من هذه الإبادة في هذه الحملة إلا الأطفال ثم كانت ثورة الفلاحين التي تزعمها المقراني عام 1871م فازدادت حملة الإبادة شراسة وانتشارا في أغلب جهات الوطن، ثم كانت انتفاضة 1945م التي جاءت لتؤكد للمستعمر أن الشعوب مهما سكتت على الظلم والقتل والتنكيل فهي لا تلبث أن تثور لدحر الإستعمار بمختلف أشكاله وأنواعه. وقد أباد الإستعمار الفرنسي خلال هذه الحملة خمسة وأربعين ألفًا من الجزائريين الأبرياء خلال أسبوع واحد وهو مدة الإنتفاضة بمناطق الشرق الجزائري.

التعذيب و هتك الأعراض

أسهمت هذه الإنتفاضة الشعبية في بلورة الرؤى السياسية للحركة الوطنية، ووضعتها وجهًا لوجه أمام محك التجربة السياسية القاسية مع الإستعمار فخلقت لدى رجال الحركة الوطنية بجميع اتجاهاتهم السياسية، الشعور بضرورة الوحدة الوطنية والوطن المستقل. وترجم هذا الشعور في ثورة الفاتح من نوفمبر1954م وخلال سبع سنوات ونصف، مدة سنوات الثورة التحريرية عرف الشعب الجزائري أبشع أنواع التعذيب والتنكيل والقتل الجماعي في تاريخ الثورات التحريرية في العالم حيث استشهد مليون ونصف مليون شهيد وقد جاء في مقال الصحفي الإنجليزي جون جبتل أن متوسط عدد القتلى من الجزائريين في الأشهر الأربعة الأولى من سنة 1957م زاد على ستمائة وألفي قتيل في الشهر الواحد وازداد هذا العدد ارتفاعًا بشكل رهيب بعد سنة 1957م حيث ازداد اشتعال الثورة شمولية وانتشارًا في كل أنحاء الجزائر بل في كل شبر منها، وقد زاوج الإستعمار في إبادته للشعب الجزائري بين الإعدام الجماعي، والتعذيب الجهنمي، والتفنن في هتك أعراض النساء.
ومن صور التعذيب والتنكيل وهتك العرض والقتل الجماعي، التي كانت تحدث يوميا في كل أنحاء الجزائر على يد جنود الإستعمار الفرنسي وسيما رجال المظلات الذين كانوا يحاولون انتزاع الإعترافات من أفواه المعتقلين والمعتقلات بتطبيق وسائل التعذيب الجهنمية التالية كان زبانية التعذيب يأتون بالمعتقلة فيجردونها من ثيابها ويربطون أطرافها بالحبال على أخشاب أعدت لهذا الغرض ثم يلصقون الملاقط الموصلة بالتيار الكهربائي في الأماكن الحساسة من الجسم بدءا من الأذان والأصابع مرورا بحلمات الثديين وانتهاء بالأعضاء الجنسية، ويطلقون التيار الكهربائي على جرعات متتالية ثم يطلقونه باستمرار حتى تتيبس الأعضاء، ويتم الإغماء ويكررون العملية عدة مرات، يتوقفون ريثما يزايل المعذبة الإغماء ثم يعاودون العملية، الى أن تفقد المعذبة القدرة على الحركة أو تموت، ومثلما كانوا يفعلون بالنساء كانوا يفعلون بالرجال.
وهناك أنواع أخرى من التعذيب، وكانت شائعة وقت الثورة مثل مأسورة الماء، والماء والصابون، ثم دفن الأشخاص أحياء، في حفرة أعدت لهذا الغرض مع إبقاء رؤوس المعذبين معرضة لوهج الشمس، وبالقرب منهم صفائح الماء، ويتركونهم على هذه الحال حتى الموت وغالبا ما يعدمونهم بعد اليوم الثالث من التعذيب وكل ذلك من أجل انتزاع الإعترافات من الوطنيين والثوريين التي تفيدهم في القضاء على الثورة، حسب زعمهم والعمل على خلق جو من الإرهاب، في أوساط الشعب الجزائري، قصد القضاء على الثورة ولكن خاب ظنهم وحبطت أعمالهم.
كل هذه الأفعال والأعمال الوحشية التي ابتدعها رجال جيش الإستعمار الفرنسي جعلت من النازيين أقزامًا إذا ما قيسوا بالمجرمين الفرنسيين في ميدان التعذيب والقتل الجماعي وهتك العرض وإتيان كل المحرمات اللاإنسانية.

من كتاب 'حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر واسبانيا 1492 – 1792' - الجزء الخامس

حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر واسبانيا
نموذج لسفينة بابا عروج، جيجل


حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر واسبانيا 1492 – 1792
تأليف : أحمد توفيق المدني
الناشر: الشركة الوطنية للنشر والتوزيع - الجزائر

وصول النجدة التركية :

لايوجد شخص يحتل مكانة مرموقة في التاريخ الجزائري وفي قلوب الشعب الجزائري الى اليوم تضاهي مكانة الأخوين عروج وخير الدين بربروس إلا الأمير عبد القادر.
فرغم مرور القرون لازال الجزائريون ينظرون بكثير من التبجيل والإحترام والتقدير لبحارين تركيين مسلمين بطلين أرسيا دعائم الدولة الجزائرية الحديثة، العزيزة والمرهوبة الجانب والتي بسطت سيادتها بعد ذلك على البحر المتوسط لمئات السنين وحملت لواء الجهاد عاليا خفاقا ضد الصليبية المسيحية الأوروبية حتى سميت بدار الجهاد والمحروسة والبهجة.

وإلى الآن يلفظ الجزائريون إسم القائد البطل الشهيد عروج بلفظ بابا عروج فقد كان فعلا أبا حانيا ومنقذا بطلا فرحم الله سعيه وسعي إخوته ورفعه عاليا في عليين إلى جانب الشهداء والصديقين.
ولد البطل بابا عروج، وعروج بضم العين والراء وليس كما ينطقها البعض خطأ بفتح العين، في جزيرة مدلي لأبيه يعقوب وسيدة أندلسية فاضلة فجمع الدم الأندلسي والدم التركي في عروقه وكان ثاني إخوته الأربعة خسرف ومحمد الياس واسحاق، ونشأ الأولاد نشأة إسلامية صلبة وترعرعوا في حجر الجهاد وركب بابا عروج البحر وهو دون العشر سنين وذاق فيه الحلو والمر فقد أُسر مرة وعمل عبدا مجذفا لسفن النصارى سنتين حتى إذا حاذت سفينته الساحل المصري ألقى نفسه في البحر وفر إلى الساحل سباحة ومن هناك عاد إلى تركيا أين أكرمه كوركود إبن السلطان بايازيد وجهز له سفينة استعملها في الغزو في البحر وأسر بها سفينتين بابويتين وسفينتين تابعتين لجمهورية جنوا وسار بهما الى ميناء الإسكندرية أين باع أسراه كعبيد ودفع الخمس لبيت المال وكون أسطولا من خمس سفن صار يجوب بها البحر الأبيض المتوسط واختار جربة التونسية كقاعدة له، أين التحق به أخوه خسرف الذي صار مِثله على رأس عمارة بحرية صغيرة أين اقترح عليه بعض فضلاء الأندلسيين أن يغير اسمه فاصبح خير الدين.
من هناك صار الأخوان يغيران على الموانئ الإسبانية في جزر الباليار وصقلية وبرشلونة، وأدت أعمالهما البطلة بالسلطان الحفصي أبو عبد الله محمد أن يمنحهما ميناء تونس حلق الواد مقابل أن يدفعا له خمس الغنائم وذلك سنة 1510.

المحاولة الاولى لانقاذ بجاية:

وصلت سمعة المجاهدين الأتراك مسامع أهل بجاية المنكوبين، فأرسلوا سنة 1512 وفدا الى الأخوين في تونس بقيادة أمير قسنطينة السلطان أبو بكر وأرسلوا إليهما أيضا العلماء والأعيان والأهالي مستصرخين مستنجدين، فتوكل الأخوان على الله وقررا المضي لإنقاذ المغرب الأوسط، الجزائر الحالية، من الخطر الإسباني وأعلما اهالي بجاية بقودمهما.

ففي سنة 1512 غادر الأسطول ميناء حلق الوادي وعلى متنه السلاح والرجال والمدافع في نحو ثلاثة آلاف رجل ولما وصل بجاية اشتبك مع الأسطول الإسباني المكون من 15 سفينة فتم الإستيلاء على سفينة وأُغرقت الأخرى وانهزمت باقي السفن على كثرتها.
فقرر القائد بابا عروج النزول الى البر والتقدم مباشرة الى الأسوار على خلاف رأي اخيه خير الدين الذي كان يرى محاصرة المدينة بحرا ويتكفل الجزائريون بمحاصرتها برا الى أن تسقط غير أن بابا عروج أصر على رأيه وهاجم الأسوار أين أصيب برصاصة إسبانية أدت بالأطباء الى بتر يده.

إضطر بابا عروج إلى العودة إلى تونس بعد إصابته، إلا أن الإتصال الأول مع الأرض الجزائرية ساعداه على كسب مودة الأهالي كما أوضح له نقطة ضعفه التي كانت تتمثل في بعده عن مسرح العمليات فقرر القيام بتحرير مدينة جيجل التي لا تبعد عن بجاية إلا 100 كلم وجعلها قاعدة لعملياته في الجزائر. 

تحرير جيجل وانقاذها من الاحتلال الاسباني :

فقد البطل بابا عروج ذراعه إلا أنه لم يفقد إيمانه وعزيمته، فتحرك الى مدينة جيجل بعد أن استصرخه أهلها سنة 1514 مقررا أن يجعل منها مقرا لعملياته في الجزائر وبعد معركة برية بحرية عنيفة تمكن المجاهدون من تحرير المدينة أين تمت مبايعته أميرا من قبل سكان المدينة وضواحيها والجبال المحيطة بها يوم 1514/05/15.
بعد تفكير عميق وتحليل لنتائج معركة بجاية الأولى وماحدث من تقاعس السلطان الحفصي عن إمداد المجاهدين بالبارود بعد أن أصبحوا تحت أسوار المدينة قرر أهالي مدينة جيجل والأخوان بابا عروج وخير الدين طلب النجدة من الخليفة العثماني سليم الذي فتحت جيوشه مصر، فتم إرسال وفد من علماء الجزائر إليه أين بايعوه كخليفة للمسلمين وجعلوا الخطبة له في الجوامع فكان رد السطان سليم أن أرسل دعما عسكريا قويا إلى بابا عروج تضمن ثمانمائة تركي و14 سفينة حربية وعددا من المدافع والبنادق وأحمال البارود كهدية للمجاهدين.
و بداية من هذه السنة أصبحت الجزائر جزء من بلاد السلطنة العثمانية مع الفرق، فبينما كانت باقي الأقاليم قد تم فتحها بقوة السلاح فإن الجزائر كانت الإقليم الوحيد الذي دخل طوعا مفضلا الدخول تحت خلافة إسلامية على الإحتلال الإسباني الصليبي وكانت المكافئة أن تم الإعتراف بالكيان الجزائري كدولة مستقلة تتبع السلطنة إسميا؛ فكان لها حق سك العملة و لها علمها الخاص المثلث الالوان الاخضر والاصفر والاحمر ولها جيشها وحق اختيار حاكمها وسياستها الخارجية المستقلة والتي كانت تتعارض أحيانا مع السياسة العثمانية نفسها فكثيرا ما كانت الجزائر تحارب دولا سالمتها الدولة العثمانية كما كانت الردود على طلبات السلطان من مثل "نُعلم سلطاننا أن هذا الامر غير ممكن أو ان هذا الامر غير مقبول" كثيرة وشائعة في المراسلات بين الدولتين، وكما وجدت الجزائر في تركيا حليفا قويا وجدت تركيا في الجزائر حليفا وصديقا وفيا أيضا فكثيرا ماتولى ضباط جزائريون قيادة الأسطول التركي كما كثيرا ما كان الأسطول الجزائري يشارك جنبا إلى جنب شقيقه التركي حروبه كمعركة ليبانتو ونفارين وغيرها.

من كتاب 'حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر واسبانيا 1492 – 1792' - الجزء الرابع

حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر واسبانيا
برج موسى، بجاية


حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر واسبانيا 1492 – 1792
تأليف : أحمد توفيق المدني
الناشر: الشركة الوطنية للنشر والتوزيع - الجزائر

نكبة مدينة وهران:

أتم الكاردينال الإسباني الجَسور استعدادات حملته الجديدة التي ابحرت يوم 1509/05/16 وتحت قيادته 15000 جندي إسباني وارست الحصار على مدينة وهران يوم 17 ماي 1505 واستعدت الحامية الباسلة للدفاع عن المدينة، غير أن الخيانة كان لها رأي آخر.
فقد اشترى القائد الإسباني ذمة اليهودي شطروا الذي لجأ الى المدينة في الأصل هاربا من بطش الإسبان في الأندلس وتسلم جمارك المدينة، نقول اشترى ذمته بذهب وفير وتم الإتفاق على أن يفتح للجيش الإسباني أحد أبواب المدينة ففتح اليهودي باب لامونا للإسبان الذين تسللوا من خلاله إلى المدينة وأعملوا السيف في رقاب أهلها الى الحد الذي سقطت معه دموع القائد الإسباني نفسه أمام هول المجازر التي لحقت بأهل المدينة المسلمين الذين قتل منهم مايزيد على الأربعة آلاف فرد وأُسر مايزيد عن الثمانية آلاف سِيقوا عبيدا الى إسبانيا.
وكانت الغنائم الإسبانية تقدر بالعملة الجزائرية الحالية بما يوازي أربعة ملايير دينار جزائري، فالمدينة كانت جمهورية تجارية حقيقية على شاكلة البندقية الإيطالية وغنية من التجارة مع موانئ مرسيليا وبرشلونة فغنم الإسبان كل ذلك.
تقع مدينة وهران داخل الخليج الذي يحمل إسمها على خط العرض 30.34 وعلى خط الطول 2.59 ويبلغ عرض خليجها 21 كيلومترا.  كانت في الأصل مستعمرة رومانية سميت باسم كيزا وكان المرسى الكبير يدعى حينها المرسى الإلهي وهو إلى الآن أحد أعظم الموانئ المتوسطية تحصينا ومناعة.  وأعاد القائد الأموي خضر أيام الخليفة عبد الرحمن الثالث بناء المدينة وتبحرت في العمران.

نكبة بجاية :

هي مدينة صلدة القرطاجية، وأعاد تأسيسها الملك الحمادي الناصر لدين الله سنة 1076 ميلادية ووسعها الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي سنة 1152 وكانت تسمى بمكة الصغرى لكثرة فقهائها ومدارسها وجوامعها، وكانت ميناء هاما يصدر الحبوب والزيوت والصوف والشمع والجلود الى أوروبا.
جهز الكاردينال خمينيس جيشه وأسند قيادته الى بيدرو نافارو فاتح وهران وجلادها، وأقلع على متن أسطول يضم 20 فينة وعشرة آلاف مقاتل إلى بجاية يوم 1510/01/01، وبعد تبادل قصف مدفعي عنيف مع الحامية المسلمة تمكن الجيش الإسباني من إنزال وحداته الى البر واحتل المدينة بعد أن انهارت جميع تحصيناتها وتم ذبح أربعة آلاف ومائة مسلم من أهلها.

بعد هذه الكاثة سارعت مدينة الجزائر إلى عقد اتفاق سلام مع إسبانيا تعهدت بموجبه بدفع الفدية السنوية مقابل عدم الإعتداء عليها واشترط الإسبان بناء حصن إسباني على جزيرة اسطفلة مقابل المدينة لضمان وفاء المدينة بالعهد.

من كتاب 'حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر واسبانيا 1492 – 1792' - الجزء الثالث

حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر واسبانيا
القلعة الإسبانية بمرجاجو، وهران

حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر واسبانيا 1492 – 1792
تأليف : أحمد توفيق المدني
الناشر: الشركة الوطنية للنشر والتوزيع - الجزائر

الإنتصار الجزائري العظيم في مسرغين :


في السهل الممتد شمالي بحيرة وهران الكبرى توجد قرية مسرغين، التي كانت تقطنها قبيلة عربية هي قبيلة الغرابة من بني تميم.

أراد القائد الإسباني دون دييغو ان يجرب حظه في فك الحصار المضروب على المرسى الكبير والحصول على بعض الغنائم والأسلاب من هذه القرية فتسلل جيشه عبر الجبال المحيطة بمدينة وهران مشكلا ما يعرف بالقطر الهندي أي رجل خلف آخر لصعوبة المسلك الذي لم يكن له خيار فيه فلا يوجد غيره فغير الطريق الساحلي المار مباشرة تحت حصون مدينة وهران.

ففي يوم 1507/06/06غادر الجيش الإسباني مدينة المرسى الكبير متسللا كما أشرنا الى قرية مسرغين الغنية وفاجؤوها عند الفجر تماما وبادروها بالهجوم المفاجئ، غير أنهم قوبلوا بمقاومة يائسة وعنيفة لم تجد نفعا أمام السلاح الإسباني الحديث فقد أخذت البندقية تحل شيئا فشيئا محل السهم والسيف في المعارك فاستشهد كل المسلمين القادرين على القتال في المعركة وأخذ الإسبان النساء سبايا وغنموا جميع ما في القرية من ثروة، وأخذوا في الانسحاب قافلين الى المرسى الكبير.

غير أن باقي ارفاد القبيلة وماجاورهم من القبائل فور وصول الأنباء الأولى عن الغارة الإسبانية حتى سارعوا الى قطع الطريق على الجيش الإسباني المنسحب عبر الطريق الجبلي الذي سيصير مقبرة له وماهي إلا ساعة من النهار حتى التحم الجيشان من جديد ولم يستطع الإسبان استعمال أسلحتهم النارية هذه المرة بسبب وعورة المسلك وضيقه، ووصلت بعد ذلك حامية مدينة وهران فتم حصار الجيش الإسباني من كل جهة واستمرت المعركة لحوالي الثلاث ساعات تم خلالها إبادة الجيش الإسباني بالكامل بحيث لم ينج منه إلا قائده دون دييغو وأربعة جنود معه وسقط أكثر من ثلاثة آلاف علج إسباني صرعى وأُسر مايزيد عن الثمانمائة.

حاولت حامية مدينة وهران إستثمار النصر بسرعة فتحركت فورا الى المرسى الكبير إلا ان المدفعية الإسبانية تمكنت من صد هجومها وردتها على أعقابها.

من كتاب 'حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر واسبانيا 1492 – 1792' - الجزء الثاني


حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر واسبانيا 1492 – 1792
تأليف : أحمد توفيق المدني
الناشر: الشركة الوطنية للنشر والتوزيع - الجزائر 

بدايات العدوان الإسباني قبل وصول النجدة التركية : 

إحتلال المرسى الكبير:

عندما صح العزم من الملك الاسباني جلاد مسلمي الأندلس فرناندو على غزو شمال افريقيا لإشغال المسلمين ببلادهم ومنعهم من التفكير في العودة الى إسبانيا مرة أخرى، لم تكن حالة الخزينة الإسبانية تسمح لها بتجهيز الجيش فتكفل الكاردينال خمينيس بتوفير النفقات اللازمة من أموال الكنيسة.
يثبت تقرير اسباني مترجم الى الفرنسية بواسطة المؤرخ الفرنسي بيليسي :
غادر الاسطول الاسباني ميناء مالقة يوم 1505/08/29، وكان يضم 45 سفينة بقيادة الدون ريموند دي قرطبة، وعلى متنه 5000 جندي بقيادة الدون دييغو فرنانديز دي قرطبة. 
وصل الأسطول الى ميناء المرسى الكبير بالغرب الجزائري يوم 11 سبتمبر، أين لم تتمكن الحامية المشكلة من 500 جندي من صد الإنزال الإسباني المفاجئ رغم معركة غير متكافئة استمرت ثلاثة أيام متواصلة وبعد سقوط الميناء وقلعته قرر سكان المدينة الإنسحاب منها بعد أن توصلوا الى اتفاق مع القائد الاسباني يسمح لهم بمغادرتها في سلام في مهلة ثلاث ساعات فقط، وفور دخول الإسبان المدينة تم تحويل جامعها الى كنيسة سميت باسم كنيسة القديس مخائيل.
من جهته  يؤكد المؤرخ دوغرامون في كتابه تاريخ مدينة الجزائر العثمانية أن المقاومة استمرت لمدة 55 يوما قبل سقوط المدينة وأن السفن الإسبانية كانت تضع على مقدمتها أكياس الصوف حتى لا تتأثر بمدفعية الحصن الجزائري، وأن قوة المدفعية الإسبانية هي التي حسمت المعركة في الاخير.
غير أن المحزن في الأمر انه بعد يوم واحد فقط من سقوط المدينة وصل الجيش الزياني وكان قوامه 22 ألف رجل وشن الجيش فور وصوله هجوما عنيفا شرسا على اسوار المدينة الا ان الجندي الإسباني كما ظهر في هذه المعركة والمعارك التي ستليها بمجرد ان يتحصن بجدار فإنه يصبح جزءا منه لا يستسلم إلا في النادر الأقل مفضلا الموت على ذلك.
شكلت هذه المعركة يوم 1505/09/11 بداية الحرب الجزائرية الاسبانية التي ستستمر لمدة ثلاثة قرون متوالية الى غاية تحرير مدينة وهران سنة 1792.
ماكاد خبر الإستيلاء على المرسى الكبير تصل الى إسبانيا حتى عمت الأفراح وأُعلن العيد لمدة سبعة أيام متوالية وصدر منشور بابوي يعطي لملك إسبانيا السلطة على الجزائر وتونس وأعطى البرتغال السلطة على المغرب الأقصى.

من كتاب 'حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر واسبانيا 1492 – 1792' - الجزء الأول

حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر واسبانيا


تقديم الكتاب :

حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر واسبانيا 1492 – 1792
تأليف : أحمد توفيق المدني
الناشر: الشركة الوطنية للنشر والتوزيع - الجزائر

حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر واسبانيا

مقدمة :

عندما طلب آخر ملوك غرناطة عبد الله الأحمر من الملكين الكاثوليكيين فرديناند وايزابيلا السماح له باللجوء الى المغرب مع حاشيته، توجسا  خيفة من ذلك وفي ذهنهما معركة الارك والزلاقة عندما هب المرابطون والموحدون لنجدة مسلمي الأندلس وأرجعوا الإسبان الى الوراء، وفي نفوسهما خوف من أن يكرر ابن الاحمر الكرة ويعيد الحرب على اسبانيا.
غير أن الكاردينال خمينيس الذي كانت جواسيسه تجوب شمال افريقيا طمأن الملكين بأن المغرب العربي في حالة من الإنهيار لا يمكن معه أن ينتظر ابن الاحمر اي معونة بل لعل السماء تهيأ للملكين الجو لإعادة شمال افريقيا الى الكنيسة مرة أخرى.
في الحقيقة لم يكن الكاردينال مخطئا فقد انهار ذلك الصرح العظيم الذي اقامه البطل الجزائري عبد المؤمن بن علي وخلفائه الموحدين ورثة امبراطورية المرابطين الكبيرة وتفتت دولة الموحدين التي نجحت في توحيد المغرب العربي لاول مرة في تاريخه الى ثلاث دول حيث استقل بنو حفص بتونس وطرابلس وبنو عبد الواد بالجزائر وبنو مرين بالمغرب الاقصى، وسرعان مادخلت هذه الدول في حروب بينها وجعل الله بأسها فيمابينها فكان المغرب العربي مسرحا لسلسلة طويلة من الحروب انهكت قواه الى درجة ان اتخذ السلاطين في الدول الثلاثة حرسا من المسيحيين من النورمان والإسبان والايطاليين مما جعل اسرار البلاد مكشوفة وخيراتها منهوبة وبأسها ضعيف إلا فيما بينها .
وسرعان ما ضعفت أسس هذه الدول التي سرعان ما تفتت الى دويلات صغيرة؛ ففي الشرق إستقل الأمير الحفصي ابن عباس بشرق الجزائر وكون إمارة بني عباس، أما في الوسط فقد شكلت مدن الجزائر وبجاية ووهران ودلس و شرشال جمهوريات تجارية مستقلة على شاكلة الجمهوريات الايطالية كجنوا والبندقية وفلورنسا.  بينما أخذ نجم بني مرين في الأفول تدريجيا فبينما كان السلطان المريني سعيد يحاصر تلمسان، اسوتلى البرتغال على أصيلا، ثم انتهزوا فرصة محاربته لأبي حسون واستولوا مرة أخرى على عدد من المدن والموانئ المغربية.  بينما انشغلت دولة بني عبد الواد إما في رد غارة حفصية تارة أو في رد غزو مريني تارة أخرى أو في قمع تمرد يقوم به عرب بني سويد أو قبيلة مغراوة أو في مجابهة دسائس قبائل بني راشد.

من جذور الجزائر التاريخية : الدولة الرستمية 144 – 296هـ / 761 – 908 م

الدولة الرستمية



بدأ عهد الدولة الرستمية الإباضية عندما بويع عبدالرحمن بن رستم بالإمامة بمدينة تاهرت (تيهرت) بالجزائر وانتهت في عهد اليقظان بن أبي اليقظان على يد داعي الفاطميين أبي عبدالله الشيعي.

تأسيسها :

تأسست الدولة الرستمية بتيهرت عام 160 هـ على يد عبد الرحمن بن رستم , وتعد أول دولة إسلامية مستقلة في المغرب الإسلامي.

ظروف تأسيسها : 

بعد أن تخرجت البعثة العلمية الأولى من مدرسة أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة بعد خمس سنوات من طلب العلم سنة 134 هـ , لم تمض ست سنوات أخرى حتى تمكن الإمام أبو الخطاب عبد الأعلى بن السمح اليمني من تأسيس أول إمامة إسلامية مستقلة عن الخلافة العباسية، في ليبيا، سنة 140 هـ، إلا أن أبا جعفر المنصور العباسي تمكن من القضاء على هذه الإمامة سنة 144هـ، لكن عبد الرحمن بن رستم الذي كان واليا على القيروان هبّ بجيشه لمساعدة أبي الخطاب، و لما بلغه وفاة أبي الخطاب و انهزامه لم ييأس فذهب مرة أخرى إلى قابس والقيروان ثم إلى المغرب الأوسط (الجزائر)، وتمكن من النزول عند قبيلة "لماية" حيث وجد مؤازرة ومساعدة قوية، فاستطاع أن يؤسس هو وأنصاره الدولة الرستمية سنة 160 هـ واتخذ تيهرت عاصمة لها.


عبد الرحمن بن رستم :  سيرته : 

كان عبد الرحمن بن رستم حاكما عادلا، بسيطا في مسكنه و لباسه، متقشفا وورعا، حيث يقول ابن الصغير في وصفه : "فأذن للقوم فدخلوا عليه فوجدوه رجلا جالسا على حصير فوقه جلد، وليس في بيته شيء سوى وسادته التي ينام عليها، وسيفه ورمحه وفرس مربوط في ناحية من داره، فسلموا عليه وأعلموه أنهم رسل إخوانه إليه، فأمر غلامه بإحضار طعامه فأتاه بمائدة عليها قرص خبز و سمن، ثم قال : على اسم الله، أدنوا وكُلُوا، ثم أكل معهم".

الحياة الثقافية و الإقتصادية في الدولة الرستمية :

"...لقد بلغت تيهرت يومئذ شأنا عظيما من العمران و من توفر أسباب الحضارة و الرفاهية، حتى أنها كانت تشبه و تقارن بقرطبة و بغداد و دمشق و غيرها من العواصم اللامعة".

في عهد الدولة الرستمية ازدهرت العلوم الشرعية و العقلية ازدهارًا كبيرًا حتّى أصبحت تيهرت تلقب بعراق المغرب، وهذا الأمر الهام يعود الى حرية الفكر وحرية المذاهب الاسلامية الأخرى التي كانت تعيش تحت ظل الدولة الرستمية كالمالكية والمعتزلة والشيعة و أحسن دليل على ذلك ما أورده ابن الصغير المالكي القائل: "ومن أتى حلق الاباضية من غيرهم قربوه وناظروه ألطف مناظرة وكذلك من أتى من الاباضية الى حلق غيرهم كان سبيله كذلك". وكذا استمرت الدولة الرستمية في أداء دورها الاسلامي الثقافي في المغرب والسودان وغرب افريقيا بفضل دعاة الاسلام.

هذه الدولة الاسلامية شجعت التعليم والتأليف والمكتبات ولا أدَلَّ على ذلك من وجود المكتبة المعصومة في تيهرت التي كانت تحتوي على 300,000 مجلد في شتى العلوم الدينية و العقلية. 

يقول المؤرخ الجزائري عبد الرحمن الجيلالي : "ولم تكن هناك دولة جزائرية كانت تداني حضارة هذه الدولة فيما بلغته من الرقي والإزدهار المادي والأدبي؛ فلقد بلغت تيهرت يومئذ شأنا عظيما من العمران ومن توفر أسباب الحضارة والرفاهية، حتى أنها كانت تشبه وتقارن بقرطبة وبغداد ودمشق وغيرها من العواصم اللامعة".

وقد كان للتجار الرستميين الدور الأساسي في إخراج قبائل المغرب الأوسط من بداوتها وتكوين سكانها وشحذ أخلاقهم ومداركهم عبر السنين والحقب، ذلك لأن التجار كانوا يحتكون بمعظم الشعوب والأجناس فينقلون ثقافاتهم المتعددة إلى المغرب، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على ازدهار التجارة (الإقتصاد) في عهد الدولة الرستمية.

الأئمة الرستميون :

الإمام عبد الرحمن بن رستم : 
مؤسس الدولة الرستمية، كان رجلا صلبًا، ورعًا، حازمًا، زاهدًا، دامت خلافته من سنة 160 هـ إلى سنة 171 هـ. 

الإمام عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم :
كان رجلا عظيمًا، سياسيا، حازمًا. ثارت في وجهه عدة فتن فتغلب عليها. دامت خلافته من سنة 171 هـ إلى سنة 190 هـ.

الإمام أفلح بن عبد الوهاب :
كان عالما، شاعرا، و قائدا محنكا. قويت الدولة في عهده. دامت خلافته من 190 إلى 240 هـ.

الإمام أبو بكر بن أفلح :
كان أديبا، مترفا، ضعيف الشخصية، لم يعالج أمور الدولة بعزم و حزم كأبيه. دامت خلافته سنة واحدة من 240 إلى 241 هـ. 

الإمام أبو اليقظان محمد بن أفلح :
رجل زاهد، ورع تقي، عفيف اللسان و اليد. دامت خلافته من 241 إلى 281 هـ. 

الإمام أبو حاتم يوسف بن أبي اليقظان :
اضطربت أحوال الدولة في عهده وكان كريم النفس. قتله أحد أقاربه فدخلت الدولة في الخلافات والتصدع. دامت خلافته من سنة 281 إلى 294 هـ. 

الإمام اليقظان ابن أبي اليقظان :
بايعه بعض أنصاره بعد مقتل أخيه يوسف. كان عهده مليئا بالفتن. دامت خلافته سنتين عاشها في قلق شديد من 294هـ إلى سقوط الدولة عام 296هـ.

سقوط الدولة الرستمية : 

كان عهد الإمام اليقظان كما قلنا مليئا بالفتن والصراعات بين أفراد الأسرة الحاكمة التي بدأ يدبُّ فيها سرطان حب الزعامة والعدول عن الحق و فضيلة التقوى والورع، إذ أخذ الإمامة غصبا وعاش فترة حكمه في قلق شديد بسبب الظروف المحلية واستفحال أمر الشيعة الذين استغلوا حرية الفكر والعقيدة في الدولة الرستمية. كل هذه العوامل عجلت بسقوط الدولة الرستمية سنة 296هـ بزعامة أبي عبد الله الحجاني الشيعي الذي قتل اليقظان بن أبي اليقظان وأسرته وحاشيته.

الرستميون في وادي ميزاب : 

بعد سقوط الدولة الرستمية هاجر رعايا الإباضية والرستميين من تيهرت إلى وارجلان (ورقلة حاليًا) وسدراتة، وانعقد مؤتمر بمدينة أريغ سنة 421هـ للنظر في مسائل الرستميين اللاجئين لأن أريغ قد غص بسكانه وباللاجئين، فافضى المؤتمر إلى انتداب العلامة أبي عبد الله محمد بن أبي بكر ليجول في صحراء المغرب الأوسط علَّه يجد ملجأ للرستميين فوقع اختياره على بادية بني مصعب فبدأ أولا بالدعوة إلى المذهب الإباضي ثم بدأت هجرة الرستميين الإباضيين إلى وادي ميزاب . إذن فالعلاقة بين الرستميين والمصعبيين هو أن الرستميين هم الذين أرشدوا المصعبيين إلى المذهب الإباضي والمصعبيون هم من استقبل المهاجرين الرستميين إليهم.

تيهرت المعاصرة : 

تيهرت أو تيارت حاليا تقع في الغرب الجزائري وتبعد عن الجزائر العاصمة بحوالي 333 كلم، معروفة ببوابة الصحراء وهي تشتهر بالفروسية و إنتاج "الجواد العربي الاصيل" حيث انها تحتل المرتبة الاولى افريقيا. 

العلاقات الجزائرية الأمريكية قبل 1830

العلاقات الأمريكية الجزائرية قبل 1830


سعت الولايات المتحدة الأمريكية الى عقد معاهدة مع الجزائر التي كانت اقوى النيابات العثمانية آنذاك حفاظاً على سلامة السفن التجارية الأمريكية في البحر المتوسط. فبعد انتصارهم على الإسبان وعقد معاهدة معهم عام 1783م، أُتيح للجزائريين التحرك بحرية أكبر في البحر المتوسط و المحيط الأطلنطي بعدما فُتح أمامهم مضيق جبل طارق، فاستولى الجزائريون على سفينتين أمريكيتين عام 1785 وزادت حصيلتهم من الأسرى الأمريكيين. 

أرسلت الولايات المتحدة مندوبا عام 1786 يدعى جون لامب فدخل في مفاوضات مع الداي محمد باشا فوافق الأمريكيون على دفع مبلغ عشرة آلاف دولار مع أن الداي كان قد طالب ب59464 دولار.

ورغم غلق البرتغال لمضيق جبل طارق أمام البحرية الجزائرية و تقديم الحكومة البرتغالية الحماية للسفن الأمريكية إلا أن السفن الجزائرية استطاعت الإستيلاء على 11 سفينة أمريكية في عام 1793 وبلغ عدد الأسرى الأمريكيين 150 أسيرا. وقد أدى هذا الى إحداث إثارة كبيرة في الولايات المتحدة وبذلت المساعي من أجل حل هذه المسألة. فأقر الكونجرس في عام 1794 إنشاء اسطول مكون من 6 سفن أمريكية لاستخدامها ضد الإعتدءات المعادية في البحر المتوسط . ورغم إقرار أسلوب القوة الا أن وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية الجديد ادمون راندلوف اضطر لتخصيص مبلغ 800 ألف دولار لتحقيق السلام وتخليص الأسرى لدى الجزائر.

وفي عام 1795 سافر المندوب الأمريكي جوزيف دونالدسون إلى الجزائر للإتفاق على عقد معاهدة "الصداقة و السلام" بين الولايات المتحدة و الجزائر في 5 سبتمبر 1795 . و تم الإمضاء على المعاهدة رغم تحريض بريطانيا للداي على الإستمرار ضد النشاط التجاري الأمريكي من أجل القضاء عليه من ناحية، وتحجيم دور فرنسا من ناحية أخرى. 

أما أهم مواد المعاهدة فهي أن تدفع الولايات المتحدة للجزائر إتاوة سنوية مقدارها 12 ألف من الذهب الجزائري مع إمكانية أن يتم الدفع عينيا، كأن يقوم الجانب الأمريكي بإعطاء الجزائر ما تحتاجه من معدات بحرية، و سواري السفن ولوازمها من حبال ، وأخشاب فضلا عن بعض المدافع والبارود على أن يتم حساب أثمانها من الأتاوة السنوية، وفي حالة الزيادة أو النقصان يتم التعويض.

وحدث تأخير من قبل الولايات المتحدة في إرسال ما تم الإتفاق عليه مع الجزائر فظن الداي أن الأمريكيين غير جادين في تنفيذ المعاهدة. و أبلغ المندوبين الأمريكيين بضرورة المغادرة خلال أيام وإذا لم يتم التسليم خلال شهر فسيلغي المعاهدة ويعلن الحرب. فلجأ المندوبان الى أحد كبار التجار اليهود من آل بكري للتوسط لدي الداي لزيادة المهلة بعد أن حاولوا استمالة الداي بالوعد بإهداء سفينة إلى ابنته. فوافق الداي على زيادة المهلة إلى ثلاثة أشهر فقط. و وعدت الولايات المتحدة بإرسال اللازم في صيف عام 1797. و في عام 1800م وصلت السفينة الأمريكية جورج واشنطن الى الجزائر تحمل الإتاوة السنوية.

استمرت العلاقة بين الجزائر و الولايات المتحدة تسير في ظل معاهدة 1795 م رغم حدوث بعض التوتر بسبب التأخر في إرسال الإتاوة الى الجزائر، أو المعدات الحربية، والذي وصل في بعض الأحيان إلى التهديد والإستيلاء على السفن الأمريكية. وقد إزداد الأمر سوءا عند اندلاع الحرب الأمريكية البريطانية عام (1812 – 1814) الأمر الذي أدى الى توقف التجارة الأمريكية البحرية في البحر المتوسط.

وبعد انتهاء الحرب الأمريكية البريطانية قررت الولايات المتحدة حل مسألة الجزائر بصفة نهائية حيث كانت متأكدة من أنها ستجبر الجزائر على الرضوخ لمطالبها بسبب تدهور الأوضاع الداخلية في الجزائر نتيجة للصراع بين الدايات والإنكشارية فضلا عن أن الولايات المتحدة حاولت الإستفادة من قرارات مؤتمر فيينا عام 1815 م والذي قررت فيه الدول الأوروبية إنهاء الإعتدءات على السفن في البحر المتوسط. فأعلن الرئيس الأمريكي جيمس ماديسون في عام 1815م الحرب على الجزائر وتم إعداد اسطولين لهذا الغرض. 

و بدأت الحرب بين الطرفين في ظل ظروف غير متكافئة، وانتهت بإنتصار الأسطول الأمريكي، وجرت المفاوضات لعقد المعاهدة في 30 يونيو 1815م بناء على الشروط التي وضعتها الولايات المتحدة من أهمها عدم دفع الأمركيين إتاوة سنوية للجزائر. ووافق الداي عمر باشا مقابل رد السفينتين الجزائريتين التي لم تعودا الى الميناء بعد اعتدأت الأمريكيين عليهما، وأثناء ذلك كانت الأمور تتطور لصالح الولايات المتحدة حيث قام الأسطول الهولندي – البريطاني بقصف مدينة الجزائر عام 1816م وإجبارها على قبول مطالب بريطانيا مما زعزع من مكانة الجزائر. وأخذ الأسطول الأمريكي يظهر أمام سواحلها مستغلا الهزيمة، ولم يكن لدى الداي قوة تمكنه من مقاومة الأسطول الأمريكي، ولهذا اضطر الى عقد معاهدة مع الولايات المتحدة طبقا لشروطها في 22 ديسمبر 1816م ومن أهم موادها عدم دفع الأمريكيين أية أتاوة للجزائر اعتبارا من ذلك التاريخ، وعدم إعادة السفينتين الجزائريتين.

وبعد توقيع هذه المعاهدة لم يحدث بين الولايات المتحدة والجزائر أية أحداث ذات أهمية، ولعل ذلك يعود إى ازدياد تدهور الأوضاع الداخلية للجزائر مما مكن الولايات المتحدة من زيادة تدعيم وجودها في البحر المتوسط.

الجهاد البحري الجزائري وفرض الإتاوات على السفن الأوروبية، هل يُعتبر قرصنة؟

الجهاد البحري الجزائري وفرض الإتاوات على السفن الأوروبية، هل يُعتبر قرصنة؟


إن تاريخ الجزائر الحضاري تعرض لكثير من التشويه؛ فالمؤرخون الأوروبيون يصرون على اعتبار البحارة المسلمين الذين جاهدوا لوقف الهجمات الصليبية على بلادهم أمثال "عروج" وأخيه "خير الدين بربروس" و"صالح رايس" على أنهم قراصنة مع أن هؤلاء كانوا مثلا أعلى في البطولة والفدائية، فقد جسد "عروج" و "خير الدين" في نظر الجزائريين روح المواجهة والإستبسال في المعارك التي خاضوها دفاعا عن الإسلام في شمال إفريقيا، واستطاعوا جمع سائر مسلمي هذه البلاد لمواجهة أعداء الإسلام، ومن المؤسف حقاً أن نرى بعض المؤرخين والباحثين المسلمين قد سايروا المؤرخين الأوروبيين في هذا الرأي الخاطئ، ووصفوا عمليات الجهاد الديني البحري التي قام بها هؤلاء البحارة ضد السفن المسيحية التي دأبت على التعرض للسفن الإسلامية بأنها عمليات قرصنة رغم خطئها إذ يجب أن نطلق عليها عملية الجهاد البحري الإسلامي، فليس من المنطقي أن نعتبر الرجال الذي يخرجون على سفنهم للدفاع عن السواحل الإسلامية في شمالي أفريقيا والعمل على حماية الممتلكات والأرواح الإسلامية بأنهم قطاع طرق وقراصنة ولا هَمّ لهم إلا السلب والنهب وخنق التجارة الدولية، وعرقلة قيام علاقات سلمية بين الشعوب.

ومن الغريب حقا أن نجد أفكارا خاطئة حول هذا الموضوع لا تزال رائجة يرددها متخصصون أكاديميون، الواقع أن هجوم السفن الإسلامية ضد السفن البحرية الصليبية كان جهادا بحريا إسلاميا وخاصة أنه كانت هناك حروب مستمرة بين الدول.

وقد استند المسلمون إلى مبدأ الجهاد الإسلامي في محاربة أعداء الإسلام سواء على الأرض أو في البحر؛ لذلك فإن ما قام به رجال البحر الجزائريون ضد سفن إسبانيا والبرتغال و فرسان القديس يوحنا كان جهادا بحريا إسلاميا جاءت بدايته ردا على اعتدءات تلك القوى الصليبية على المسلمين في اسبانيا وفي شواطئ بلاد المغرب. كما أن ما قاموا به يمكن اعتباره من قبيل الدفاع عن النفس ضد أطماع القوى الصليبية، يضاف إلى ذلك أنه من المعروف أن القرصنة – إذا صح ذلك التعبير – لم تكن مقتصرة على مسلمي شمال إفريقيا، ولكنها كانت سلاحا استخدمه المسلمون وغير المسلمين، فكما كانت السفن الإسلامية تعتدي على سفن الدولة الأوروبية، فإنها كانت سلاحا استخدمه ضد بعضهم البعض وضد المسلمين أيضا، فقد استخدمه الإنجليز ضد سفن خصومهم الإسبان، وباركته الحكومة الإنجليزية، كما شهره البرتغاليون ضد السفن الإسلامية بعد موقعة ديو البحرية.

وعلى أية حال فقد استطاع رياس البحر المسلمون الدفاع عن الشمال الإفريقي ضد العدوان الإسباني المتحالف مع فرسان القديس يوحنا حتى لاح لهم أنه من الخير أن ينضموا تحت لواء الدولة العثمانية ففعلوا وتحول الجهاد الإسلامي في منطقة المغرب العربي من جهاد فردي، إلى جهاد دولة تمتلك من الأساطيل ما تستطيع به ردع أي عدوان صليبي ضد أي دولة إسلامية.

توجهات النضال السياسي الجزائري بين الحربين (1919 - 1939)




لقد تبلور النضال السياسي الجزائري فيما بين الحربين العالميتين في ثلاث توجهات :

التوجه الإصلاحي :

مثلت هذا التوجه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي تلخصت مبادئها (الجزائر وطننا، العربية لغتنا، الإسلام ديننا).   تأسست في 05 ماي 1931 بالعاصمة في نادي الترقي.  ضمت 72 عالما جزائريا يترأسهم الشيخ عبد الحميد بن باديس. وقد اعتمدت الجمعية لتحقيق أهدافها على :
  • المدارس الحرة لنشر التعليم والقضاء على الأمية.
  • الصحافة للتعريف بأهداف الجمعية ومبادئها وفضح الاستعمار.
  • المحاضرات لنشر الوعي لتحسيس الجزائريين بمؤامرات الاستعمار.
  • النوادي الثقافية لنشر الثقافة وتمكين الشباب من الانفتاح والنشاط.
وتجلى توجه الجمعية السياسي من خلال مشاركتها المؤتمر الإسلامي سنة 1936 وقيادة رئيسها الوفد الذي توجه إلى فرنسا لعرض مطالب الجزائريين.  وقد تعرضت لمضايقات الاستعمار بفعل نشاطها ( مصادرة صحفها كالشهاب، والبصائر ومراقبة أعضائها).

التوجه الإدماجي :

تمثل في فيدرالية النواب المسلمين الجزائريين المؤسسة في 11 سبتمبر 1927م.  من رموزها معروف بومدين، د. ابن التهامي، محمد الصالح بن جلول و فرحات عباس.
 
ظهر خلاف بين أعضاء قيادته حول نقطة التجنيس، مما أدى إلى انقسامه إلى تيارين بعد المؤتمر الإسلامي في 07 جوان 1936 :
  • التجمع الفرنسي الإسلامي الجزائري و يتزعمه د. ابن جلول.
  • إتحاد الشعب الجزائري و يتزعمه فرحات عباس.
لعب فرحات عباس أثناء الحرب العالمية الثانية دورا بارزا من خلال مبادرته في بيان 10 فيفري 1943 و جبهة أحباب البيان و الحرية 1943 التي أبرزت تطور مطالب فرحات عباس من فكرة الإدماج إلى فكرة إقامة دولة جزائرية مرتبطة فيدراليا بفرنسا عرضها عبر حزب (الاتحاد الديمقراطي للبيان الجزائري) سنة 1946 إلى انضمامه إلى الثورة التحريرية سنة 1956.
 
كما ظهر الحزب الشيوعي الجزائري الذي ارتبط عضويا بالحزب الشيوعي الفرنسي من خلال فيدرالية الجزائر (1924).  ثم تطور إلى حزب شيوعي جزائري مستقل ذي توجه إدماجي سنة 1935م.  وبعد الحرب العالمية الثانية غير اسمه إلى أصحاب الحرية والديمقراطية.
 
إلى جانب الأحزاب السياسية، ظهر شكل آخر من أشكال المقاومة تمثل في أول فوج للكشافة الإسلامية سنة 1930م بمدينة مليانة على يد محمد بوراس (الكشافة الإسلامية الوطنية) كما ساهم الشعر والأدب الشعبي والمرسم والمسرح والإذاعة في النهضة الفكرية والثقافية و تنمية الوعي الوطني.


التوجه الإستقلالي الثوري :

مثل هذا الاتجاه حزب نجم شمال إفريقيا ( 1926 ) والذي تجزأر في 1927 . كان يرمي إلى تحقيق استقلال الجزائر، تعرض للحل عدة مرات و أعيد تشكيله باسم حزب الشعب الجزائري في 11 مارس 1937 . ثم حزب حركة انتصار الحريات الديمقراطية في نوفمبر 1946 و الذي أنشأ جناحا عسكريا هو المنظمة الخاصة (فيفري 1947 ) وقد تعرض الحزب إلى أزمة سياسية في أفريل 1953 . كان لسان حاله صحيفة الإقدام الباريسي ثم جريدة الأمة بعد 1930، من مطالبه :
  • الاستقلال التام للجزائر
  • جلاء الجيش الفرنسي
  • إنشاء جيش وطني
  • مصادرة الأملاك الزراعية الكبيرة للكولون
  • إلغاء قانون الأهالي
  • حرية الصحافة والاجتماع والتجمع والحقوق السياسية والنقابية
  • العفو العام عن الجزائريين المسجونين
  • إنشاء مجلس وطني جزائري منتخب
  • فتح المدارس العربية


التوجهات الأكثر شعبية و واقعية :

أكثر التوجهات شعبية هو التوجه الاستقلالي الممثل في نجم شمال إفريقيا (1927)، ثم حزب الشعب (1937)، ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية (1946) لأن مطالبه كانت استقلالية ترفض التعايش مع المستعمر كما أن هذا التوجه خرج من أوساط الشعب فكان يعبر عن طموحاتهم وتطلعاتهم.


نتائج المقاومة الوطنية ( العسكرية والسياسية) :

أثمرت المقاومة عدة نتائج :
  • استمرار رفض الشعب الجزائري للوجود الاستعماري من خلال استمرار روح المقاومة عبر أساليب مختلفة.
  • أدت المقاومة المستمرة إلى إفشال المخططات الاستعمارية الهادفة إلى إذابة الشخصية الوطنية وطمسها.
  • إدراك الشعب الجزائري لأهمية الوحدة في الوقوف ضد سياسة الاستعمار فعمل على توحيد مواقفه رغم الاختلافات الفكرية
  • المؤتمر الإسلامي سنة 1936م.
  • بيان 10 فيفري 1943م وجبهة أحباب البيان والحرية (1944م).
  • حافظت المقاومة الوطنية على وحدة التراب الوطني من خلال انتشارها العسكري والسياسي رغم محاولات الاستعمار لتمزيقها.
  • تمكنت المقاومة الوطنية بأساليبها ووسائلها المختلفة من نشر الوعي الوطني في أوساط الجزائريين وتكوين جيل قاد الثورة التحررية المباركة سنة 1954م.