النشاط البحري للجزائر في العهد العثماني، حروب بحرية مشروعة أم قرصنة ولصوصية ؟

 
 
خلف الله سمير


 حروب بحرية مشروعة أم قرصنة ولصوصية ؟

 

 خطة الدراسة
 
 المقدمة
 دوافع الجهاد البحري الجزائري خلال الحقبة العثمانية
 الحقيقة المغيبة مجاهدو بحر لا قراصنة
 التشويه المتعمد لظاهرة الجهاد البحري الجزائري قبل 1830
القرصنة البحرية منتج أوروبي بامتياز
 نابليون بونابرت ومسألة الجهاد البحري الجزائري
 قضية الجهاد البحري الجزائري ومؤتمر فيينا
 الخاتمة
 

 المقدمة


 ما دفعنا إلى كتابة هذه الدراسة هي أن تصورات بعض الجزائريين حول موضوع الحروب البحرية الجزائرية خلال العهد العثماني أو ما يطلق عليها ظلما تسمية القرصنة الجزائرية في عرض المتوسط . لهي تصورات تلامس حدود الأسطورة أكثر مما هي تلامس حدود الواقع والحقيقة وفيها الكثير من المغالطات . فمن جهة نجد أن معظم الجزائريين يعتزون بهذا الماضي العريق والمجيد وتعتريهم نشوة ، وشعور بالفخر والزهو عند التطرق إلى هذا الموضوع . ولكنهم ومن جهة أخرى يشعرون بأن هناك جانب يبدو وكأنه لا أخلاقي في جهاد آبائهم البحري ويشعرون تجاهه بالقلق ، وهذا لكونه يسمى عند البعض بالقرصنة الجزائرية ، وكلنا يعلم ما يحضر في الذهن من معاني ومن دلالات سلبية عند التطرق لموضوع القرصنة والقراصنة ، وكلها تلصق وبصورة ألية بالمجاهدين البحريين الجزائريين خلال العهد العثماني ، ولهذا فالجزائريين ممزقين بين الشعور بالفخر من جهة وبشعور عقدة الذنب من جهة أخرى .

علما بأن الجزائريين اليوم يستخدمون المصطلحات الغربية ، وهذا بدلا من المصطلحات الجزائرية الأصيلة كالجهاد البحري مثلا . ومن هنا جاء هذا الغموض ، وتلك التشوهات المقرونة بالبحرية الجزائرية وبالجهاد البحري الجزائري خلال العهد العثماني ، وإننا لنرجو بأن تقوم دراستنا هذه بتوضيح ولو لجزء بسيط من حقيقة جهاد الجزائريين البحري خلال العهد العثماني . خاصة وأن كتابات الجزائريين قد غابت طوال القرن ال 19 تقريبا ، إلا ما ارتبط منها بالإدارة الفرنسية . وحلت محلها شهادات الأوروبيين المملوءة بالحقد وبالزيوف وبالتضليل ، وهي تعتبر الجزائريين مجرد أمة من اللصوص ومن الهمج الأحرار يحكمها السيد الهمجي الإقطاعي أو اللص قاطع الطريق 01 . وهذه هي الأحكام الخاطئة والكاذبة ، والتي تقفز إلى مخيلتنا عند ذكر كلمة القرصنة الجزائرية في العهد العثماني ، وهو الأمر الواجب التصدي له وبكل حزم وتبيان زيفه .

إن عبارة القرصان لهي مشتقة من اللفظ اللاتيني كورسارو Corsaro ، والذي كان يطلق في الأصل على كل سفينة مسلحة رخص لملاحيها بأن يجوبوا البحار ، ويقاتلوا سفن الأعداء 02 . ولقد تطور مفهوم القرصنة لدى الطرف المسيحي ليتحدد في مجموعة من المعاني ، والألفاظ تدخل في دائرة النهب البحري Piraterie) ، والنشاط القرصاني (Activité corsair ، والقرصنة البربرية الاسلامية Course Barbaresque Musulmane ، التي كانت كردة فعل ضد التحرشات الأوروبية الصليبية على سواحل المغرب الإسلامي 03 .

كما لا يجب أن ننسى بأن القراصة في البحر كانوا يحترفون فعلا عمليات النهب والسطو المسلحة ضد أية سفينة تقع تحت مرمى بصرهم ، ولا هدف لهم غير عمليات السطو والنهب . فهل كان هذا هو شأن البحارة الجزائريين في العهد العثماني ؟ ، هذا ما سوف نراه في اللاحق من دراستنا هذه .

وعطفا على ما سبق فإن القرصنة البحرية تعرف بأنها : " الجرائم أو الأعمال العدائية ، والسلب أو العنف المرتكبان في البحر ضد سفينة ما ، أو طاقمها ، أو حمولتها " . كما يمكن تعريف القرصان : " بأنه المغامر الذي يجوب البحار لنهب السفن التجارية " . 04 والقرصنة كلمة قديمة الاستخدام حيث أنها تعود للعام 140 قبل الميلاد وهذا عندما استخدمت من جانب المؤرخ الروماني بوليبيوس ، وأشار إليها المؤرخ اليوناني بلوتارك عام مائة بعد الميلاد ، ليعبر بها عن أقدم تعريف واضح للقرصنة ، فقد وصف القراصنة بأنهم : " أولئك الأشخاص الذين يهاجمون بدون سلطة قانونية ليس فقط السفن ولكن المدن الساحلية أيضا " . 05 وهذا ما يتناقض مع الأعمال العسكرية البحرية الممارسة من قبل الأسطول الجزائري في عرض البحر المتوسط والمحيط الأطلسي ، فهي أعمال قانونية شرعية وفق القانون المحلي أو الدولي المتعارف عليه خلال حقبة الجزائر العثمانية ، وإلا فإنه ليس من المعقول أن تتحالف فرنسا في تلك الفترة مع اللصوص والسرّاق ومع القتلة ضد إسبانيا المسيحية ، وتستنجد بهم للدفاع عن أراضيها وتصبح طولون الفرنسية قاعدة بحرية لهم .

وكاذب من يقول بأن مختلف الأمم والدول في الفترة ما قبل 1830 ، لم تمارس القرصنة ضد بعضها البعض ، ولذلك فكما كانت القرصنة البحرية مؤسسة قانونية قائمة بحد ذاتها في الدول الأوروبية . فالجهاد البحري كان شأنه كذلك في الجزائر العثمانية ، حيث كان ما يطلق عليه بالقرصنة أو الجهاد البحري يعتبر : " صنعة ، كما اعتبر المستثمرون في نظام القرصنة أنفسهم موظفين ، وليسوا سراقا ، أو هاربين أو قطاعا للطرق ، فعملهم كان معترفا به في الإيالة الجزائرية مثلما كان يعترف بالصنائع الأخرى ، كالدباغة ، والصياغة ، أو الصناعة الخزفية والخبازة ، أي أنها حرفة شأنها شأن الحرف الأخرى " 06

ولا تهمنا هنا الكتابات الأوروبية التي كتبوها عن الجزائر العثمانية ، ففي عرفهم كل الأعمال الحربية التي تقوم بها الحكومة التركية في الجزائر يطلقون عليها قرصنة برية كانت أو بحرية ، ودليلنا في هذا هذه الفقرة والتي نقتطفها من مذكرات القنصل الأمريكي في الجزائر سبنسر والتي جاء فيها : " وحكومة الأتراك التي تمارس القرصنة في عرض البحر تمارس قرصنة مماثلة في البر أيضا ضد السكان في جميع الرقعة التي يمتد عليها سلطانها " . 07

ولهذا فقد كان من المفروض على المترجمين للغة العربية من اللغات الغربية أن يستخدموا لفظة الحرب البحرية بدلا من لفظة قرصنة ، وكان الأفضل ترجمة لفظة piraterie التي يستخدمونها إلى لفظة حرب بحرية كذلك أو إلى عبارة جهاد بحري . ولئن استخدم هؤلاء الكتاب الأوروبيين للفظة piraterie وذلك لهدف مغرض ، فكان الأولي أن ينتبه المترجم في الهامش إلى الأمر ، ويبين حقيقة النشاط الحربي الممارس من قبل الجزائر في البحر خلال العهد العثماني . وهكذا نتجنب مغالطة كبرى وخصوصا عند غير الدارسين المتخصصين ، والذين يتخذون من التاريخ هواية لهم وفقط وشيء أكثر من هذا .
 
ولهذا فإننا هنا نعتب على السيد أحمد توفيق المدني ، وهذا لكونه هو الآخر قد استخدم  مصطلح القرصنة ، كمرادف لمصطلح الجهاد البحري والحرب البحرية للجزائر في العهد العثماني . وكان الأجدر به أن يستخدم أحد هاذين المصطلحين ، وهذا ليتفادى كل لبس قد يقع فيه القارئ البسيط . ومن جهة أخرى ولكي لا نظلم مجاهدي البحر الجزائريين ، وهذا عندما نساويهم مع القراصنة . وبعملنا هذا نشوه لهم صورتهم عن غير قصد ويتحول الأبطال إلى مجرمين وقتلة نتيجة للخلل الذي نعانيه في المفاهيم فيضر هذا الأمر بنا وبهم كثيرا ، ذلك أنه وبعملنا هذا نكون قد قدمنا خدمة جليلة لأعدائهم وبررنا لهم عدوانهم واستعمارهم للجزائر ، وفي نفس الوقت أصبنا القارئ البسيط بعاهة تاريخية ليس من السهل عليه تجاوزها وهذا ما نراه بين الأجيال الناشئة بيومنا المعاش . وهذا لكون الكتب المدرسية الرسمية الجزائرية توظف هي الأخرى ومنذ الاستقلال مصطلح القرصنة بهدف التدليل على الجهاد البحري الجزائري . فكانت النتيجة إيماننا جميعا بأن الجزائر العثمانية كانت تدار من قبل جملة من لصوص البحر ، وإلى غاية هذا اليوم فهذا هو المفهوم الدارج بين الجزائريين وهو خطأ يجب علينا تصحيحه .
 
و السيد أحمد توفيق المدني نفسه ، وفي كتابه حرب الثلاثمائة سنة يتفق تماما مع الرؤية التي تفرق بين الجهاد البحري والقرصنة البحرية . فيخبرنا بأن هناك فرق بين لصوصية البحر وهي بغرض السلب والنهب والحروب البحرية والتي يقوم بها مجاهدو البحر . ويورد هو الآخر اللفظتين الفرنسيتين الدالتين على كل منها فذكر لفضة piraterie  ولفظةcourse  . ثم يخبرنا بأن الحرب البحرية تنشب بين الدول المتعادية بهدف ضرب اقتصاديات العدو ، وهذا بالاستيلاء على البضائع الصادرة منه أو الواردة عليه وأسر من يعمل فوق تلك السفن المعادية 08 . وهذا التعريف نجده يصدق مع ما كانت تقوم به البحرية الجزائرية خلال العهد العثماني ، ولا علاقة لها بأعمال لصوص البحر . فهنا لدينا دولة جزائرية معترف بها دوليا وكانت تمارس الحرب البحرية ضد دول معادية لها ، وهو عين ما كانت تمارسه الدول الأوروبية ذاته ضد الجزائر ، أو ضد من يعادي بعضها البعض من تلك الدول الأوروبية نفسها .
 
ونفس الأمر السالف الذكر نجده يحدث أيضا مع الكتاب المشارقة والذين يستخدمون هم أيضا مصطلح القرصنة ، وهذا من دون أن يحددوا لنا مدلوله . ولكن نفهم منه أنهم يستخدمونه كما يستخدمه الأوروبيون للقدح أكثر منه للمدح حتى ولو كانت نيتهم سليمة ، فإن المتلقي يسلك هو الآخر هذا المنحنى لارتباط لفظ القرصنة في لاوعي الجميع باللصوصية وبالإجرام . وهذا ما نصادفه مثلا في كتاب الأتراك العثمانيون في شمال إفريقيا لعزيز سامح التر وترجمة محمود على عامر والذي يستخدم في كتابه هذا للفظة ولمصطلح القرصنة ويكفي أن نقتطف منه هذه الفقرة القصيرة لنوضح هذا الأمر فقد جاء فيه : " ... لأن قراصنة فاس كانوا ينافسون قراصنة الجزائر في أعمالهم ، إضافة إلى ذلك فقد كان قراصنة الجزائر يفرون إلى تلك الجهات عند شعورهم بالخطر ... " 09 . وربما يكون المشارقة في استخدامهم لمصطلح القرصنة معذورون بعض الشيء ، وهذا لأن البعض منهم غير متخصص في تاريخ المنطقة والبعض الآخر يكتب ما يشبه المذكرات ، ولهذا فقد كانت تلك الكتابات تسقط في مثل هذه المزالق ، ذلك أنه لا يكفي أن يكون للواحد منا قلم جيد ليكون مؤرخا فحلا . أما المؤرخين الغربيين فلا ننتظر منهم استخدام غير مصطلح القرصنة والقراصنة كما هو الحال في كتاب الجزائر في عهد رياس البحر للمؤرخ الأمريكي وليم سبنسر وتعريب عبد القادر زبادية .

ومن بعد كل ما تم عرضه أعلاه فلم نعد ننزعج من اطلاق اصطلاح قرصان وقراصة على الجهاد البحري الجزائري وهذا لكون المؤرخين الأوروبيين كانوا ينطلقون من تراثهم هم للتعريف بالآخر . وليس بالضرورة أن نتشارك معهم في نفس القيم والمفاهيم وهذا لاختلاف أرضية الانطلاق . فكما كان الاستعمار عندهم يحمل مدلولا إيجابيا ومقاومتنا له تحمل مدلولا سلبيا ، فاليوم كلنا ندرك من يحمل من الظاهرتين للمدلول السلبي أو للمدلول الإيجابي ، وكذلك الحال مع جهادنا البحري فكما لم يضر الثورة الجزائرية نعتها من قبلهم بالإجرام والإرهاب فكذلك هو حال جهاد الجزائريين خلال الحقبة العثمانية فلن يضره أبدا أن يطلقوا عليه لفظة القرصنة .
 

دوافع الجهاد البحري الجزائري

 
خلال الحقبة العثمانية بداية نقول بأن أسباب الجهاد البحري الجزائري خلال العهد العثماني تعود بالأساس إلى العدوان الإسباني والبرتغالي على سواحل الجزائر . وعليه فالمعركة البحرية قد فرضت على الجزائريين فرضا ولم يكن لهم من خيار سوى الدفاع عن أوطانهم وعن أعراضهم وأموالهم وأبنائهم وبناتهم . وزيادة على هذا فهم قد أرادوا أي الغزاة الإسبان منهم على وجه الخصوص ، التوغل نحو العمق الجزائري أي صوب دواخل الجزائر وعليه فطبيعة المعركة هي من فرضت نوع الجهاد الممارس من قبل الجزائريين ، فلو كانت المعركة على البر لكانت معركة برية ، كما هو الحال مع المستعمر الفرنسي الغاشم فيما بعد . ولكن المعركة وطوال الحقبة العثمانية كانت معركة بحرية الطابع ، وهذا لكون الجزائر وكما جاء في كتاب الجزائر في عهد رياس البحر كانت تمثل حصنا إسلاميا في مواجهة عالم مسيحي معاد . 10 فكانت أولى أولوياتهم تدمير قوتها البحرية تمهيدا لغزو برها في مرحلة لاحقة .

كما لا يجب أن ننسى هنا ذلك السبب والذي يخبرنا به المؤرخ أبو القاسم سعد الله والقاضي بأن الإسبان في القرن السادس استطاعوا أن يسقطوا آخر قلعة للمسلمين في الأندلس ، وأساؤوا معاملة من بقي من المسلمين هناك وخيروهم بين النفي والطرد وتغيير عقيدتهم الإسلامية وبالإضافة إلى ذلك تابع الإسبان مطاردتهم للفرارين من المسلمين الأندلسيين إلى سواحل شمال إفريقيا . وأدى هذا إلى ثلاثة نتائج منها وكما يقول أبو القاسم سعد الله دوما أن تسلح مهاجري الأندلس ضد الإسبان وبنوا السفن الحربية للجهاد ضد الإسبان وهذا للدفاع عن وطنهم الجديد ولهذا عمدت إسبانيا إلى تحطيم هذه القوة في عدة محاولات مثل حملة شارل الخامس على الجزائر 11 .

كما يخبرنا كتاب الجزائر في عهد رياس البحر بأن العثمانيين لم يكونوا مهتمين بالسيطرة على أراضي المسيحيين على الشواطئ المقابلة للبحر المتوسط وإنما همهم الوحيد هو استرجاع الموانئ المحتلة من قبل الإسبان خاصة 12 . وعليه فإنه لم يكن هناك أي خطر يهدد أوروبا المسيحية انطلاقا من منطقة شمال إفريقيا ومن الجزائر تحديدا ، وإنما كل أعمال البحرية الجزائرية هي فقط بهدف الدفاع عن أراضيها ضد أمواج الهجمات الصليبية المتلاحقة والمتجددة .

ومما سبق نستنتج بأن غزواتهم وتعديهم على سواحل المنطقة أي شمال إفريقيا هو من دفع بالبحرية الجزائرية إلى القيام برد فعل مباشر ضد جرائمهم هذه ، بل إن من دخل في الإسلام وبمحض إرادته وأصبح من رعايا الدولة الجزائرية ولجأ إليها وبمحض إرادته أيضا ، فإن مثل هؤلاء قد كانت تطاردهم محاكم التفتيش البغيضة وتحرقهم أحياء . وهذا ما حدث لأربعة بحارة حطوا بقادش الإسبانية ، حيث أحرقت الكنيسة إثنين منهم أحياء وهذا في العام 1752 13 . وأعمالهم الرعناء هذه هي من أجّجت الصراع في الحوض الغربي للبحر المتوسط . فلا ينتظر هؤلاء من الجزائريين بأن يروا إخوانهم في الدين يقدمون قرابين في محرقة محاكم التفتيش ويبقوا هم مكتوفي الأيدي .

خاصة وأنه في هذه الفترة قد كثرت التنظيمات المسيحية الدينية المعادية للإسلام وللمسلمين ، والتي لا همَّ لها إلا محاربتهم ، ومنها تنظيم القديس يوحنا والذي استقر أعضاؤه بجزيرة قبرص ، ثم بجزيرة رودس ، ثم في جزيرة مالطا وفرسان سانت إتيان ، وغير هذا كثير من التنظيمات الدينية المسيحية المتعصبة والتي لا همَّ لها سوى تدمير العالم الإسلامي المجاور لها أفراد وجماعات . وهنا من حقنا أن نتساءل هل كانت البحرية الجزائرية ستقف مكتوفة الأيدي أمام مشاريعهم التوسعية هذه ؟ وأمام مشاريع من سيأتي بعدهم من أمثال نابليون بونابرت ؟ .

إنه لمن حق البحرية الجزائرية أن تدافع على ذاتها وتحمي سواحلها ورعاياها من شر مشاريعهم تلك . وماذا كنا سننتظر منها وسيل الحملات العدوانية لا ينقطع على مختلف مدن الساحل الجزائري . وهل كنا ننتظر منها أن ترحب بالغزاة كما هو الحال في العام 1531 م تاريخ محاولة احتلال شرشال من قبل الإسبان وهذا انطلاقا من جنوة الإيطالية . وبعد هذا يسمون دفاع الجزائريين عن أنفسهم والمشروع قرصنة ولصوصية بحرية .

وقد يقول قائل وما الذي دفع بالجزائريين إلى إعلان حالة الحرب ضد الدول الأوروبية مجتمعة أو منفردة وعلى رأسها إسبانيا والبرتغال . إن الجواب ربما نجده في هذه الفقرة والتي نقتبسها من كتاب الجزائر وأوربا تأليف جون ب وولف ترجمة أبو القاسم سعد الله والتي جاء فيها : " ... أما المغرب الأوسط ، أي المنطقة التي نسميها اليوم الجزائر ، فقد كان بدون حكومة يمكنها أن تزعم أنها تتكلم باسم كل المنطقة ، فقد كان عبارة عن مستنقع سياسي من مدن صغيرة وقرى مستقلة ومن قبائل بدوية أو نصف بدوية من البربر والعرب ... إن هذا المغرب الأوسط الذي اشتدت عليه أطماع الإسبان الذين احتلوا المرسى الكبير في 1505 م ثم وهران و أرزيو 1509 م ثم بجاية ، دلس وتنس في 1510 م والغارات المتكررة على مدينة الجزائر دفع سكانها إلى طلب النجدة من الدولة العثمانية ، فكان ذلك تمهيدا لجعل منطقة المغرب الأوسط إيالة تحكمها جماعة البحارة العثمانيين وستصبح عاصمتها مدينة الجزائر ... " 14 .

إذن فالقضية هنا ليست قرصنة وكأن الجزائريين مجرمون بالفطرة ، وهذا عندما نتهمهم بالقرصنة أي بلصوصية البحر ، وإنما علينا أن نقف وراء الدوافع التي جعلتهم يدخلون في تلك الحروب البحرية . الشيء الأكيد هو أن لا أحد يحب الحرب أو يدفع لها عزيزا عليه ، إلا إذا كانت مفروضة عليه وهذا هو حال الجزائريين في تلك الفترة . فهم لم يختاروا الحرب بل فرضت عليهم فرضا ووجدوا أنفسهم وجها لوجه مع عدو غزا ديارهم ويريد طردهم من أرضهم ، فما كان عليهم سوى حمل السلاح ومدافعة هذا العدو الغازي . فنحن لم نذهب إلى العدو وقمنا باحتلال أرضه ، بل هو من جاء إلينا وغزا بلادنا . وإلا ماذا كان يفعل الإسبان في سواحلنا هل جاؤوها للنزهة وللاستجمام ؟؟ . ومن هنا لا يجب أن ننظر إلى القضية من زاوية وجهة نظرهم هم والتي تظهرهم كضحايا لقرصنتنا كما يدعون وإنما نحن هم من كنا ضحايا لمشروع استعماري عدواني توسعي قادته كل من إسبانيا والبرتغال فيما يعرف بمرحلة الاستعمار الأوروبي القديم والذي شمل العالم الجديد أيضا .

نعم إنه وكما كانت تتوسع كل من إسبانيا والبرتغال في أراضي العالم الجديد ، وتتمدد عليها فهي كذلك أرادت فعل نفس الشيء في منطقة شمال إفريقيا ، ومنها الجزائر موضوع دراستنا هذه . ونفس الأمر كان يجرى في جنوب شرق آسيا في تلك الفترة ، وفي منطقة بحر العرب وفي المحيطين الهندي والهادي . ولئن جوبه هذا التوسع الاستعماري في أراضينا بمقاومة أطلقوا عليها هم قرصنة مما أدى إلى كبح وتوقيف جماح مشروعهم الاستعماري ذاك ، فإنهم وفي نفس الوقت لم يجدوا نفس المقاومة في منطقة جنوب شرق آسيا ، ولذلك فقد عرف مشروعهم هناك النجاح بعض الشيء ، وعلى أوروبا أن تبقي تحاول احتلال المنطقة ولمدة ثلاثة قرون إلى أن تنجح مع الغزو الفرنسي للجزائر .

وهنا قد يتساءل البعض منا ، ولما إسبانيا تريد التوسع في أراضينا واحتلالها . إن الجواب هنا لهو بسيط للغاية ، ذلك أن إسبانيا في تلك الفترة كانت تعيش في أوج مجدها العسكري ، ولهذا فهي بحاجة إلى مجال حيوي خارجي تمارس عليه سلطته وهيمنتها . إذن هنا نجد هدفا استعماريا واضحا ولا يحتاج للتدليل أو للبرهنة عليه . وهذا الهدف الاستعماري وجد تبريرا له في الهدف الديني ، والذي غـُـلف به وأعطاه المصداقية . ذلك أن أوروبا المسيحية وعلى رأسها إسبانيا الكاثوليكية في القرن السادس عشر قد كان يحركها التعصب الديني الصليبي . وكانت ترى بأن هذه المنطقة أي منطقة شمال إفريقيا ما هي إلا مسيحية في الأصل وجاء الإسلام وافتكها أو قل احتلها بتعبيرها هي . ومنطقتنا هذه وكما يقولون عنها لهي مهد وموطن القديس أوغسطين ، ولهذا فإسبانيا إيزابيلا وفرديناند أو ابنهما شارلكان ثم ابنه فيليب الثاني كلهم كانوا يحلمون باستعادة هذه الأرض وتطهيرها من المسلمين كما يقولون ، أي أن يكرروا ما حدث في الأندلس على منطقة الشمال الإفريقي ككل .

ليس ما سبق فقط ، وإنما هم أرادوا احتلال شمال إفريقيا لتكون محطة لهم ونقطة ارتكاز لاحتلال كل المنطقة العربية مشرقا ومغربا والوصول إلى مكة وتدميرها . وبهذا يقضون وبشكل نهائي على الدين الإسلامي والذي لن يعود ليشكل عليهم أي خطر في المستقبل وهذا حسبهم هم طبعا . ولهذه الأسباب فقد احتلوا السواحل الجزائرية ووصلوا إلى ليبيا تمهيدا للوصول إلى مكة وتدميرها نهائيا . وما يؤكد هذا الطرح هو أن القوي المسيحية في تلك الفترة كانت تدفعها عقيدتها الصليبية والتي تريد الانتشار والتوسع في مختلف أرجاء العالم وفي طبعتها الكاثوليكية على وجه الخصوص . ولهذا فلا يجب اختزال الحرب البحرية والتي كانت تدور رحاها في البحر المتوسط بين الجزائريين وبين القوى الأوروبية المسيحية في تلك الفترة على أنها أعمال قرصنة وكفى فالأمر أعمق وأبعد من ذلك بكثير . والآن علينا أن نعرج على  كتاب تاريخ الجزائر في القديم والحديث الجزء الثالث ، تأليف مبارك الميلي والذي جاء فيه الآتي : " ... إن دي غرامون لا يتردد أن يبرر الهجوم الإسباني كما يلي : في ربيع 1505 نظم القراصنة المور القاطنون بمرسى الكبير هجوما على شواطئ فالانس ... ورجعوا محملين بالأسرى والغنائم واضطر الملك فرديناند إلى أن يصمم على تحطيم هذا الوكر من أوكار القراصنة . في حين أن تسلسل الأحداث يبرهن على عكس ما أراد دي غرامون أن يبرهن عنه ... فبعد سقوط غرناطة بادرت إليزابت وزوجها فرديناند بخرق المواثيق والعهود التي أعطيت للمسلمين ... وجاءت هجرة المسلمين من الأندلس فرارا بعقيدتهم ... ونقل المهاجرون أنباء الاضطهاد الديني إلى إخوانهم في المغرب العربي وبدأت حملات التضامن لإنقاذ من بقي بالأندلس من المسلمين . هذا هو النطاق الصحيح الذي يجب أن نضع فيه تسلل المسلمين إلى شواطئ الأندلس . وقد خشي الكاردينال كسيماناس ... من أن يكون سقوط غرناطة إيذانا بتوقف الهجومات ضد العرب والمسلمين ولذلك أثار مخاوف فرديناند من الذين فروا إلى المغرب والجزائر وتونس ورأى أنه يجب نقل الحرب إلى شواطئ المغرب العربي ... والقيام بحركة مد حقيقي داخل المغرب العربي ... " 15 .

ونحن نعذر مؤرخي إسبانيا ومنهم دي غرامون ، فهذا الأخير له كل العذر وهذا عندما يبرر أعمال قومه وخصوصا في ذلك الجو الديني المشحون والذي يدار من قبل رجال دين متعصبين . ويوم كانت المسيحية هي المحور الذي تدور حوله كل شؤون حياة الفرد الاسباني خاصة والأوروبي عامة . ونحن نعذره في محاولة إيجاد تبريرات لقومه والعمل على إيجاد ما يمكن من قرائن تدين الجزائريين ، كما أننا لا ننتظر منه أكثر من هذا . ولكن علينا أن نعمل نحن كذلك على تفكيك خطابه وتهديم حججه وإيصال الحقيقة إلى الجميع وهذا من بعد أن ابتعدنا عن تلك الحقبة بعض الشيء مما يمكننا من رؤيتها بوضوح . وكذلك فقد زالت اليوم تلك الأيديولوجيا البغيضة والمبنية على التعصب الديني عند الكاثوليك خصوصا . هذا مع تغير منظومة القيم التي بات يحتكم إليها الطرف الآخر ، والتي لم تعد دينية في الأساس . وفي هذا الجو الجديد يمكن للطرف الآخر أن يقتنع بوجهة النظر المغايرة لمَا درجت عليه المؤسسات الرسمية دينية أو مدنية كان يحتكم إليها ، وظهور الكثير من الحقائق حول الوجود العربي في الأندلس والذي لم يعد ينظر إليه عند الكثير من الإسبان نخبة وعوام ، على أنه مجرد احتلال موري تخلصت شبه الجزيرة الإيبيرية منه . ومن شأن كل هذا أن يغير من زاوية نظره أي الطرف الآخر لمسألة الحروب البحرية التي كان يخوض غمارها الجزائريون طوال العهد العثماني وإلى غاية 1830 .

إن النص السابق الذكر ليضع مسألة الجهاد البحري الجزائري في إطاره الحقيقي . فهو يخبرنا بأن إيزابيلا وفرديناند قد خرقا كل المواثيق والعهود التي أعطيت للمسلمين بعد سقوط غرناطة . والقصة يعرفها الجميع ولن ننطرق لها مطلقا هنا ، وهذا لكونها اليوم قد أصبحت من البديهيات والتي يعرفها العام والخاص . ومع هروب بعض المسلمين إلى الجزائر فرارا بدينهم وإخبارهم عن محنة إخوانهم هناك ، ورغبتهم الشديدة في الانتقال إلى الجزائر أو مساعدتهم في حروبهم ضد الظلم والقهر المسلطين عليهم وخصوصا ما تعلق منه بمحو هويتهم . فهنا تأتي رود فعل سكان الجزائر والمتمثلة في القيام بما يجب القيام به وهذا بصورة فردية أو بصورة جماعية بهدف إنقاذ إخوانهم من جحيم محاكم التفتيش الرهيبة والتي تسمى اليوم بعار إسبانيا . وماذا كنا ننتظر غير هذا من الجزائريين ، وعليه فالحرب كانت بحرية وهذا لطبيعة المضمار الذي كانت تدور عليه . وهذا لكون البحر هو من كان يفصل بين الجزائر وشبه الجزيرة الإيبيرية ، فكان العمل الحربي بحريا ولم يكن بريا . ولو كانت لنا حدود برية معهم لكانت الحرب برية وماذا كانوا سيسمونها هنا لا يمكن بأي حال أن يسمونها قرصنة لأن ميدانها ليس البحر مطلقا .

وقد يقول قائل من أن الإسبان وغيرهم قد كانوا على حق فأنتم من انتقلتم إليهم ونقلتم معكم الحرب إليهم ، وهم كانوا يدافعون عن أنفسهم وفقط . الكلام هنا فيه مغالطة كبرى ، ذلك أنه ومنذ الفتح العربي لإسبانيا إن كان هناك فتح أصلا ، ولم تكن هناك حرب أهلية بين الإسبان أنفسهم انتهت باعتناق غالبيتهم للدين الإسلامي ، وهنا نحن نقصد الأريوسيين منهم ضد الكاثوليك الغزاة لأرضهم . فإن الحكم هنا سيتغير وبصورة مطلقة لصالح مجاهدي البحر الجزائريين في تلك الفترة ، وهنا يصبح الكاثوليك الإسبان هم المعتدون ولسنا نحن . وهذا هو السياق التاريخي الصحيح والذي توجب علينا جميعا أن نضع فيه مسألة الجهاد البحري الجزائري خلال العهد العثماني .

نعم إن البعض يلوم الجزائريين على ذهابهم إلى الأراضي الإسبانية مثل دي غرامون ومنظري المدرسة الاستعمارية في الجزائر . ذلك أنهم قد كانوا ينطلقون من معطيات ناقصة ومشوهة ومؤدلجة حجبت عنهم الرؤية السليمة ، ولذلك فقد جاءت دراساتهم منحازة ومشوهة للحقيقة . ترى هل تقديم المساعدات للأخوة في الدين المضطهدين من قبل محاكم التفتيش البغيضة وهذا من قبل الجزائريين قد كان بدعا منهم وفقط ؟ ، إن الأمر ليس على هذا الشكل مطلقا . فالتاريخ يخبرنا بأن تدفق سيل المعونة والمتطوعة وهذا بشكل فردي أو جماعي لم يتوقف مطلقا عن الوصول إلى شبه الجزيرة الإيبيرية حتى أن بابا روما كان ينظم الحملات الصلبيبة إلى الأندلس مثلما كان ينظمها إلى المشرق العربي أي إلى بلاد الشام . وكلنا يعرف ويعلم كيف كانت الصلوات تقام في كنائس أوروبا كلها عند بداية أي معركة في الأندلس حتى أن البابا بروما قد أعفى الإسبان من التوجه نحو الشرق وهذا لكونهم هم أيضا في حرب صليبية مقدسة ضد مسلمي الأندلس .

ولما انتهت ما يسمي مع تحفظنا الشديد على المصطلح نقول ، لما انتهت حروب الاسترداد لم تتوقف أوروبا عن تقديم الدعم لإخوانها في الدين مطلقا ، وهنا نقصد ذلك العون الذي قدم إلى اليونان في العام 1830 وفرض على الدولة العثمانية أن تمنحها استقلاها فقط لأنها مسيحية وفي نفس التاريخ يتم استعمار الجزائر وتجريدها من سيادتها وهذا تحت حجة الاستبداد التركي ، والذي انتهي بمنح اليونان استقلالها وباحتلال الجزائر . فلماذا فقط لما يقدمون هم العون لأبناء قوميتهم وعقيدتهم فإن هذا الأمر يكون مشروعا وموافقا للقوانين الدولية ، وعندما قام الجزائريون بنفس الدور وأنجدوا إخوانهم المعتدى عليهم أصلا سموا عملية النجدة هذه قرصنة ولصوصية بحرية ؟ .

الأمر الآخر والذي يتوجب علينا الانتباه إليه ، وهذا انطلاقا من النص المقتبس أعلاه نقول بأن المسؤول عن حركة الحروب البحرية الجزائرية في القرن السادس عشر هي إسبانيا المسيحية والتي فرضت على الجزائريين المعركة ، وهذا من خلال نقل تلك المعركة إلى سواحلنا ، فيما يعرف اليوم بالحرب الاستباقية وهذا لشل قدرات العدو في عقر داره وليفقد بهذا القدرة على المبادرة . ولقد استغل الكاردينال خيميناس الرعب الذي يسكن ملوك إسبانيا من موجة ثانية تجتاح الأخيرة من المغرب العربي ، ولهذا فقد عمل كل ما يستطيعه لينقل الحرب إلى هذه المنطقة وعليه فهم من بدأ العدوان وذلك بأن : " شنوا علينا حربا استباقية " مدمرة 16

إذن هنا المسؤولية تقع على عاتق الإسبان وليس على عاتقنا نحن ، فنفس الكاردينال هو من دفع بمسلمي غرناطة إلى الثورة ، ومعه العرش الإسباني وهذا وكما يقول المؤرخون بهدف إيجاد مبرر لخرق معاهدة تسليم غرناطة ومبررا للقضاء على الموريسكيين ، ومبررا لنقل محالكم التفتيش إلى غرناطة ذاتها وقد نجح في مسعاه هذا . ونفس الأمر أحدثه على شواطئنا وهذا عندما نقل الحرب إلى الشواطئ الجزائرية وهذا لكي ينفذ مشروعه وبإحكام ، والهادف إلى إنهاء الوجود الإسلامي في منطقة الشمال الإفريقي وإلى الأبد ، وهذا عبر محاصرته من الشمال ومن الجنوب بتكوين حلف مع الحبشة المسيحية . وها هي ملكة إسبانيا إيزابيلا تعلنها صراحة :

  " Quand son testament fut ouvert, on y trouva cette clause formelle : quil ne faudrait ni interrompre la conquête de l'Afrique ni cesser de combattre pour la foi contre les in-fidèles  " .

وبالفعل فقد انزلت مقالها هذا إلى أرض الواقع ، وهنا وجد الجزائريون أنفسهم ملزمين بالدخول في حرب مفروضة عليهم ، سواء كانت على شكل مواجهة عسكرية جماعية تأخذ صيغة المعركة البحرية أو في صيغة أعمال حربية فردية تأخذ شكل الأعمال الفدائية التي نلاحظها اليوم ، والتي يقوم به أفراد أو مجموعات صغيرة تتوغل في أرض العدو ، أو في ما احتله من أرض واغتصبه بهدف إرجاع الحقوق إلى أصحابها الشرعيين . وهذا هو السياق الواجب وضع ما يسمى بتسلل الجزائريين إلى الأراضي الإسبانية فيه ولا علاقة له مطلقا بالقرصنة وباللصوصية البحرية . وعليه فإن الجزائريين قد كانوا في حرب مشروعة للدفاع عن أنفسهم ولا علاقة لها بالقرصنة خصوصا وأن الغزاة الإسبان ما جاؤوا للجزائر يحملون إليها الزهور ، ويوزعون الهدايا على الجزائريين وفي أيديهم طيور المن والسلوى وحمائم سيدنا داوود . فالتاريخ يشهد بأن أسوأ فاتح هو الكونكستدور Le conquistador ويكفي أن نقرأ كتاب مذابح الهنود الحمر للراهب برتولومي دي لاس كازاس ، لنقف على مدى بشاعة وإجرام الغازي الإسباني . فماذا كنا ننتظر من الجزائريين هنا ، غير المقاومة ولينعتها الإسبان ومعهم عموم أوروبا وأمريكا في مرحلة لاحقة بما شاءوا قرصنة أو غيرها ، فهذا شأنهم هم ولا علاقة لنا نحن الجزائريون به مطلقا . وما زاد في خنقهم هو أن جهاد الجزائريين البحري هو من وقف سدا حائلا دون تنفيذ وصيتها السابقة الذكر ، وتلك المقاومة الصلبة التي واجبها المشروع التوسعي الإسباني في منطقة المغرب العربي .

ولنفهم أكثر خلفية ما أقدموا عليه من اعتداءات في حق الجزائر علينا أن نعرف الأسباب المحركة والدافعة لهم صوب هذا المسلك . ونحن هنا نعتمد على كتاب حرب الثلاثمائة سنة لأحمد توفيق المدني والذي يخبرنا من أنه : " وعندما جهزت إسبانيا جيشها وأسطولها لغزو المغرب العربي بادر البابا بنشر قرار يعطي به الولاية لملكي إسبانيا على كامل الأراضي التي يفتحانها بهذا المغرب ... وكان نفس البابا قد أصدر سنة 1494 عندما بدأ التفكير الجدي في احتلال المغرب العربي عهدا يبارك فيه الصليبية الإسبانية بإفريقيا . " 18 . كما أنه : " لم يكن للإسبان من هم إلا نقل الحرب إلى إفريقيا ... وإرغام العرب على اعتناق دين المسيح بواسطة السلاح " 19 . وبعد هذا يتحدثون عن قراصنة الجزائر والذين ما كانوا إلا مدافعين عن بلادهم ضد الغزاة الإسبان وهم من أرادوا فرض دينهم عليهم بقوة الحديد والنار .

ثم إن كل من الإسبان والبرتغاليين كانوا مؤمنين بأن التواجد العربي في الأندلس ، ما هو إلا عملية احتلال أجنبي بغيض جثم على صدورهم ولمدة ثمانية قرون ، ولهذا فهم قد كانوا متخوفين من أي عملية اجتياح ثانية لشبه جزيرة أيبيريا من قبل المسلمين وخصوصا المغاربة منهم ، وهذا لكونهم الأقرب لهم ولكون المغاربة من ليبيا شرقا وإلى المغرب الأقصى غربا ، كانوا هم حماة الأندلس مع المرابطين والموحدين ومن جاء بعدهم من السلالات . وعليه فهم كانوا ينظرون إلى المنطقة على أنها هي من احتلتهم وسوف تحتلهم من جديد ، وخاصة في ظل فرار الموريسكيين إلى شمال إفريقيا واتخاذها كقاعدة انطلاق لإنقاذ إخوانهم في الدين أو لاسترجاع أرضهم . ونتيجة لكل هذا فقد شنت كل من البرتغال وإسبانيا حربا استباقية على المنطقة ، وهذا للحيلولة دون أن تكون نقطة انطلاق لغزو جديد لهما . وهذا هو السياق الحقيقي للأحداث ولمّا رد المغاربة على اعتدائهما قالوا بأن مقاومتهم هذه قرصنة بحرية .

ونحن هنا لا نتجنى عليهم وإنما نحن نعيد فقط ما رددته ألسنتهم هم ، ودليلنا هنا هو ما جاء على لسان الملك البرتغالي يوحنا ، والذي نقتطف كلامه هذا من كتاب المغرب العربي الكبير لشوقي عطا الله والذي جاء فيه : " وقد أعطت الحروب ضد العرب والمسلمين التي أشرنا إليها البرتغال دفعة دينية قوية بدليل أن الملك يوحنا والد الأمير هنري الذي عرف في الكتب باسم هنري الملاح صرح بأن الميدان الحقيقي الذي يكسب فيه أفراد البيت المالك الفخار هو ميدان الجهاد ضد المسلمين في المغرب ، وإنه سيمنح أكبر وسام في بلاده وهو وسام السيد الأعظم لمن يجاهد في الميدان وكان هذا الشرف من نصيب هنري الابن الثالث للملك الذي تصدى لهذه المهمة ، وكان إغداق الملك عليه بالرتب ومن دوافع استحقاقه بالمخاطر في سبيل تحقيق الهدف الذي أعلن عنه الملك " 20 .

إضافة إلى ما سبق فإن : " إن الشباب البرتغالي كان يعتقد بأن المسلمين إذا كانوا قد التجأوا من شبه جزيرة الأندلس إلى الشمال الإفريقي فإن الواجب يحتم على المسيحيين ألا يتركوهم ينعمون بالمقام هناك بل أن يتعقبوهم حيث وصلوا " 21 . ولمَا كل هذا الهم الذي يلازمهم كظلهم تجاه شمال إفريقيا ، إنه لا همّ لهم سوى نشر المسيحية في هذه المنطقة : " كما كانت من أمنيات الأمير هنرى – وهذا كما صرح هو – أن يعمل عملا يتقرب به إلى الله عن طريق التبشير بالمسيحية الكاثوليكية في سواحل إفريقيا الشمالية وبين الوثنيين الأفريقيين " 22 . وهذه هي إحدى دوافع مجيئهم إلى هذه المنطقة والذي هو استعمار وغزو واحتلال لها واعتداء عليها لا فتح أو دفاع عن النفس . ونحن هنا نرفض أن ينعت التواجد الإسباني بمنطقة شمال إفريقيا على أنه فتح كالقول : " وواصل الإسبان فتوحهم في الجزائر فاستولوا على شرشال ... " 23 . وإنما الواجب هنا تسمية الأمور بمسمياتها فوجودهم ما هو إلا اعتداء وغزو واحتلال واغتصاب ولا شيء بدر منهم غير هذا .

كما لا يجب أن يغيب عن بالنا أبدا من أن حوض البحر المتوسط في تلك الفترة قد كان منطقة صراع دولي متعدد الأطراف ، تشبه إلى حد كبير منطقة الشرق الأوسط اليوم ، منطقة صراع مرير وهذا نتيجة لضعف الضفة الجنوبية منه . وفي المقابل اشتداد شوكة كل من إسبانيا والبرتغال . وشراهتهما غير المحدودة في التوسع وفي الاستلاء على الغنائم وعلى رأسها الذهب والفضة ، وفي مقابل هذا نجد القوة العثمانية الناهضة والتي هي الأخرى لها طموحات إمبراطورية سياسية واقتصادية مماثلة وغير محدودة .

ولذلك وفي ظل هذا الصراع والذي هو صراع بقاء أو موت ، فما أسهل على العدو من أن يشوه صورة خصمه ليجد مبررا للقضاء عليه . وهذا ما لاحظناه جميعا مع الوم أ ووصفها الاتحاد لسوفيتي سابقا بإمبراطورية الشر ، ووصفها للمقاومة الفلسطينية وللأعمال الفدائية الفلسطينية بالإرهاب هي وحلفاؤها تماما كما كانت تنعت إسبانيا وحلفائها جهاد الجزائريين البحري خلال العهد العثماني . ووصف فرنسا الاستعمارية للمجاهدين الجزائريين ونعتهم بالفلاقة وبقطاع الطرق وباللصوص وبالخارجين عن القانون . ولو كانت المعركة بين المجاهدين الجزائريين والإسبان في القرن السادس عشر برية لوصفوهم هم الأخرون بنفس هذه النعوت . وهذا أمر معتاد فألمانيا النازية تصف المقاومة الفرنسية للغزو النازي بأنها إرهاب وأعمال تخريبية ضد القانون ، وتصف المتعاملين معها من الفرنسيين بالأبطال وبالوطنيين وعندما تنهزم النازية فسوف يكون للمنتصر شأنا آخرا في التعامل مع المنهزمين .

ثم إن الدول الأوروبية ومعها كنيسة روما والتي أصبحت تحس بأنها في موقع قوة ، وأن الرب قد غير ميزان القوة لصالحها لتدمر الكفار . ولهذا فقد دأبت القوى الأوروبية الناهضة على الاعتداء على الجزائر  ومن منا ينكر تلك السلسلة من الحملات والتي شنها عليها الإنجليز والإسبان والهولنديين وأساطيل جنوة والبندقية ومالطا وكان الفشل من نصيب هؤلاء جميعا . وبعد هذا نتحدث عن الاعتداءات الجزائرية على الشواطئ الأوروبية . إنها حقا لسخافة فعندما تكون الدول الأوروبية في موقف الضعف فإنها تستنجد بالبحرية الجزائرية ، بل تمنحها القواعد العسكرية وتخلي المدن من سكانها كما حدث في ميناء طولون الفرنسي على عهد خير الدين بربروسا ، والذي تحول إلى قاعدة بحرية جزائرية . وكل هذا لأن فرنسا في تلك الفترة قد كانت في موقف ضعف وتحتاج إلى البحرية الجزائرية في حربها ضد إسبانيا . وهم في نظرها هنا أبطال ومحررين ، ولكن عندما تتغير موازين القوى لصالحهم فسيصبح الجزائريون فجأة قراصنة ولصوص بحر ، إنها هنا النفعية والبراغماتية في أبشع صورها . ولهذا فأحكامهم في ما يخص وجهة نظرهم على الأعمال الحربية البحرية الجزائرية ، لا تهمنا لأنها تنبع من المصالح ولا تحتكم إلى قواعد المنطق والعقل والقانون والعدالة .
 
إضافة إلى ما سبق نقول بأننا لم نذهب إليهم أبدا طمعا في ما عندهم ، فأرض الجزائر هي من كانت تغريهم بالمجيء إليها ، وهذا لكونها وكما تقول التوراة أرض تفيض عسلا ولبنا . ولذلك فقد شاهدنا الكثير من البحارة الأوروبيين يلجؤون إلى الجزائر ويعتنقون الإسلام هروبا من جحيم الفقر في أوروبا . ورغبة منهم وكما يقول المؤرخون في الثراء السريع ، وهذا ما كان يتحقق لهم بمجرد انضمامهم إلى الأوجاق . كما أننا نجد في رد عباس فرحات على الطالب المالطي والذي قال له بأنه لو لا فرنسا لما أصبحت هكذا ، فرد عليه ردا حاسما وهذا حينما قال له من أنه وقبل الاحتلال الفرنسي كان كل جزائري يمتلك حقله ، وأن الاستعمار هو المسؤول عن بؤسنا ، وكل هذا في معرض رده دوما على استفزاز ذلك الطالب المالطي وها هو يخاطبه قائلا : "  ولكن أنت هل يمكنك أن تقول لي ماذا كان آباؤك يفعلون في مالطة ؟ أليس البؤس هو من جعلهم يهاجرون إلى الجزائر ؟ " 24 .

ومن هنا نستنتج بأن الجزائر أرض الخيرات وأهلها لم يكونوا أهل فاقة وعوز حتى يحترفوا اللصوصية البرية أو البحرية ليعتاشوا منها ، وإنما القضية أعمق من هذا بكثير . فهم كانوا يحاربون لأجل قضية نبيلة ألا وهي قضية العدالة للجميع وبمختلف أوجهها . وهذا ما كان يقلق طغاة العالم في تلك الفترة أي حكام إسبانيا والبرتغال والكاردينال خمينيس وزبانية عار إسبانيا والمسيحية ، والمقصود هنا محاكم التفتيش الملعونة وسيئة الذكر . هذا ما كان يغيظهم فحتى سقراط العظيم أعتبر في يوم ما مفسدا لشباب أثينا والسيد المسيح ذاته أعتبر هو الآخر مجدفا . ولذلك فصوت الحق دائما يقلق وهذا ما كان يعاني منه الغرب نتيجة لنجاحات البحرية الجزائرية المتصدية لمشاريعهم العدوانية على أراضي الجزائر والمغرب وتونس وليبيا . ولذلك فقد جردوا علينا ذلك السيل من الحملات العدوانية والتي يعددها المؤرخون ، وهذا بهدف القضاء على البحرية الجزائرية ووضع يدهم على خيرات الجزائر . ونحن نذكر هذه الحملات وكما جاءت في المراجع التاريخية ، وهذا من دون أي تدخل منا فنجد مثلا :  حملة بيدرونا فاروا على المرسى الكبير 1505 م ، وحملته على مسرغين 1507 م ، و حملته على وهران 1509 م ، و حملته على بجاية 1510  م ، و حملته على عنابة 1510 م ، وحملة ديبقود وفيرا على مدينة الجزائر في العام عام 1516 م ،  وحملة أندري دوريا على شرشال في العام 1531 م . كما لا ننسى حملة شرلكان على الجزائر عام 1541 م والتي انتهت نهاية كاريثية . هذا مرورا بحملة 1601 ضد مدينة الجزائر العاصمة وإلى أن نصل إلى حملة اللورد إكسماوث في العام 1816 .

ترى لما كل هذا السيل من هذه الحملات التدميرية ضد الجزائر ؟؟ ، وهل كان المطلوب من الجزائريين أن يسلموا لهم الجزائر هدية على طبق من ذهب كما يقال . ولما قاومت البحرية الجزائرية غاراتهم تلك وبشكل مشروع فقد اعتبروا مقاومتها المشروعة لصوصية وقرصنة.
 

 الحقيقة المغيبة مجاهدو بحر لا قراصنة


 بعد كل ما سبق نقول : بأنه ليس من الموضوعية في شيء أن نعتبر أعمال بحارة خير الدين بربروسا في المتوسط وفي المحيط الأطلسي عمل لصوص ، في حين أن أعمال القراصنة المسيحيين واستلائهم على السفن الإسلامية عملا بطوليا حضاريا . وليس من الصواب اعتبار أعمال خير الدين أعمالا همجية . ذلك أن كل القوى المتعادية تصبح لها كل المواقع العسكرية والمدنية أهدافا عسكرية مشروعة زمن الحرب وعلى حد سواء ، وقنبلة الو م أ لليابان بالقنبلتين الذريتين خير شاهد على هذا . فلماذا أعمالهم هم دوما أخلاقية وحضارية وأعمال غيرهم دوما بربرية وهمجية ؟ إنهم هنا ينطلقون من الأحكام النمطية المسبقة عن الآخر الوثني والقذر من وجهة النظر المسيحية والهمجي والذي لن يأتي منه إلا ما هو قبيح وشرير وهذا انطلاقا من الموروث اليوناني الروماني . وهذا ما يتحكم في صياغة آرائهم حول البحارة الجزائريين خلال العهد العثماني .

كما أنه يجب علينا أن نبتعد عن نعت الحروب البحرية أو الجهاد البحري للجزائر خلال العهد العثماني بالقرصنة أو ب course وهذا للاختلاف الجوهري بين الظاهرتين وإنما الأولى تسمية كل ظاهرة وباسمها الحقيقي فكما ترجم الغرب الخوارزميات إلى algorithm بحيث كتب اللفظ العربي بأحرف لاتينية فقط ، وغير هذا من آلاف الكلمات التي اقتبسها من اللغة العربية ومن لغات العالم الأخرى فنفس المنطق يجب أن يتعامل به مع ظاهرة الجهاد البحري الجزائري خلال الحقبة العثمانية . وهذا المنطق معمول به في كل لغات العالم فكم من مصطلح دخل العربية بحيث عربت طريقة كتابته مع احتفاظه بأصله ، كما هو الحال مع مصطلح فلسفة وجغرافيا مثلا . وهذا لكي نتجنب اللبس الذي يمكن أن يحدث في المفاهيم ، مما يمكن أن تنجر عنه نتائج وخيمة . وهذا ما شهدناه بأم أعيننا فنتيجة اعتبار الجهاد البحري الجزائري قرصنة فهو قد اكتسب مدلولا سلبيا في نظر الأوروبيين مما نتج عنه احتلال بغيض طال الجزائر لأكثر من قرن من الزمن .
 
كما يجب علينا أن ندرك بأن هناك فرق كبير بين الجهاد البحري وبين القرصنة ، ذلك أن المجندين ضمن فرق course والمعروفين ب " Les corsaires " هم رجال مدنيون يصرح لهم وقت الحرب بخوض غمارها وهذا بتصريح خاص من حكوماتهم والتي تمنحهم« lettre de commission »  أو  « lettre de course » أو ما يرادفها في الإنجليزية  Letters of Marque ولكن من دون أن يكونوا جزء من جيوش تلك الدول . أما القراصنة فهم لصوص البحر وكلنا نعرف أسلوب عملهم وما الفوائد التي يرجونها من وراء لصوصيتهم تلك . وهذه المفاهيم لا تنطبق مطلقا على الحروب البحرية أو الجهاد البحري الجزائري خلال العهد العثماني . بحيث أن الذي يجند ضمن الأسطول الجزائري ليس من المدنيين بل هو جزء من الأوجاق ، أي من البحرية الجزائرية في العهد العثماني . والأوجاق يقابلون الإنكشارية جيش البر ، ولئن كانت هذه الأخيرة في البر فإن الأوجاق هم جنود البحر وهم جيش منظم تحت إمرة قيادة وكيل الخرج وتحت السلطة المباشرة للداي . ولهذا فإننا نرى بأنه لا رابط بين course أو القرصنة وبين الجهاد البحري الذي مارسته البحرية الجزائرية طوال الحكم العثماني في الجزائر .
 
كما أن هناك فرق آخر بين الجهاد البحري الجزائري وبين ظاهرة course حيث أن Les corsaires مهامهم محددة ، وتتمثل في مهاجمة سفن العدو والسيطرة عليها ولا شيء غير هذا . في حين أن البحرية الجزائرية مهامها متعددة ، فهي حامية للدولة الجزائرية ولسواحلها ، وهي عامل تحرير للدول المجاورة للجزائر كتونس وليبيا ، والضامنة لاستقلالها والدفاع عنها . كما أنها حليف رسمي وقوي للدولة العثمانية في حروبها ضد أعدائها . وهي في نفس الوقت حليفة لبعض الدول الأوبية وهذا حسب المزاج الدولي ، كما هو الحال مع فرنسا في عهد كل من خير الدين باشا و فرانسو الأول . وأيضا مدت يد العون للموريسكيين المضطهدين وحاولت إنقاذهم وتحريرهم من النير الإسباني وبكل الوسائل وفي مختلف المناسبات ومن بين أعضائها كان ينتخب حاكم الجزائر وخاصة في عهد البيلربايات كحسن باشا بن خير الدين  . كما لا ننسي بأن الهدف من وراء الانخراط في الجهاد البحري للجزائر العثمانية هو للحصول على شرعية يتمكن صاحبها من الوصول إلى مركز القرار في دار السلطان بالجزائر العاصمة ، ذلك أنه كلما حقق المجاهد البحري انتصارات أكبر كلما زاد وزنه شعبيا وثروته المادية ووجاهته الاجتماعية . وهذه الأمور هي من تكفل له الوصول إلى المناصب العليا في الدولة كمنصب الداي أو الباي . وما كان هذا الأمر ضمن أهداف من ينخرطون في حروب course الأوروبية . وكل هذا يجعل من المحال أن يكون الجهاد البحري هو نفسه حركة Les corsaires والتي عرفتها أوروبا خلال نفس الفترة المدروسة في مقالنا هذا .

وصدقت العرب قديما وهذا حينما قالت رمتني بذنبها وانسلت ، وإلا كيف يصفون الجزائريين بكل تلك الشرور ويتناسون عمدا شرور قراصنتهم ، سواء كان هذا في العهد القديم أو في العهد الحديث ، وهل غزوات الوندال البحرية يمكن للتاريخ أن ينساها ؟ ومن بعدهم القراصنة البنادقة ، أو يمكن أن يتجاوز التاريخ قرصنة إسبانيا المسيحية ما بعد الملكين الكاثولكيين ثم إن : " كل الجنويين الذين أفلسوا قد أصبحوا قراصنة " 25 وهذا المسلك منهم طبعا بهدف استعادة الثروة المفقودة ومعها السلطة السياسية والوجاهة الاجتماعية . ولهذا فقد صدق مولاي بلحميسي وهذا عندما أخبرنا بأن المسيحيين لم يكونوا ضحايا فقط 26 وإنما كانوا جناة أيضا .

إن النظرة النمطية السيئة للبحارة الجزائريين وكما رسمتها الكتابات الرسمية الغربية ، وأثرها في المخيال الجمعي الأوروبي عامة . فما هم وكما جاء في كتاب تاريخ البحرية الجزائرية إلا مجموعة من اللصوص والسراق وفرق من القراصنة الناهبين والذين لا يعرفون الرحمة ، وما هم إلا فزاعة الأطفال الصغار والعجائز ، وما هم إلا مجموعة من القراصنة الذين يثيرون الرعب في نفوس أعتى البحارة الأوروبيين وما هم إلا حثالة الإمبراطورية العثمانية ، وما هم إلا مجموعة من الوحوش البحرية الطليقة ، وما هم إلا مجموعة من النسور المنطلقة من أعشاشها القذرة 27 . وفي هذا النص تعريض وشتم مباشر لأتراك الجزائر ، وهذا من خلال التعرض لأصولهم المتواضعة والتي ينحدرون منها ، وهذا عندما يعتبرونهم حثالة الإمبراطورية العثمانية ، وكأن فرنسا فيما بعد قد جلبت لنا معمرين من نوعية خاصة وكلنا نعلم بأنهم لم يكونوا سوى من حثالة المجتمع وفضالته ، وكيف نسي هؤلاء طبيعة المعمرين الذين عمروا أستراليا في بدايات احتلال بريطانيا لها ، ألم يكونوا مجرد مجموعات من المجرمين المحكوم عليهم بمحكوميات مختلفة ، لما اقترفوه من جرائم في حق أوطانهم ومواطنيهم ؟ . على الأقل أتراك الجزائر لم يكونوا من هذه الأصناف المقيتة .

إن هذه النظرة الدونية لنا ما هي إلا استمرار للنظرة العنصرية التي يرمق بها الأوروبي في تلك الفترات من التاريخ غيره من شعوب الأرض الأخرى ، وهذا تحت تأثير الأفكار والنظريات الخاطئة والتي يعتنقها والتي هي من تبلور وجهة نظرته تجاه الآخر . وهذا ليس بالأمر الجديد عنهم فقد ورثوها من اليونان وروما القديمة ثم زادت المسيحية الغربية تأصيلا لها على اعتبار ثنائية البربري الهمجي واليوناني أو الروماني المتحضر ثم المسيحي الورع المسالم والوثني القذر والهمجي . فما نحن إلا أتباع محمد ص المجدف حسبهم والذي انشق عن الكنيسة وأنشأ هرطقة جديدة تسمى الإسلام ، والذي نشرها بإغواء غيره من الرجال وكان هذا بالنساء وبحد السيف . وكل هذه الشرور وغيرها كثير وبصورة آلية قد تم اسقاطها على البحارة الجزائريين في العهد العثماني . ولئن كان البحارة الجزائريين حقا بتلك الأوصاف فهل يخلو المجتمع الأوروبي منها ؟ . وماذا عن محاكم التفتيش المرعبة وجرائمها ؟ وماذا عن رجل السمن الذي كانت تخوف به الأمهات الأندلسيات أبنائهن الصغار . وماذا عن جرائمهم المنظمة وهي جرائم دول وشعوب وحضارة تشوه وجه الاستعمار المشوه أصلا . وكيف نسى الأوروبيون ما فعلوه في الكونغو من جرائم لا يمكن تعدادها في حق الأطفال والنساء والعجزة ، مما لا يمكن أن تأتيه الضباع في البرية فما بالك بالأسود .

والسيد مولاي بلحميسي يرد في كتابه السالف الذكر على هذه المقالات والتي تقطر حقدا وبغضا وتعصبا وعنصرية ضد البحرية الجزائرية في العهد العثماني . ورده هذا نجده في الصفحة 17 من كتابه المذكور آنفا والذي نقتبس منه دوما . فنجده في نفس الصفحة من هذا الكتاب يعدد لنا وبالأسماء القراصنة الأوروبيين والذين عاثوا فسادا في السواحل الإفريقية بداية من البحر المتوسط والرأس الأخضر وإلى السواحل الأمريكية ِمن أمثال القرصان يوحنا بارت والسير فرانسيس دراك مثلا 28 . كما أنه وفي نفس الصفحة يعدد لنا الفظائع التي ارتكبها القرصان الثاني في القرن السادس عشر ضد السفن التجارية والمصير المؤلم لطاقمها . كما يذكر لنا ما ألمَّ بالبحارة الهولنديين على يد القراصنة الإسبان ، حيث لم يكتفوا بقتلهم فقط بل إنهم قد ملحوا رؤوسهم ووضعوهم في سلال بهدف عرضهم 29 .

وفي نفس هذا المجال نسوق هنا شهادة الدكتور جمال قنان والذي يخبرنا بأن مسألة القرصنة قد أغرقت في بحر من الزيف والتضليل والتحامل ، إلى درجة أن كلمة القرصنة أصبحت مرادفة في المفهوم الشائع لكلمة اللصوصية . وهذا التسميم هو في الواقع عبارة عن استمرار للحملة الصليبية السياسية على المسلمين وتطوير الأسلوب من أساليب شحذ الأذهان الذي مارسته الكنيسة في هذا العصر فبعد كلمة الكفار ونجسة بيت المقدس ... تطور أسلوب المجابهة الدعائية ضد المسلمين في هذا العصر لتحتل صفة القرصنة واللصوصية البحرية مكانة الصدارة في هذه المواجهة ... لقد حظيت الجزائر بحصة الأسد في هذا التنديد والتشنيع إلى أن أصبحت توصف بكونها وكر اللصوصية البحرية والقراصنة 30 .

نعم إن البحارة الجزائريين في العهد العثماني لم يكونوا أبدا لصوص بحر ، وإنما هم كانوا يشكلون مركز قوة موازي تماما للإنكشارية ، وبعيدة عنها ولا تخضع لها ولا تأتمر بأوامرها . وإنما هم يتلقون الأوامر من السلطان رأسا بإسطنبول في المرحلة الأولى من عمر الجزائر العثمانية ، و الإنكشارية في الجزائر لم تحاول القضاء مطلقا على مجاهدي البحر الجزائريين ، وذلك نظرا لكونها كانت تحتاجهم كدرع يقيها من الغارات الأوروبية . وكذلك هم مصدر ثروة لها بما يجلبونه من غنائم البحر ، ثم إن سكان الجزائر كانوا إلى جانبهم ، إذا ما وضعنا في الاعتبار العلاقة التي تتوتر بين الحين والأخر مع الانكشارية نتيجة تجاوزاتهم . ونحن هنا نتحدث عن الفترة التي سبقت استيلائهم على مقاليد الحكم في الجزائر وإدارته .

ونحن هنا لا نلوم البحاثة الغربيين على استخدامهم لمصطلح القرصنة والقراصنة ، فهم ينطلقون مما هو متعارف عليه بينهم ولا يوجد له بديل عندهم . أي أنهم ينطلقون من منظومة القيم الأغريقو رومانية والتي استقر تراثها على مصطلح القرصنة البحرية ولم يكن يعرف شيئا اسمه الجهاد البحري . ولذلك فكل عمل بحري من طرف معادي لهم ، لهو قرصنة بحرية ولا شيء غير هذا سواء مع الرومان والقراصنة الإيليريين أو بين  مختلف الشعوب الأوروبية والقراصنة الفايكننغ Vikings . في حين أن الجزائريين خلال العهد العثماني كانوا ينطلقون من تراثهم الخاص بهم ، والذي يضع أعمالهم الحربية في البحر المتوسط ضمن خانة الجهاد المقدس لدفع الأعداء وحماية بيضة الإسلام . والذي بدأ مع معركة ذات الصواري 35 هـ / 655 م وهي أول معركة بحرية للمسلمين ثم استمر مع موسى بن نصير مرورا بالفاطميين وبالمماليك البحريين وبالمرابطين والموحدين وهذا لأجل السيطرة على المتوسط . وصولا إلى الأتراك العثمانيين في حوض البحر المتوسط بجزئيه الشرقي والغربي . والمسؤولية هنا نتحملها جميعا لأننا سلمنا بأحكام غيرنا في ما يخص هذه المسألة ولم نقوم بالحفر فيها ، وهذا لكي نستجلي الحقيقة بعيدا عن الزيوف والادعاءات الكاذبة . فمثلا عند الحديث عن خزينة الداي أو الجزائر فإنهم يقولون بأن عائداتها جاءت من القرصنة البحرية التي يقوم بها المور المغاربة ، ولا يفرقون هنا مطلقا بينها وبين لصوصية البحر بحيث أنهم يستخدمون نفس المصطلحين لنعت الظاهرتين وكان الأولى بهم أن يفرقوا بين القرصنة وبين اللصوصية البحرية وبين الجهاد البحري ، فنحن أمام ثلاث ظواهر تختلف كل واحدة عن الأخرى اختلافا جذريا .
إن ما كان يقوم به الجزائريون في عرض المتوسط لهو حرب بحرية ، كانت تجرى وفق القوانين الدولية ولعله قد التبس على الدارسين الأوروبيين وهذا حينما رءوا بأن هناك أعمالا عسكرية فردية تنطلق من سواحل شمال إفريقيا ، نحو الدول المعادية والغازية والمعتدية على المنطقة ، فصنفوها على أنها قرصنة ، وذلك لتشابهها مع أعمال القراصنة من بني جلدتهم . ولكن الذي دفع بالجزائريين إلى هذا النوع من الحروب البحرية هو عدم انتظامهم تحت لواء دولة مركزية قادرة على تزويدهم بالعدة والعتاد والرجال . وهذا ما سوف يحصل عندما تصبح الجزائر جزء من الدولة العثمانية . فينتقلون بذلك من مرحلة الجهاد الفردي إلى مرحلة الجهاد الجماعي مستندين على الباب العالي . كما هو حال محاربي أوروبا المسيحية والذين يعتمدون هم الآخرون على ملوكهم .
 
نعم لقد كانت حربا بين الجزائر والضفة الشمالية للمتوسط ، لا قرصنة كما يروج لها البعض . والدليل هو تلك العمليات الحربية الطاحنة وبآلاف الجنود عند أبواب وهران ، وكان مبرمج أن تنتقل قوات جزائرية إلى الساحل الإسباني لمؤازرة الثورة الأندلسية الكبرى وهذا على عهد قلج على والذي كان تحت امرته جيش قوامه 80 ألف ، فهل بهذا الجيش تكون عمليات قرصنة أية سخافة هذه . هذا إضافة إلى ترسانة المدافع والبنادق ، هذا عمل جيوش منظمة لا عمل عصابات من القراصنة . إضافة على كل هذا فالقراصنة لهم أوكارهم التي يتخفون فيها ، ولكن مجاهدي الجزائري أو محاربي البحر لهم ثكناتهم وقواعدهم العسكرية والتي يرجعون إليها ، وهذا عمل جيش دولة لا عصابة من لصوص البحر . وفعلا فقد أنزل علج على معداته على ساحل ألمرية ولولا سوء التدبير لكان للثورة الأندلسية شأنا مغايرا ، أين منطق القراصنة في كل هذا . هذه دولة مقابل دولة ولكن الحقد والتعالي والحسد سيوف ذبحت الحقيقة لأجل اشباع الغرور والنرجسية . ثم كيف يقال عن الأسطول الذي نزل السواحل الاسبانية في العام 1569 م ثم في العام 1570 على أنه عمل قراصنة . ؟؟؟

 هذا ليس رأينا فقط وإنما هو عين ما نجده أيضا عند الدكتور جمال قنان والذي يرى بأن الجزائر قد مارست كأية دولة بحرية في الشرق أو في الغرب القرصنة بمفهومها الشرعي والقانوني الذي حددته قوانين البحار التي كانت جارية في هذا العهد ، فإنه لم يحدث منذ قيام الدولة الجزائرية الحديثة أن مارست هذه البلاد لصوصية بحرية أو أقرتها في أي نقطة أو مكان من أراضيها 31 . إن الجهاد البحري الجزائري و الذي : " يطلق عليه الأوروبيون اسم القرصنة والذي كان في الأول ضد إسبانيا لموقفها العدائي من مسلمي الأندلس ... هو الباعث على وجودهم على شواطئ شمال إفريقيا ... " 32 . ثم استمر على شكل حرب طاحنة في المتوسط لأسباب مختلفة .

والجهاد البحري كان ضروريا لحكام الجزائر العثمانية ذلك أن : " قوة الحكام المحليين تقوى أو تضعف في نظر السكان بقدر ما يحققونه من انتصارات في البحر الأبيض ضد دار الحرب أو أوروبا المسيحية لذلك كان الباشوات والرياس الذين حققوا مثل هذه الانتصارات يلقبون بالمجاهدين " 33  . ولقد كان الأهالي في الجزائر يمجدون الانتصارات التي يحققها العثمانيون ضد الاسبان باعتبارها جهاد ويسجلون ذلك في ملاحمهم الشعرية أنظر 34 . وهذا يذكرنا بالجو العام الذي كان يحتفى بالمنصور بن أبي عامر عقب كل انتصار له على المسيحيين ، أو بذلك الجو الذي عقب فتح عمورية من قبل المعتصم العباسي . وهذه اللحمة التي تكونت بين الجزائريين وبين العثمانيين على اعتبار أن : " الجهاد كان مشتركا وأنه كان يمثل الرابطة القوية بين العثمانيين والسكان " 35 . ولهذا فقد تشكل حلف بين العثمانيين والجزائريين ضد العدو المشترك ومارس الطرفان نوعان من الجهاد جهاد بري عام وجهاد بري خاص ، فالجهاد الأول كان في البحر لا يعرف حدودا سوى حدود الغلبة والهزيمة فهو حرب بكل معنى الكلمة ... أما الثاني فهو الجهاد البري الخاص والموجه ضد إسبانيا بالذات والتي أجبرت على الخروج من جميع النقط الساحلية التي احتلتها في الجزائر ما عدا وهران ومرساها الكبير 36 .

ويرجع بعض المؤرخين التحالف بين الجانبين الى سنة 1514 م وكان هذا في أعقاب فتح عروج وخير لميناء " جيجل " حيث أرسل الأخوان الى السلطان سليم الأول مجموعة من النفائس التي استوليا عليها بعد فتح المدينة ، فقبلها السلطان ورد لهما الهدية بإرسال أربع عشر سفينة حربية مجهزة بالعتاد والجنود 37 . ولم يكن من الممكن للأخوين أن يقوما بهذه الفتوحات لولا تشجيع السلطان العثماني ودعمه الى جانب دعم شعوب المنطقة وقد سبق أن فشلا من دخول بجاية أمام نفس القوات المعادية 38 . ولقد استجاب السلطان العثماني سليم لنداء الجهاد من أخوة الدين وشرعت الدولة العثمانية في انشاء أسطول ثابت لهم في شواطئ شمال أفريقيا والذي ارتبط منذ البداية باسم الأخوين عروج وخير الدين بربروسة 39 .
 
وهكذا وكما يعلم الجميع قد تكون تحالف قوي شمل الأتراك العثمانيين والجزائريين والأندلسيين المنفيين من وطنهم وتظافرت جهود هؤلاء جميعا لمواجهة إسبانيا الكاثوليكية . ولهذا فقد شنوا عليها حربا لا علاقة لها لا من قريب ولا من بعيد بالقرصنة وبأعمال السلب والنهب . وعملهم هذا ما هو إلا جهاد بحري للدفاع عن دار الإسلام ولنجدة الإخوان في الدين . واستطاع خير الدين أن يوجه ضرباته القوية للسواحل الاسبانية وكانت جهوده مثمرة في انقاذ آلاف المسلمين من إسبانيا فقد قام عام 936هـ/1529م بتوجيه ست وثلاثون سفينة خلال سبع رحلات الى السواحل الاسبانية للدولة العثمانية في الحوض الغربي للبحر المتوسط 40 . وهل هنا يوجد فرق بين الحملات الجزائرية على أراضي الإسبانية وبين الحملات التي يشنها الإسبان وعلى رأسهم شارلكان على الجزائر ؟ . لا يوجد أي فرق فهذه حملة عسكرية وتلك أيضا ، فلماذا ما يقومون به هم هو عمل حربي مشروع ، وما تقوم به البحرية الجزائرية لهو قرصنة ولصوصية ؟؟ . إنها هنا إرادة القوة وفقط وهي من تجعل الحق باطلا والباطل حقا .
 
وما من مشكل عندهم فحتى الجرائم التي ارتكبوها طوال الحقب الاستعمارية البغيضة كانت مصدر فخر . وكانت تعتبر أعمالا بطولية وأمجادا قومية وفتوحات إنسانية ومهمات حضارية ، وها هي اليوم توأم الإجرام ولذلك فقد أصبح الاستعمار يعتبر جريمة  في حق الإنسانية . وهذا هو الطريق الواجب على الجزائريين اليوم وغدا السير فيه وهذا بغية تنقية تاريخ الجزائر من كل الأكاذيب التي ألصقت به . وكانت نتيجتها ليل استعماري طويل ولأجل إظهار الحقيقة بعيدا عن كل الزيوف ، والتي لم يعد لها اليوم من مكان في ظل عالم منفتح على الحقيقة وينشدها.  وهذا من بعد أن زالت أسباب التعصب الواقفة وراء المزايدات وترويج الأكاذيب وجعلها جزء من عقيدة الدولة ، فتلك الأكاذيب باتت تخنق الحقيقة ، ولهذا فإنه يتوجب علينا كلنا فك قيود الحقيقة المجنى عليها والمختطفة . وكما توضحت الحقيقة في ما يخص محاكم التفتيش البائدة . فكذلك يجب إنصاف البحرية الجزائرية وفك أسرها من الضلالات التي كبلوها بها خدمة لمشروعهم الاستعماري البغيض .
 
إن الحد الفاصل هنا ليست العاطفة ولا الكتابات الدعائية المغرضة ، وإنما هناك قواعد وضعها المؤرخون وهذا للتمييز بين القرصنة piraterie وبين الحروب البحرية corsaire أو الجهاد البحري بتعبير الجزائر العثمانية . ونحن هنا نعتمد مثلا على رأى المؤرخ دانيال بن إسحاق . والذي يمير صراحة بين النشاطين ، فهو يخبرنا بأن القراصنة تكون أعمالهم بمبادرات فردية منهم ولحسابهم الخاص والهدف الوحيد هو الثراء الشخصي ولا شيء غير هذا . في حين أن محاربي البحر ، فالأمر مختلف معهم فأعمالهم تكون استجابة لطلب حاكم ضد سفن الأعداء والهدف هنا هو أضعاف قوى الخصم البحرية وقطع طرق الإمدادات عليه ونحن ولئن أسقطنا هذا التعريف على ما كانت تقوم به البحرية الجزائرية فإننا نجده من هذا النوع الثاني ولا علاقة له بالنوع الأول .
 
ولهذا فلا يجب أن نقفز أبدا على الحقائق ، فالذي جرى في البحر المتوسط كان جهادا بحريا تماما كما هو الحال في الجهاد البري . فالإخوة بربروسا مارسوا الجهاد البري حتى أن عروج قد استشهد أثناء قتاله للقوات الإسبانية ومن تحالف معها من الزيانين ، واستشهاده ومن معه كان في العام 1518 بعد معركة غير متكافئة . وكلنا نعرف كيف أن رأسه قطعت وفصلت عن جسده ونقلت إلى إسبانيا حيث طيف بها هناك في مدنها .
 
ورغم هذه الكارثة التي حلت بالجيوش الجزائرية إلا أنها واصلت السير قدما في تنفيذ برنامجها والذي هو برنامج دولة لا برنامج عصابة وقطاع طرق أو مشروع قراصنة بحريين . ومما يدل على كلامنا هذا ما نقتطفه هنا من كتاب علي محمد الصلابي صفحات من التاريخ الإسلامي في الشمال الإفريقي والذي يستعرض لنا فيه صاحبه مشروع الجزائر العثمانية ومن ورائها بحريتها في النقاط التالية :

-1 تحقيق الوحدة بصفة تامة مطلقة بي كل اجزاء الجزائر .
-2  إدخال بقية أجزاء الصحراء الجزائرية ضمن هذه الوحدة حتي يتفرغ للأندلس ، أما سياسته الحربية الخارجية فقد كانت ترمي إلي ثلاثة أهداف:

أولا:  إبعاد الإسبان نهائيا عن اراضي الجزائر.
ثانيهما : وضع حد فاصل للمشاغبات والمفاجآت التي تقوم بها الدولة الغربية السعدية .
وثالثها  :إعلان  نفير الجهاد العام والسير برا وبرا على رأس الجيوش الإسلامية الي بلد الأندلس 41 .
كما لا يجب أن ننسي بأن الجهاد البري قد انتقل إلى أراضي المغرب الأقصى ضد كل من إسبانيا والبرتغال . حيث قامت الدولة العثمانية وانطلاقا من الجزائر بدعم الدولة السعدية الناشئة ب 20 ألف مجاهد ، وكان من المقرر أن تنقل الحرب إلى إسبانيا ذاتها . ولمن لا يعرف إسبانيا في تلك الفترة فهي أمريكا الحرب الباردة إن صح التعبير ، حيث كانت هي تكون قطبا والدولة العثمانية تشكل القطب الموازي لها ، ومحال أن يكون مشروع طردها من شمال إفريقيا وغزو أراضيها ونجدة الموريسكيين ، وكل ما ذكر هنا وهي مشاريع ضخمة . لا يمكن أن تفكر فيها شرذمة أو مجموعة صغيرة من القراصنة أو من لصوص البحر . فهي تتجاوز إمكاناتها ومجال عملها وتخصصها أيضا ولا تنسجم مع مشاريعها المحدودة في الزمان وفي المكان مطلقا .
 
خاصة إذا ما انتقلت الحرب إلى شبه الجزيرة الإيبيرية وجابهت فيها جيوش إسبانية وبرتغالية ومسيحية مناصرة لها وعلى رأسها البابا ، وكل هذا سيجعلها تتحول إلى حرب طاحنة أو جهاد بري طاحن لا قبل للقراصنة أو للصوص البحر به ، وكل هذا الكلام يخرج أعمال البحرية الجزائرية مما اعتاد البعض تصيفها ضمنه ، هذا التصنيف المرتبط بالحقبة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر والذي جاء ليبررها وهو قد زال اليوم بزوال تلك الحقبة ، وأصبحنا ننظر إلى ما حدث خلال الحكم العثماني للجزائر من خلال زاوية النظر الخاصة بنا لا من خلال النافذة الاستعمارية الفرنسية . وإنها هنا لمعركة صعبة وطويلة الأمد ولكن نتائجها محسومة لصالح البحرية الجزائرية خلال العهد العثماني ، ذلك أنه من الصعب أن نمحو هكذا وبصورة مفاجئة ما تجذر في المخيال على أنه الحقيقة ، ولمدة طويلة من الزمن حتى بدا وكأنه جزء من الواقع . نعم كما تبددت خرافة الجزائر الفرنسية فإن كل ما يتبعها من أكاذيب وزيوف طالت تاريخ الجزائر فسوف هي الآخرى تتنحى جانبا وتترك مكانها للحقيقة ولا مكان لغيرها على أرض الواقع . وعطفا على ما سبق نقول بأنه لا فرق هنا فرجال البحرية الجزائرية قادوا الجهاد البري والبحري معا ولا علاقة لهم بما يسمي القرصنة بمفهومها الأوروبي أو بلصوصية البحر . كما لا يمكن لنا أبدا أن نتغاضى عن جهادهم البري في دولة المغرب الأقصى .
 
ثم كيف يكونوا لصوصا وظلمة وهم يحتكمون إلى كتابهم المقدس أي إلى القرآن الكريم . وهذا الأخير  ينهاهم عن الظلم والعدوان حيث أن العثمانيين : " قد التزموا التزاما صارما بكل ما أوجبه القرآن وأن الدولة كانت تسترشد برأي علماء الإسلام ، لأن الواجب كان يقضي بالرجوع  إلى رأي الشريعة الإسلامية في أي شأن من شؤون الدولة العسكرية ، أو السياسية أو الاقتصادية ، أو القضائية " 42 . ولهذا فهم لا يرون في عمل الأتراك إلا شرا بدافع التعصب الديني الذي اشتهر به الأتراك 43 .
 
وإننا هنا لا تهمنا تلك الصفات السلبية والتي ألصقها أعداء البحارة الجزائريين بهم فما هي إلا جزء من الحرب الدعائية ضدهم . فهم قد كانوا ينطلقون في جهادهم البحري من شريعتهم أولا ثم من القوانين الدولية المتعارف عليها في تلك الأيام . كما لا ننسى هنا بأن رجال البحرية الجزائرية في العهد العثماني قد كانوا مسلمين ويحتكمون إلى مقررات الشريعة الإسلامية فيما يخص الحياة الدينية أو الدنيوية وفيما يخص علاقاتهم فيما بينهم أو فيما يخص علاقاتهم بالآخر المعادي لهم . والذي تبقى له حقوق يكفلها له الشرع . وهذا ما ينطق على شخصية خير الدين باشا وكما تصفه كل الكتب التي أرخت لسيرته أنظر كتاب علي محمد الصلابي صفحات من التاريخ الإسلامي في الشمال الإفريقي الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط وهذا للتوسع أكثر .

ونفس الأمر ينطبق على القرصان جاك سباور والذي تحول اسمه ، وهذا من بعد اسلامه إلى يوسف عصفور والذي التزم هو الآخر بحدود الشرع وبصورة نموذجية وخاصة فيما يخص إقلاعه عن شرب الخمر والذي كان مولعا به . ولهذا فلا نتصور أن هؤلاء الرجال قد يعتدون على الآخرين ، وهم بهذا يعتدون على الدين ذاته وهذا عن طريق شن حرب عدوانية ظالمة تصنف في خانة الإفساد في الأرض . وكلنا يعرف مآل المفسد في الأرض في الدنيا وفي الاخرة وهذا حسب الأدبيات الإسلامية . ولذلك فهم لن يشنوا حربا عدوانية ظالمة أبدا وهذا لكونهم يتحركون في إطار الشرعة الإسلامية والتي تحكمهم وهذا الأمر نجده يتماهى مع روح العصر والتي كانت دينية بامتياز ولذك فقد كانت أعمالهم الحربية البحرية ردا قانونيا وحقا مشروعا على الاعتداءات البرتغالية والإسبانية المتعددة والمستمرة في الزمان وفي المكان . ونحن قد كنا ضحايا للمشروع الإسباني الرامي إلى إقامة إمبراطورية عالمية تكون الجزائر جزء منها بهدف نشر المسيحية وبالقوة ، وعليه فالجزائر قد كانت في حالة دفاع مشروع ولم تكن في حالة هجوم عدواني مطلقا .

ولئن جدلا قبلنا رأيهم بأن الغارات البحرية الجزائرية هي قرصنة ، فماذا تسمي غاراتهم هم على شواطئ الجزائر ؟ وفي أية خانة نصنف ما قام به الجنويون وهذا عندما احتلوا جيجل 1513 ثم إغارة أندريه دوريا على شرشال 1531 وتخريبها . وأين نصنف غارات القديس يوحنا ومالطا على شمال إفريقيا ، وأين نصنف غارات القديس ستيفان على منطقة عنابة 1607 . أم أنهم جاؤوا للتنزه وللسباحة في وادي سيبوس ولالتقاط حبات العناب منها ؟ .
 
لا يجب أن ينكر أي أحد ومهما كان بأن هناك تجاوزات قامت بها البحرية الجزائرية في العهد العثماني ، يمكن أن ترقي إلى أعمال السرقة والسطو والنهب ، ولكن هنا علينا أن نعرف بأن مقترفيها لم يكونوا من مجاهدي البحر الأصليين ، وإنما كانوا من الانتهازيين والمتطفلين والدخلاء والذين لا هم لهم سوى الربح المادي وفقط ، أو من فئة المهتدين النصارى خاصة ، والذين كان الكثير منهم أصحاب سوابق في بلدانهم الأصلية وهربوا إلى الجزائر لتجنب العقوبة ورغبة في الثراء السريع . وهم جاهلون بقواعد الدين وأبجدياته رغم إسلامهم فقد اقترفوا تلك الأعمال . ولهذا فلا يجب أن نحمل مجاهدي البحر الجزائريين أخطاء هذه الفئة أو تلك ونتهم الجميع باللصوصية .

ثم إن البحرية الجزائرية والتي يطلق عليها تسمية قرصنة ، كانت مؤسسة ذات أخلاق عالية ففي الوقت الذي كان يقيد الأسير المسلم للتجديف مدى الحياة في سفن القراصنة الأوروبيين ويمنعون حتى من تأدية شعائرهم الدينية . فإن البحرية الجزائرية لم تكن تمارس هذا الأمر ، وبعد هذا يزايدون على الجهاد البحري الجزائري ويردون إعطائه مواعظ أخلاقية .

وهنا نقول لقد صدق ذلك الحكم والذي جاء في كتاب بسام العسلي حول خير الدين ، وهل كان خير الدين أكثر قسوة من قسوة الإسبانيين وهم يجتاحون وهران أم هل كانت قسوة شارلكان في تونس أقل قسوة ووحشية ؟ وهل كان بالمستطاع مجابهة تلك الوحشية بإنسانية ؟ المهم أن أقنعة الإنسانية هي أقنعة غريبة الألوان ، غريبة الأشكال وفقا للوجوه التي تضعها 44 . وهذا هو السياق المغرض الذي جاءت فيه تلك الحملة ضد الإخوة بربروسا ، فالمتغلب هو من يقرر من هو البطل ومن هو المجرم وهو من يقرر الحق من الباطل . ولنترك الحكم للتاريخ فهو من يقرر من هو البطل الحقيقي من المزيف ، ولا يعنينا أن  : " الكثير من المؤرخين لا يرون في عروج إلا زعيم عصابة ليس إلا ، وإنني لا أعرف حكماً جائراً مخالفا للحقيقة كمثل هذا الحكم ، فإن البربروس الأول (عروج) ما كان إلا جنديا من جنود الإسلام المغاوير ، جاهد فوق متن البحار جهاداً لا هوادة فيه ، ضد أعداء ملكه ، وضد أعداء دينه ، على أنه كان ملتزماً خلال جهاده هذا بكل القواعد والأسس التي كان العمل جاريا بها خلال تلك الحقبة من التاريخ ، فلم يكن أبداً أكثر قسوة ولا أقل قسوة من الأعداء الذين كان يمعن في محاربتهم " 45 .

وما يؤكد أن ما قامت به البحرية الجزائرية قد كان حربا بحرية لا قرصنة ولصوصية هو كلام كورين شوفالييه والذي جاء فيه : " إن القرصنة هي حرب مشروعة تتم بواسطة بيان صريح للحرب ... إذن بالنسبة للمسلمين فإن القرصنة قبل كل شيء هي شكل من أشكال الجهاد في البحر " 46 . ولهذا فإنه لمن العجب أن يشنعوا على الجهاد البحري الجزائري ويتناسوا قرصنتهم هم ، والتي يبدأ تاريخها منذ العام 1260 ، وهذا عندما أغاروا على مدينة سلا المغربية ، وما تبع هذا من احتلال للسواحل المغاربية ولمّا كان رد فعلنا الطبيعي هاجوا واعتبروا دفاعنا المشروع قرصنة ولصوصية .
 
إن البحارة الجزائريين لم يكونوا مطلقا بالمعتدين بل هم كانوا في حالة دفاع عن النفس ، دفاعا مشروعا وخصوصا ضد فرسان القديس يوحنا وكل الدول الأوروبية متفرقة أو مجتمعة . ومداخيل الجهاد البحري كانت تصب في خزينة الدولة فأين هم القراصنة هنا وأين هم لصوص البحر . وكلنا يعرف بأن القراصنة ليست لديهم دولة ولا مؤسسات مالية تشرف على مداخيل الحروب البحرية . وإنما كانوا فقط يخبؤون مداخيلهم في مخابئهم بالجزر النائية ويصرفونها على حاجياتهم الشخصية المبتذلة . في حين نجد أن مداخيل البحرية الجزائرية كانت تصرف على تحصين الثغور وإعداد الحملات العسكرية لنجدة أهل الأندلس وعلى الأعمال الخيرية وعلى رأسها الأوقاف . وهذه كلها فروق لا تدع مجال للشك من أنه لا علاقة لأعمال الجزائر البحرية بما يسمي بالقرصنة وهذا نظرا للفروق الجوهرية بينهما وللتطابق الكلي لهذه الأعمال مع الحروب البحرية حسب قوانين تلك الحقبة من الزمن .
 
ولقد حاول المؤرخون الأوروبيون التشكيك في طبيعة الحركة الجهادية في البحر المتوسط ووصفوا ، دورها بالقرصنة 47 . وفي مقابل هذا نجد بأن المصادر الإسلامية المعاصرة لتلك الفترة تستخدم مصطلحات المجاهد والجهاد للدلالة على أعمال عروج وأخيه خير الدين في البر وفي البحر وعليه فهناك جهاد بري وجهاد بحري ، وهذا ما تخبرنا به تلك الرسالة والتي بعث بها أشراف مدينة الجزائر الى سليمان القانوني والتي تعود للعام 1519 ، والتي أشاد فيها الجزائريون بجهاد عروج هذا الأخير والذي ما هو في نظرهم إلا ناصر للدين وحامي للمسمين والذي خلفة أخوه المجاهد في سبيل الله التقي خير الدين 48 .  والنتيجة أن العامة في أوروبا هي الأخرى قد اصطنعت نعت القرصان للدلالة على مجاهدي البحر الجزائريين وعلى رأسهم خير الدين وهذا ما يظهر في قولهم :

بربروشة         بربروشة
أنت صاحب                كل شر
ما كان من               ألم أو عمل
مؤذ وجهنمي      مدمر
إلا والسبب              فيه
هذا القرصان             الذي
لا نظير له في           العالم 49 .

وهذا التخويف يذكرنا برجل السمن الذي تخيف به المرأة الموريسكية ولدها الصغير وهذا عند مشاكسته لها وعصيانه لأوامرها .
ولئن كان الفرنسيون يفرقون بين القراصنة وبين لصوص البحر ومعهم طبعا كل الشعوب الأوروبية الأخرى . فإن هذا التفريق غائب عندنا نحن في اللغة العربية ونحن نستخدم لفظة قرصنة بمعنى لصوصية البحر . ويختفي من أذهاننا مفهوم الحروب البحرية نتيجة للضغط الكبير الذي مارسته علينا المفاهيم الأوروبية وما تحمله من حمولات مفاهمية تصل في أحيان كثير إلى حد المغالطات المتعمدة ، كما هو الحال في موضوعنا هذا . وما تعمد نعت حروب الجزائر في العهد العثماني بالقرصنة إلا بغية تحقيق هدف مغرض يتمثل في القدح في شرف الجزائر العسكري في العهد العثماني . وأنها كيان لمجموعة من اللصوص وهذا لتبرير ما هو قادم من مشاريع استعمارية عدوانية . أو ربما يكون البعض منا لا يفرق حقا بين القرصنة وبين الحرب البحرية الموجود في اللغة الفرنسية فيستخدم المصطلحين بمعنى واحد فكانت النتيجة تحميل مجاهدي البحر الجزائريين كل المعايب والسيئات التي يعرف بها القراصنة .
 

التشويه المتعمد لظاهرة الجهاد البحري الجزائري قبل 1830


إن المسؤول لأول عن تشويه سمعة الجهاد البحري الجزائري خلال العهد العثماني لهو الاستعمار الفرنسي . والذي زعم بأن هذه المنطقة ، ما هي إلا منطقة يسكنها برابرة متوحشون وأن فرنسا سيطرت عليها لنشر المدنية والحضارة بينهم ، وماذا سيأتينا من أناس متوحشين غير التوحش والبربرية . وهو هنا أي الاستعمار يخلط المفاهيم وهذا لكي يجد تبريرا لعملية غزوه للمنطقة . وما يدعم هذا الطرح هو هذه الفقرة والتي تقتبسها من كتاب .Clement Varenne La piraterie dans la Mediterranee antique
والتي جاء فيها من أن أول دراسة عن القرصنة القديمة قد كانت في العام 1880 والتي اعتبرت بأن كل الشعوب القديمة المطلة على البحر المتوسط قد مارستها . وأنها استمرت في الزمن إلى أن تنتهي وبصورة نهائية مع الاستعمار الفرنسي . كما أنها تعتبر القرصنة الجزائرية من نفس طبيعة القرصنة التي كانت ممارسة قديما من قبل الفينيقيين والقرطاجيين ضد الإمبراطورية الرومانية . والذين خربوا الأراضي الأوروبية التي تطالها أيادي هؤلاء البرابرة ، والذين خلفهم المسلمون في هاته المهمة الشنيعة والذين هم بدورهم يعيشون على السلب والنهب . والمتعصبون ضد المسيحيين والذين يزرعون أينما مروا الخراب والرعب ، وهذا الأحداث انتهت يوم رفرف العلم الفرنسي المجيد على أسوار مدينة الجزائر 50 .

ومما سبق نستنتج بأنهم هم دوما الأبطال ونحن دوما اللصوص والقتلة وصدق السيد مولاي بلحميسي وهذا عندما قال : " بأن قراصنة البحر المتوسط عندما يكونون مسلمين فما هم إلا قراصنة وناهبين ولصوص ، ولكن وعندما يكونون مسيحيين فهم عبارة عن جنود في خدمة الوطن والعقيدة وجنود للرب وأبطال مثل عليا وميليشيا السيد المسيح والهدف من وجودهم هو محاربة المسلمين " 51 . ولهذا فإن وجود البحارة الجزائريين لا يرتبط في نظرهم إلا بالسرقة وبخراب الشعوب ، لأن كرههم لكل صناعة شريفة وحبهم الشديد للنهب تشجعهم عليه ديانة بربرية 52 .

إن الأحكام السابقة الذكر في حق البحارة الجزائريين نتيجة لما يضنه الأوروبيون بأنه عين الحقيقة فدوما سكان شمال إفريقيا ، لم يكونوا في نظرهم إلا برابرة من نسل برابرة ، ولن ينجبوا إلا برابرة . ولذلك فإن أوروبا المسيحية كانت دوما تفكر في الآلية التي تنقذ بواسطتها المنطقة من وحشية الإسلام والذي يرونه دينا همجيا . وعندها فقط سيتمكنون من نشر الحضارة والتمدن وهذا حسب طبعتهم هم في المنطقة وبعملهم هذا يتخلصون من شرّ القراصنة ولصوص البحر الذين يسكنونها .

وها هو البابا نيقولا الخامس يتحدث بفخر عن الكشوف الجغرافية البرتغالية في الهند حيث يقول : " إن سرورنا العظيم إذ نعلم أن ولدنا هنري أمير البرتغال ، إذ يترسم خُطى والده العظيم الملك يوحنا ، وإذ تلهمه الغيرة التي تملك الأنفس كجندي باسل من جنود المسيح ، قد دفع باسم الله الى أقاصي البلاد وأبعادها عن مجال علمنا كما أدخل بين أحضان الكاثوليكية الغادرين من أعداء الله وأعداء المسيح مثل العرب والكفرة " 53 . وهذا هو الإطار العام لحربهم ضد ما يسمونه قرصنة جزائرية ، حملات عسكرية عدوانية تستتر برداء الحضارة والدين وتعطيها الكنيسة الشرعية والمصداقية ضد منطقة الشمال الإفريقي .

إن الشيء الملاحظ هو أن الدول الأوروبية ثم المدرسة الاستعمارية الفرنسية ، وهذا من بعد نجاح عملية غزو الجزائر ، قد عملوا على إيجاد مبررات لعملية الغزو تلك . وهنا وظفوا ما أسموه هم بالقضاء على القرصنة الجزائرية في البحر المتوسط ، وعليه فنعت الأعمال العسكرية الجزائرية بالقرصنة هو ابن مرحلة تاريخية استلزمت إيجاد مصوغ أخلاقي لتبرير مشروع لا أخلاقي يتمثل في غزو الجزائر . ولذلك فقد ابتدعت فرنسا حجة القضاء على القرصنة الجزائرية خدمة لمشروعها الاستعماري الناهض ، والذي قد كان بحاجة ماسة إلى مسوغات وهذا لكي ينخرط فيه الشعب الفرنسي . ومن جهة أخرى فإن فرنسا كانت بحاجة ماسة للدعم الأوروبي لها شعوب وحكومات بغية تنفيذ مشروع ضخم بحجم احتلال الجزائر . ولهذا فقد وظفت وعزفت على وتر القرصنة الجزائرية وبهذا ضمت سكوت القوى الأوروبية وأمريكا ، حتى أنها كلها قد باركت مشروع فرنسا والذي خلصهم من كابوس كان يجثم على صدورهم ، وخلصتهم وإلى الأبد من عش القراصنة ، والذين كانوا يدفعون له إتاوات سنوية كانوا يعتبرونها فضيحة في حق دولهم وعار يجللهم ، ولم يعد من المعقول السماح بمثل هذه الأعمال لتغير موازين القوى الدولية لصالحهم . ومن هنا توجب علينا إعادة دراسة كل المفاهيم الاستعمارية والتي سادت ولمدة طويلة حتى أنها قد بدت وفي مرحلة ما وكأنها حقائق أو مسلمات وبديهيات يقينية ، وهذا فيما يخص ما اصطلح عليه بالقرصنة الجزائرية في البحر المتوسط خلال الحقبة العثمانية .
 
وإمعانا في عمليات التشويه والتظليل فها هو الأستاذ غوتيه (Gautier) والذي عمل بجامعة الجزائر يصور لطلبته تلك الرسالة الحضارية التي جاء من أجلها جيش إفريقيا أي أن الغزو كان لإخراج سكان المنطقة من البداوة والتوحش 54 .
 
إن عمليات التشوية التي تعرض لها البحارة الجزائريون والتحامل الشديد عليهم من قبل المؤرخين الأوروبيين لهو يدخل ضمن الحرب الدعائية والتي شنوها ، وهذا لتشويه صورة من اتخذوا منهم أعداء أبديين لهم . فغير اليونان برابرة وانتقلت هذه الصورة النمطية إلى الرومان وبصورة آلية إلى سكان المغرب العربي ، وغير المسيحيين مجرد وثنيين وغير الكاثوليك هم هراطقة وغير البيض هم متوحشون ولا حظ لهم في الحضارة . وهذا هو السياق التاريخي والذي يجب أن تدرس فيه قضية الجهاد البحري الجزائري خلال الحقبة العثمانية .

إن أوروبا طالما كان الآخر معها فهو بطل وقديس ، أما ما دام ضدها فهو شرير وشيطان فالسيد في إسبانيا بطلا قوميا ومعه زائدة كنة المعتمد بن عباد والمويسكيين من أصل إسباني هم خونة وهراطقة . وأبناء السلطان أبي الحسن من زوجته الرومية الثريا ، سعد ونصر كانوا هم الأعداء وبعد سقوط غرناطة تحولوا إلى أبطال وهذا من بعد تنصرهم طبعا .
 
والمشكلة هنا هي أن نظرة الأوروبيين للأتراك النمطية والسيئة الذكر قد أنزلوها وبصورة مباشرة على الجزائريين . فهم متوحشون سافكو للدماء وعبارة عن كفرة وثنيين وبرابرة . إن أوروبا في تلك الفترة كانت تنظر لنفسها على أنها هي وحدها مالكة الأخلاق السامية والعقيدة الصحيحة والإنسانية أما غيرها فوثنية وبربرية وتوحش إنها فوقية عنصرية مقيتة . فالأمير عبد القادر اعتبروه هو الآخر إنسانا متوحشا ، ولما عاملهم باحترام وإنسانية تعجبوا كيف يأتي ذلك من إنسان همجي وهذا حسبهم هم طبعا . لا لشيء سوى لأنهم قد برمجوا مسبقا على النظر بدونية للآخر ومهما كان فاضلا فهو متوحش عندهم طالما هو لا يتوافق مع ما وضعوه هم من معايير للتوحش وللمدنية . ولهذا فإن كتاباتهم مسؤولة عن تشويه الصورة فما تقوم به البحرية الجزائرية حسبهم ما هي إلا أعمال نهب وسلب في عرض البحار 55 .
 
نعم إن الغرب الأوروبي الصاعد بفعل الثورة الصناعية والمحتكر للتحضر ، قد كانت نظرته للأتراك سلبية للغاية ، فها هو كتاب تاريخ الترك في آسيا الوسطى المستشرق فولدكه يقول بأن : " دخول الترك في العالم الإسلامي المتحضر بعد سقوط دولة الإيرانية الفارسية كان نكبة هائلة في تاريخ العالم كله " 56 . كما يخبرنا كذلك بأنه : " ولأول وهلة يخيل للمرء أن اندفاع المؤرخين من غير المسلمين . كان ينطلق من منطق علمي سليم ، هدفه تتبع تاريخ العثمانيين المسلمين بأمانة علمية منصفة . ولكن ما أن يطلع المرء على ما أفرزته جهود المؤرخين غير المسلمين ، حتى يكتشف أن الغالبية العظمى منهم قد تجاهلوا وتناسوا مقتضيات الأمانة العلمية والإنصاف بل أطلقوا العنان لأحقادهم الظاهرة والباطنة . لتكون هي المنطلق الذي ينطلقون من خلاله في تشويه تاريخ العثمانيين المسلمين وإلصاق عشرات الافتراءات التي لا تسندها أية بينات تاريخية بالأتراك العثمانيين المسلمين  " 57 . وعمليات التشويه والتزييف المنظمة والممنهجة سوف تزداد ضراوتها بعد انضمام شمال إفريقيا للدولة العثمانية . أي انضمام البرابرة حسبهم للترك المهج فيكون حسبهم حلف أكبر للشر ولن يفرخ عش القراصنة الذي يأوون إليه إلا كل ذميم ومرذول . ولو أنهم اعتنقوا المسيحية وكانوا عونا لأهلها لكالوا لهم المديح ولأصبحوا قديسين في نظرهم ، ولكن ما داموا قد اعتنقوا الإسلام فهم في خانة الأشرار حسبهم هم طبعا . وهذا نتيجة للصورة النمطية عن الإسلام والمشبعة والمتخمة بكل معاني الشر في نظر مسيحيي أروبا في الفترة المدروسة في مقالنا هذا .
 
ولكن الحقيقة غير ما كان الأوروبيون يدعونه حول الجهاد البحري الجزائري فهو لم يكن لا أعمال وحشية ولا قرصنة . بل إن الجزائريين كانوا يطلبون الشهادة بمعناها الديني ، وهذا ما نستنتجه من هذا الوصف والذي يخبرنا بأن : " اهتماماتهم بالدرجة الأولى لإنقاذ المسلمين من ظلم الإسبان ... وبهذه المهمة الجهادية لم يعد بإمكان أي إنسان مقارنة نفسه بواحد من رياس البحر الجزائريين ... ووقفوا خلال هذه المعارك في الصف الأول كما حدث في حرب مالطة وتونس وليبانتو ، فكسبوا بشجاعتهم وموافقهم الإنسانية ثقة الجميع وعمت الشهرة مختلف الأرجاء والأصقاع . " 58 . وما كان هذا هو هدف القراصنة والذين كل همهم الوحيد هو الثراء والتمتع بما ينهبون وفقط .

ووصف البحارة الجزائريين بأنهم لصوص بحر وقراصنة ليس فيه من الموضوعية أي شيء ، لكون هذا الوصف جاء من أعدائهم الإسبان وبالتالي فهو شهادة عدو ، والحقيقة غير ما يقول هو وعليه فإن الجزائريين لهم أصحاب حق ومدافعين عنه ، ألم يفكر الإسبان وحلفاؤهم بما فعلوه هم من أعمال القتل والتدمير للسواحل الإفريقية . فنسبوا الصفات البشعة إلى قراصنة الجزائر والبربر وتناسوا عن قصد حقدهم وكراهيتهم وقتلهم للنساء ولأطفال المسلمين . فاعتمد بقية المؤرخين على ما كتبه المؤلفون الإسبان ، ونشروا ما تكون لديهم من معلومات هي في الأساس معلومات لا أساس لها من الصحة ، ومغالطة تماما للحقيقة والواقع بآن واحد 59 .
وهل كان البحارة الجزائريين ولوحدهم فقط قساة ، ألا تحتفظ لنا سجلات البندقية وبيزا ومارسيليا والجمهوريات التجارية الأوروبية الأخرى بالكثير من الشكاوى في خصوص أعمال القرصان الفظيعة 60  . وهو هنا يقصد القراصنة المسيحيين . ولكنهم كانوا بحاجة إلى عدو وعبره يرصون الجبهة الداخلية كلها ضده ولهذا فالجزائر كانت في نظر المسيحيين جلادة المسيحية وعش القراصنة حتى أنهم كانوا يخيفون أطفالهم باسم الجزائر 61 .

وكيف سمح الغرب لنفسه بتشويه كل ما هو جزائري خلال العهد العثماني ، ويتحدثون عن بشاعة القراصنة الجزائريين ونسوا هم عارهم في أية بقعة وطأتها أقدام جنودهم ونسوا بأن الكاردينال كسيماناس وجد الفرصة متاحة ليشبع تعطشه إلى دماء المسلمين ، فأمر بتقتيل أكبر عدد ممكن من المسلمين . ويعترف الشهود الإسبان بأن جنود كسيماناس راحوا يقتلون سكان المدينة بكل وحشية ، بحيث لم تمر ساعات قلائل حتى تم تفتيل أربعة آلاف شخص عدا النهب والسرقات ... وغادر كسيماناس وهران بعد أن حول مساجدها إلى كنائس 62 .
 
ولكن الجانب الآخر المضيء من تاريخ الجهاد البحري الجزائري فهم لا يرونه ويطمسونه عمدا ، فها هو هايدو يتحدث عن مصاريف عائدات الجهاد البحري أو ما يسمونه هم قرصنة فيقول : " عندما كان الرياس يعودون من غزواتهم كانت المسرة والفرحة تعم الجميع ، فالتجار يشترون الأسرى والمجوهرات والتحف الثمينة التي أحضروها القراصنة معهم ، والتجار يبيعون الألبسة والأرزاق للقادمين الجدد ... وكان كل واحد من سكان المدينة يتذوق الفرح والسعادة ، وهذا ما دفع الجميع إلى إظهار حبهم وإخلاصهم للقراصنة لأنهم المدافعون عن الدين وحماته أيضا " 63 .

علما بأنه وعقب عودة مجاهدي البحر من كل غزوة للجهاد البحري كانت تقوم حركة نشطة بالميناء فالتجار يشترون الأسرى والمجوهرات والتحف الثمينة التي أحضروها القراصنة معهم ، والتجار يبيعون الألبسة والأرزاق للقادمين الجدد ... وكان كل واحد من سكان المدينة يتذوق الفرح والسعادة ، وهذا ما دفع الجميع إلى إظهار حبهم وإخلاصهم للقراصنة لأنهم المدافعون عن الدين وحماته أيضا " 64 . ومن منا ينكر بأن عائدات الحروب البحرية من غائم كانت تقسم وفق حصص معلومة فلداي حصة وللجمارك حصة وللأوقاف حصة .


القرصنة منتج أوروبي بامتياز


إن القرصنة بمعنى لصوصية البحر لم تظهر في التاريخ لأول مرة وبصورة واضحة إلا مع الأوروبيين 65 . ولهذا فهي وما دامت تخدم مصالحهم فهي مشروعة وقتال في سبيل المسيح والمسيحية ولنشر السلام المزعوم حسبهم . وكل ما ينتج عنها من آثار مدمرة ومن نتائج مأساوية للطرف الآخر ، فهذا الجانب خفي ولا تراه المسيحية الممارسة للقرصنة ، لأنه وبكل بساطة عقاب رباني مشروع ضد البرابرة الأشرار أعداء السيد المسيح والمسيحية وهذا حسب زعمهم هم طبعا . ولذلك وكما أن الساحرات يضرّ شرهن بالمسيحية ولهذا فقد توجب اصطيادهن وحرقهن ، فكذلك الأمر مع البحارة الجزائريين . وهذا هو جزاؤهم العادل وكل هذا جاء نتيجة اعتقادهم بأنهم على حق ويملكون الحقيقة كلها وهم وحدهم فقط من يحتكرها ويدافع عنها .

هذا من جهة ومن جهة أخرى فهم يدركون تمام الإدراك بأن مركز الثقل في الحوض الغربي للمتوسط هو إيالة الجزائر ومركزها مدينة الجزائر ، ومتى سقطت هذه الأخيرة فإنهم سوف يضمنون أمن سواحل أوروبا الجنوبية كلها وبصورة نهائية . إذ لا وزن لباقي المدن البحرية المغربية الأخرى ولا لبحارتها أمام الأساطيل الأوروبية . وهذا ما سوف يسهل عليهم القضاء على الدولة العثمانية ، وذلك بحرمانها من أهم جناح قوة لها يحمى ظهرها من الغرب . ولهذا فقد كانت الجزائر ومن قبلها تونس أهدافا لمشروعهم الصليبي الغازي والذي لم يكتب له النجاح في بلاد الشام . وزادت عدوانيتهم حدة بعد سقوط غرناطة في العام 1492 ، فلما بادر الطرف الجزائري بردة فعل على مشاريعهم التوسعية هذه وعلى قرصنتهم فقد ثارت ثائرتهم واتهموا منطقة شمال إفريقيا بما كان ابنا شرعيا لهم هم ومن اختلاقهم هم . وإلا فليخبرونا بما كان الجزائريون سيردون على تحرشاتهم واعتداءاتهم تلك ؟ فمثلا فها هو سان فانسان يجيّش لأجل حملة صليبية ضد الجزائر ويحث سكان مارسيليا على التبرع لصالحها 66 .

وحتى ولئن نجحت حملاتهم واحتلوا بعض الموانئ الساحلية الجزائرية فإنهم سيبقون لصوصا ودليلنا هذه الفقرة والتي جاء فيها : " عاش الإسبان طيلة فترة الاحتلال في حالة حصار ، كان الجنود الإسبان يعانون حياة شاقة للغاية ... وكانت هذه الحامية كثيرا ما تنهب أغنام القبائل المجاورة " وهو هنا يتحدث عن الإسبان الذين استعمروا منطقة وهران 67 . وهذه العادة السيئة أي نهب المدنيين العزل سوف يرثها عنهم الاستعمار الفرنسي فيما بعد وتصبح عنده سياسة ممنهجة تعرف بالرزايا . أو بالضيفة وهذا عندما يحلون في منطقة ما ويخيرون الجزائريين بين الذبح وبين تموين جيشهم وهي أعمال عصابات وقطاع طرق بامتياز .
 
كما يجب الإشارة هنا إلى أن بعض الموانئ وبصورة خاصة موانئ كل من صقلية وسردينيا وكورسيكا وكذلك جزر الباليار كانت معروفة جدا بإيوائها ومساعدتها للنصارى الذين كانوا يعملون بحرية في ميدان النهب 68 . حتى إن بعض مؤرخيهم مثل كاط ليخبرنا بأن الهولنديين والإنجليز لهم أكثر شراهة ووحشية في قرصنتهم من الجزائريين ودولهم من كانت تقوم بتسليحهم ليمارسوا القرصنة ضد الجزائريين . ولئن كانت أعمالنا الحربية وحسبهم هم طبعا وباء فإن قرصنتهم هم لم تكن أبدا أكثر أخلاقية من جهاد الجزائريين البحري . وهل الأسرى الجزائريين الذين ومن سوء حظهم قد وقعوا بين أيديهم والذين يُـربطون إلى أن يتوفاهم الأجل في مجاديف السفن ، والذين كانوا ممنوعين من كل حقوقهم الإنسانية ولعل أبسطها حق ممارسة شعائر دينهم من صلاة وصوم . وعطفا على ما سبق نقول بأن بريطانيا هي الأخرى قد مارست القرصنة البحرية وكانت تضفي عليها صفة الشرعية وأفضل نموذج هنا هو القرصان جاك سبارو ، والذي عمل كقرصان في البحرية البريطانية أيام صراعها مع البحرية الاسبانية . إلى أن يعتنق الإسلام ويتحول إلى مجاهد بحري متخذا من مطقة الشمال الإفريقي معقلا له .

وهم لم يكتفوا بممارسة القرصنة ضدنا فقط بل إنهم قد مارسوها ضد بعضهم البعض ، كما هو الحال في حرب السنوات السبع 1763 – 1756 وهذا لكون كل طرف مشارك في هذه الحرب كان يريد تعويض خسائره الاقتصادية فيها ولذا مارسوها ضد بعضهم البعض . لقد جاء في كتاب حرب الثلاثمائة سنة ما يلي : " إن القرصنة لم تكن في غرب البحر المتوسط ... ولا يحق لنا أن نغالط التاريخ فإن القراصنة المسيحيين كان عددهم كبيرا جدا خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر بهذا البحر المتوسط " . 69 .
 
نعم لقد أصبح اليوم من البديهيات والمسلمات أمر ممارسة الدول الأوروبية للقرصنة فها هو كتاب الجزائر في عهد رياس البحر يخبرنا بأن بعض الموانئ الأوروبية وبصورة خاصة موانئ كل من صقلية وسردينيا وكورسيكا وكذلك جزر البليار كانت معروفة جدا بإيوائها للنصارى الذين يعملون بحرية في ميدان النهب ولا يدينون بأية سلطة يعترفون لها بالولاء . وقد كان هؤلاء القراصنة يجبون بالقوة من سفن المسيحيين أكثر مما يجبون من سفن المسلمين وتحتفظ لنا سجلات البندقية وبيزا ومرسيليا والجمهوريات الأوروبية التجارية الأخرى بالكثير من الشكاوى في خصوص أعمال القرصان الفظيعة الجزائر 70 . وعليه فقرصنتهم هم هي قرصنة همج ووحشية لا فرق بينها وبين لصوصية البحر بل هي لصوصية البحر عينها ، هذه الأخيرة لم تمارسها البحرية الجزائرية مطلقا .
 
هذه البحرية والتي اضطلعت بدور أساسي طيلة الفترة العثمانية ، حيث كانت تقوم بعمل مزدوج يتمثل في الدفاع عن الجزائر والدفاع عن باقي البلدان المغاربية ، والمشاركة  في الدفاع في على البلاد الإسلامية ، خاصة الدولة العثمانية في شرق البحر المتوسط ، وذلك دفاعا عن المقدسات الدينية ، والوطنية " 71 . وهذا هو الأمر الذي كان يثير حقدهم على الجزائر ، ذلك أنها وقفت سدا منيعا يحول دون تحقيق أهدافهم ومشاريعهم الاستعمارية في المنطقة .
 

نابليون بونابرت والجهاد البحري الجزائري

 
ولكي نفهم سر انقلاب فرنسا على البحارة الجزائريين ، فمن حليف استراتيجي تُخلى له المدن في القرن السادس عشر ، تتغير النظرة فجأة ويصبحون مجرد لصوص بحر يجب تأديبهم . ولنفهم سر هذا التحول علينا أن ندرك أولا بأن ما كان يحكم فرنسا في علاقاتها بالبحارة الجزائريين هي المصالح أولا وأخيرا . فما داموا حليفا تستخدمه كصمام أمان لها ضد إسبانيا الكاثوليكية الزاحفة على أراضيها فهم أبطال ومقاتلو بحر يؤدون حربا بحرية شرعية ، ولكن لما انقلبت الأمور وتقهقرت إسبانيا وأصبحت هي نفسها تحت رحمة الفرنسيين ومحتلة من قبلهم وهذا على عهد نابليون بونابرت ، فهنا الساحة لم تعد تتسع له وللبحرية الجزائرية . ولا يمكن أن يبقى البحر المتوسط يدار برأسين وهذا خصوصا في ظل تغير المفاهيم والقيم وبصورة جذرية ، فما كان بطولة بالأمس القريب فقط فهو اليوم قرصنة ولصوصية .

تماما كما نراه اليوم مع الو م أ فمرة تعتبر حركة ما مجرد منظمة إرهابية ولكن وعندما تلتقى المصالح أو تحتاج إليها فإنها تتحول إلى حركة تحررية والعكس صحيح . وهذا ما لاحظناه مع صدام حسين فهو بطل أيام كان يحارب بالوكالة عنهم ضد إيران ولما انتهي دوره هذا ، تحول إلى مجرد ديكتاتور ومجرم يجب التخلص منه . وهو عين ما حدث مع محاربي البحر الجزائريين فما داموا يقاتلون ضد إسبانيا ومع فرنسا فهم أبطال وحالما انتهي هذا الدور فوضعيتهم القانونية تتبدل هي الأخرى . ولهذا لا يجب أن نسلم للتوصيف وللتصنيف الذي تحدده الكتابات الغربية في ما يخص الجهاد البحري الجزائري واعتباره كما يدعون مجرد قرصنة . ونابليون عندما يتوعد بتأديب القراصنة الجزائريين كما يقول فإنه هنا يحتكم إلى مفاهيم القرن ال 19 والتي لم تعد تقبل بمثل هذه الممارسات ، وهذا على عكس القرون التي سبقت هذا القرن .

نعم إن فرنسا قد كانت تعرض خدماتها على الجزائريين وتتودد لهم ، خدمة لمصالحها وهذا لما كانت هي في موقف ضعف . ويبرز هذا في عرضها تقديم مساعدتها للجزائر على عهد حسن بن خير الدين البيلرباي ولكنه رفض مشروعها هذا . 72 . ولكن لمّا انقلبت الأمور وأخذت هي بالثورة الصناعية فقد تجرأت على غزو الجزائر وكان ما كان منها والقصة نعرفها جميعا .
 
نعم إن الفرنسيين كان تعاملهم مع البحارة الجزائريين تعاملا مصلحيا ، فهم أبطال ما داموا يحتاجونهم ولصوص بحر متى انتهت تلك المصلحة ، وهذا ما يدل عليه إرسال : " ملك فرنسا في العام 1552 هنري الثاني ممثله دالبيسي إلى باشا الجزائر من أجل مضايقة إسبانيا بصورة مستمرة ، فكلف صالح باشا أسطوله بالتوجه إلى جزيرة ألبا لضربها وضرب السواحل الإسبانية الأخرى ... إضافة إلى مشاركة البحار الفرنسي دولاغارد . واستمرت الأعمال البحرية ضد الإسبان فترة طويلة " 73 .

ولكن علينا أن لا ننسى بأن فرنسا باحثة عن مصالحها وموقفها من الأتراك متغير حسب تبدل تلك المصالح  ففي العام 1660 : "  نجح الكاردينال مازارين في اصلاح العلاقات بين فرنسا وملك إسبانيا ، فشكلا حلفا صليبيا انضم إليه الآلاف من الفرنسيين والإسبان والمالطيين ودوق توسكانا ، وبارك البابا هذا الحلف وحقق أسطول هذا الحلف نصرا على العثمانيين ، ولكنهم لم يلبثوا أن هزموا جيوش هذا الحلف شر هزيمة في معركة قنديا . وفي العام 1664 واجه العثمانيون خطرا جديدا يتمثل في حلف صليبي جديد باركه البابا إسكندر السابع وانضم إليه امبراطور النمسا ليوبولد ، وملك فرنسا ... نقض المعاهدة في عام 1670 وأرسل أسطولا بحريا لمحاربة العثمانيين ، إلا أنه عاد وسحبه بناء على مشورة وزيره كولبر الذي أقنعه بعدم جدوى محاربة العثمانيين منفردا " 74 . ولهذا ففرنسا لمّا تعادي إسبانيا ترتمي في حضن الدولة العثمانية ومن تسميهم قراصنة ، ولما تتصالح مع إسبانيا تقلب ظهر المجن للدولة العثمانية .
 
ويا للعجب لكأن التاريخ يعيد نفسه فكما اعتبرت روما الصاعدة بأن أعمال الأيليريين البحرية غير مقبولة لأنها قد أصبحت في موقع الأقوى ، فها هو نابليون ومعه فرنسا الصاعدة أصبح هو الآخر وهي الأخرى يعتبران الأعمال البحرية الجزائرية غير مقبولة ، وكما اتخذت روما من قرصنة الإيليريين حجة للتدخل في منطقة البلقان واحتلالها ، فكذلك اعتبرت فرنسا ونابليون الأعمال البحرية الجزائرية غير مقبولة واتخذوها كحجة للتوسع واحتلال المنطقة ، إنها إرادة الأقوى بتعبير الفيلسوف نيتشه . ونحن هنا لا نلوم لا روما ولا فرنسا لأن كليهما ينظر إلى المسألة من زاوية المصالح الخاصة بهما ولا شيء غير هذا .

نعم إن سبب تغير موقف فرنسا تجاه البحارة الجزائريين هو أنها أصبحت في موقع القوة وعليه فهي لم تعد تقنع بما تكسبه من تجارتها مع الجزائر فقط . بل هي الآن قد أصبحت تريد وضع يدها على الجزائر وما فيها وأن تصبح جزء منها ، وامتدادا لها في إفريقيا ولهذا فإن قناصلها قد أوضحوا : " للجزائريين أكثر من مرة وبصورة مفيدة ، أنه قد يكون التجزؤ على دولة قوية والتحرش بمصالحها أمرا خطيرا . " 75 . بل أصبحت هي من تتحرش بالجزائر لأجل غزوها ولا داعي أن تتحجج بالقرصنة والتي قد ألغيت منذ أكثر من خمسين عاما على احتلالها للجزائر .

إن كل من فرنسا ونابليون قد أصبحا يريان بأن هذه الأمور والمقصود هنا السيادة العثمانية على شمال إفريقيا : " لم تعد مقبولة أن تستحوذ حفنة من القراصنة المغامرين على أجمل بقعة في العالم وتفرض عليهم – أي على الدول الأوروبية – شروطا هي أقرب إلى التبعية التي يفرضها ملك قوى على أمير صغير 76 . وهذه المواقف الجديدة أوحت بها إلى فرنسا القوة المادية والعسكرية منها على وجه الخصوص والتي أصبحت تملكها على إثر الانقلاب الصناعي الذي شهدته شأنها في هذا شأن كل دول أوروبا الغربية .

وكيف يتغافل نابليون عمدا عن حقيقة أن الجزائر ومنذ بداية القرن التاسع عشر قد ألغت الأعمال الحربية البحرية ، والتي تقوم بها الشركات الخاصة وأصبح العمل الحربي البحري من اختصاص الدولة وفقط ، وهذا لأجل الدفاع عن مصالحها وعن كيانها وهذا حقها المشروع ، والذي يسمونه هم قرصنة وجب القضاء عليها . ولئن كان نابليون جادا في القضاء على ما يسميه بالقرصنة الجزائرية ، فإن الأولى به أن يطهر بيته أولا ، ذلك أنه يتوعد البحرية الجزائرية في حين أنه يتغاضى عن أعمال القراصنة الصقليين والذين أغرقوا في العام 1811 سفينة جزائرية كما جاء في مذكرات القنصل الأمريكي بالجزائر وهذا أثناء ممارستهم للقرصنة في المتوسط 77 .

إن نابليون لكاذب وهذا حينما يدعي بأنه يدافع عن القانون الدولي فهو هنا مثله مثل بريطانيا ومثل دولته فرنسا لا يهمهما إلا مصالحهما . وهذا الأمر تصفه الفقرة التالية والتي نقتبسها من كتاب مذكرات قنصل السابق الذكر وليام سبنسر والتي جاء فيها : " وقد كانت فرنسا دائما على استعداد لتقديم أية خدمة تدل على الخنوع ، وذلك حتى ولو كانت تنطوي على خرق القانون الدولي " 78 . وكيف يكون نابليون صادقا في محاربته للجزائر ولبحريتها ودولته فرنسا هي أول من يخرق القانون الذي يدعي بأن الجزائريين يخرقونه وأنه قد حان الوقت لتأديب الجزائر . ودولته فرنسا نفسها قد ظلت تمارس القرصنة وعلينا أن ننتظر العام 1856 تاريخ إعلان باريس والذي بموجبه تم حظرها وبصورة نهائية .
 
حقيقة إن الكثير من الأمور لم تعد مقبولة في القرن التاسع عشر كالعبودية والقرصنة بالمفهوم الأوروبي وهذا ما عبر عنه وليم سبنسر في كتابه الجزائر في عهد رياس البحر بقوله بأن القراصنة ، وهو يقصد البحرية الجزائرية لم يبالوا بتطور القانون الدولي مما سرع باستدعاء مؤتمر إكس لاشابيل قضايا الإتاوات والرهائن والعبودية 79 . ولكن الحقيقة هي أن موازين القوى الدولية قد تغيرت بفعل الثورة الصناعية وأصبح زمام المبادرة بيد فرنسا خاصة . ولذلك فقد تراجعت العمليات البحرية الجزائرية في المتوسط في الربع الأول من القرن التاسع عشر ، ولما حاول الجزائريون إرجاع الوضع كما كان سابقا ، هنا كان رد فعل نابليون عنيفا جدا لدرجة أنه بعث الجاسوس بوتان ليضع مخططا لغزو الجزائر وبهذا العمل فإنه وحسبه هو طبعا سيخلص أوروبا من الجهاد البحري الجزائري وبصورة نهائية حتى أنه صرح بأنه سوف يلقن هؤلاء القراصنة ولصوص البحر الجزائريين درسا قاسيا . ومن بعد انهزامه ونفيه فإن فرنسا الملكية قد تسلمت المشعل منه .

وأخيرا نقول بأنه وفي القرن التاسع عشر قد تغيرت موازين القوى وأصبحت فرنسا دولة قوية مهابة الجانب . وتغيرت الكثير من المفاهيم والقوانين المحلية والدولية على حد سواء . فمثلا قد أصبح العالم يتجه صوب إلغاء العبودية والرق ونابليون نفسه غير القوانين في فرنسا وأصبحت مدنية ورياح هذا التغيير هبت على أوروبا كلها . ولكن الجزائر في علاقاتها الدولية لا زالت تحتكم لقوانين وقواعد الماضي وحتى الباب العالي فشل في تغير مسار الجزائر هذا . هذا هو السياق الذي كان يتحرك فيه نابليون فما كان مقبول في الماضي أصبح وبفعل الثورتين الصناعية والفرنسية غير مقبول في القرن التاسع عشر ولهذا فهو يعتبر الحرب البحرية الجزائرية قرصنة ولصوصية وهذا لتغير فلسفة الحياة ككل .

 

مسألة الجهاد البحري الجزائري ومؤتمر فيينا


بداية نقول بأن أوروبا قد كانت غير حاسمة في قراراتها فيما يخص ما تسميه هي قرصنة جزائرية ، فهي من جهة مشدودة إلى مصالحها الاقتصادية والاستعمارية وهذه الأخيرة هي من تحدد لها الإطار الواجب التحرك فيه . وهذا حينما يتعلق الأمر بهذه القضية والتي أصبحت حسبها مثلها مثل العبودية ظاهرة فظيعة لا يمكن احتمالها . ومن جهة أخرى فهي متشوقة إلى غد أفضل وترنو إلى المستقبل المنبي على غير ما تمارسه البحرية الجزائرية من عمليات حربية في المتوسط لكونها مبنية أي ما يسمونه هم القرصنة الجزائرية في المتوسط على : " أساس تأثير أفكار سياسية تتناقض مع الحرية والتقدم الذي عرفه هذا القرن " وهو هنا يقصد القرن التاسع عشر . 80

ولهذا فقد اقترحت الدول الأوروبية تكوين قوة مشتركة ضد الجزائر وهذا ما ارتأته هذه الأخيرة في مؤتمر فيينا 1815 م . وبهذه القوة وفقط وحسبهم سوف يرغمون الجزائر عن التخلي عن ممارسة القرصنة . ولكن الجزائر لم تحفل أبدا ولم تنصاع مطلقا لقرارات مؤتمر فيينا ، ولا هي انصاعت قبله لمطالب الدول الأوروبية والخاصة بضرورة وقف الجهاد البحري أو ما يسمونه هم ب الكورسار ..... ولذلك فإن الدول الأوروبية قد فوضت فرنسا للقيام بحملة تأديبية ضد الجزائر وكان هذا في مؤتمر فيينا نفسه . وهذا من بعد أن فشلت مساعيهم السابقة في حملها على التخلي عن عملياتها البحرية في عرض المتوسط  . 81

ونفس القضية قد طرحوها مرة ثانية وهذا في مؤتمر إكس لاشابيل 1818 والذي طالب هو الآخر بضرورة وضح حد لما يسمونه قرصنة إيالات الشواطئ البربرية ، لكون هذه القرصنة تضر بالتجارة الأوروبية . ولذلك فقد كلف المؤتمرون كل من فرنسا وبريطانيا بتوجيه إنذارات جدية ضد نظام القراصنة والذي عليه أن يفكر مليا في نتائج هذه القرارات والتي قد تمس وجود تلك الإيالات نفسها . 82 وهذا ما كان فعلا حيث اختفت الجزائر من الوجود لمدة 132 سنة وهذا تحت حكم الاستعمار الفرنسي البغيض والذي اتخذ من ظاهرة القرصنة سببا لغزو الجزائر وإنهاء وجودها كدولة ذات سيادة .

وهنا يمكن القول بأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نتصور بأن تقبل الدولة الجزائرية بأن تنتزع منها ما كانت تراه هي حقوقا مشروعة كفلتها لها المعاهدات الدولية منذ القرن السادس عشر . ولكن أوروبا المدعومة هي الأخرى بقوتها العسكرية الناهضة برا وبحرا والمحتكرة للمدنية وللتّحضر حسب طبعتها هي ، والتي لا ترى في دول المغرب العربي غير دول لقراصنة وبرابرة متوحشين . فهي لم تعد تحتمل أن يسير العالم برأسين رأس في أوروبا ورأس في شمال إفريقيا وهذا خاصة في ظل تصادم المصالح بين الضفتين واستحالة التوفيق بينهما ، فعاد الأمر واضحا من أنه لا بد من أن يحسم في يوم وبصورة نهائية وهذا ما تم فعلا مع  الحملة الفرنسة على الجزائر في العام 1830 . وهنا قد يقول قائل ولمَا الدولة الجزائرية في تلك الأيام لم تلغ أعمالها الحربية في المتوسط والتي يطلقون عليها القرصنة ، إن القضية هنا قد كانت قضية حياة او موت بالنسبة لعثمانيي الجزائر ، ذلك أنه لا مورد لهم يغذي الخزينة الجزائرية إلا هذا المورد وأي انقطاع له يعنى انهيار الحكم العثماني في الجزائر ومعهم شرعية حكمهم للجزائريين . وهذا لكون الدولة العثمانية في الجزائر لم تنوع من مصادر دخلها ولا هي اهتمت بداخل الجزائر ولا هي أقامت زراعة أو صناعة يمكن لها عبر هذه أو تلك من أن تعوض خسارة ما يأتيها من عائدات بحرية . أمّا ما هو موجود في خزينة الداي أي خزينة الجزائر فلا يمكن أبدا التعويل عليه لأنه سيكفيها فقط لسنوات محدودة ثم تنضب تلك المدخرات وقد تصاب الدولة بالإفلاس ، لا بل إنه وفي وجود الأموال المخزنة في خزينة الداي فالموازنة الجزائرية تعرف عجزا كبير قدر بحوالي 937000 دولار ولهذا فقد تصاب الدولة بالإفلاس . 83

كما لا يجب أن ننسى هنا بأن الحكومة الجزائرية في تلك الفترة لها عدة التزامات مادية تجاه موظفيها أو تجاه الدولة العثمانية أو تجاه أصدقائها الأوروبيين كالإنجليز مثلا ، والذين سيغضون الطرف عن خرقها لكل معاهدة دولية ما دامت الهدايا تتدفق عليهم . كما يجب أن لا ننسى الجند الإنكشارية ومرتباتهم وأعطياتهم ، فولاءهم للداي وحكومته مرهون بمدى وفائه ووفائها أي الخزينة الجزائرية بتلك الالتزامات وإلا فالثورة عليه وقتله هما ما ينتظرانه حتما ، وهذا ما حدث لعدة ديات حكموا الجزائر وكان من نصيبهم ذلك المصير المؤلم مثل الداي الحاج على باشا الغسال والذي قتل خنقا في الحمام أو كما هو حال الداي مصطفى باشا والذي تم اغتياله في العام 1805 م . ولا ننسى هنا التزاماتها المادية تجاه الموالين لها من الجزائريين هذا الولاء والذي سوف يتبخر سواء كان ولاء للنخبة وللطبقات العليا الأرستقراطية أو عند عموم أفراد الشعب . وهنا سوف تستيقظ حتما المطالب الوطنية من جديد سواء بين الكراغلة أو بين الجزائريين الحضر ، وفي هذا الحال فلن يستطيع أتراك ( عثمانيو ) الجزائر فعل أي شيء وسوف تنهار حكومتهم لصالح حكم جزائري وطني . وهذا ما كانوا يخشونه ، وهذا لكون شرعيتهم ورضاء العامة عنهم مرهون بما يجلبونه من غزواتهم البحرية . ولهذا فالخيار كان صعبا جدا على دايات الجزائر في ما يخص ما تسميه أوروبا بالقرصنة البحرية الجزائرية فدايات الجزائر لن يلغونها تحت ضغط العوامل التي سبق ذكرها وأوروبا الناهضة لن يطول صبرها أكثر وكانت المواجهة الحتمية مؤجلة فقط وإلى العام 1830 .

كما يجب الإشارة هنا إلى أن الدول الأوروبية كانت تسعى جاهدة لتقنع السلطان العثماني وهذا لكي يتخلى عن دعمه للبحرية الجزائرية . هذه المطالب كانت مرفوضة من الجانب العثماني ، والذي كان يعتبرها تدخلا مباشرا في شؤون السلطنة الداخلية من قبل الدول الأوروبية المجتمعة في مؤتمر إكس لا شابيل .

وبعدما أيقنت بريطانيا والدول الأوروبية الأخرى عدم جدوى استخدام الأسلوب العسكري القائم على التهديد والتلويح بالاحتلال والاعتداءات المتكررة ، لجأت إلى تفويض فرنسا وبريطانيا بإجراء محادثات سلمية مع الجزائريين لإقناعهم بالتخلي عن القرصنة في مياه البحر الأبيض المتوسط ، والكف عن استرقاق الأوروبيين 84

علما أن السفن البريطانية قد كانت تعترض من حين لآخر السفن العثمانية المتوجهة إلى الجزائر ، وعندما فشلت في إخضاع الجزائر ، ووقف نشاط بحريتها عادت لطرح المسألة في مؤتمر إكس لاشابيل Aix la chapelle  في أواخر عام 1818 ، ونظرا لعدم اتفاق الدول الأوروبية المشاركة فرنسا ، بريطانيا ، روسيا ، بروسيا ، النمسا ، على فكرة تكوين قوة موحدة ، تم تفويض فرنسا ، وبريطانيا لدراسة المسألة مع الجزائريين بطريقة ودية في محاولة جادة لإقناعهم بضرورة التخلي عن القرصنة ، ووقف استرقاق الأوروبيين وإرجاعهم إلى أوطانهم 85 . ورغم كل هذا فبريطانيا لم تكن معنية باتخاذ موقف صارم من القرصنة الجزائرية طالما احترم أولئك القراصنة سفنها 86 .

نعم إن فرنسا وبريطانيا لم تكونا صادقتين في عملهما لأجل القضاء على الجهاد البحري الجزائري إلا بقدر ما أن تحافظا على مصالحهما . وعلى العكس فإنه من مصلحتهما الإبقاء على الجهاد البحري الجزائري وهذا بهدف الإضرار بمصالح الدول الأخرى 87 . وعليه فإن آخر هَمّ فرنسا وبريطانيا هو القانون الدولي ومدى احترامه ، وما دام الجهاد البحري الجزائري لا يضر بمصالحهما ، فلا يهم إن اخترقته إيالة الجزائر أو احترمته . وإنما فرنسا وبريطانيا من مصلحتهما استمرار الأعمال البحرية الجزائرية في عرض المتوسط وهذا لكي يجدا مبررا للتوسع فيه واحتلال المزيد من الأراضي المطلة عليه وموانئه كما فعلت فرنسا وهذا حينما احتلت إيطاليا وبريطانيا حينما احتلت صقلية تحت حجة حمايتها وسكانها من القراصنة الجزائريين .

وقد يتساءل البعض ولماذا بريطانيا لم تكن متحمسة للقيام بعمل عسكري حاسم ضد من تعتبرهم أوروبا قراصنة ربما الجواب نجده في هذه الفقرة والتي نقتبسها من كتاب مذكرات القنصل وليام سبنسر والتي جاء فيها : " إن قراصنة البحر وقطاع طريق مثل الجزائريين الذين يدفعهم غرور البربرية والجهل إلى احتقار الفنون والعلوم وما طرأ على المجتمع المتحضر من التقدم لا يستحقون التفاتا من التاريخ ... فإن هؤلاء القراصنة الذين تداعبهم وتشجعهم أكبر دولتين بحريتين في العالم في عجرفة واحتقار للقوانين الدولية قد جعلتا منهم أداة للقضاء على تجارة الدول الصغيرة ولضمان احتكار التجارة الدولية " 88 . ورغم تلميح فرنسا مثلا في عدة مناسبات إلى استعدادها لاستخدام نفوذها لدى دول المغرب لحملها على الدخول في مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية وأي شخص يعرف بلاد المغرب معرفة جيدة سيشعر بالاشمئزاز والسخرية والاحتقار لهذه الأقوال . لأنه من المعلوم أن الدول البحرية الأوروبية قد التجأت إلى أحط الوسائل وأوضعها لتدعيم ما تسميه بنفوذها ، وأن شعبا مستقلا ليس ليديه ما يرجوه من صداقتها كما أنه لا يوجد لديه ما يخشاه من عداوتها ، هنا في الجزائر  " 89 .

ولكل ما سبق فإن بريطانيا وعلى الأخص لم تكن متحمسة للعمل العسكري ضد الجزائر ، ولكن لمّا تتغير المعطيات الدولية فإن لفرنسا سوف تكون لها كلمة أخرى فيما يخص المسألة الجزائرية . خاصة وأنها كانت مدعومة من بعض أرباب الفكر من أمثال فريدريك إنجلز والذي كان مؤيدا للمشروع الفرنسي في الجزائر لكونه صد استطاع أن يوقف نشاط قراصنة دول إفريقية الشمالية ولم يكن هذا الأمر ممكنا إلا باحتلال إحدى هذه الدول 90 . وهذا طبعا لنشر الحضارة في ربوع هذه المنطقة البربرية والمتوحشة .
والدليل القاطع على أن بريطانيا كانت تهمها مصالحها فقط هي تلك الرسالة التي بعث بها الوصي على عرش بريطانيا في عام 1812 إلى داى الجزائر الحاج حسن ، يؤكد له فيها بأن بريطانيا ستحمى الجزائر بأسطولها الذي هو سيد البحار ، وهذا ما دامت علاقة الصداقة قائمة بين البلدين . وهنا يبرز النفاق البريطاني في أبشع صوره . فهي مستعدة للتحالف مع الشيطان لأجل مصالحها ، ومستعدة لشيطنة القديسين لأجلها وتبرئة الشيطان وتنظيفه ليصبح حواريا لأجل تلك المصالح ، وهذا لكونها تحتكم إلى القاعدة الشهيرة والتي تقول : " في السياسة ليس هناك عدو دائم او صديق دائم هناك مصالح دائمة . " . حتى أنها وقفت معارضة لقرارات مؤتمر فيينا في ما يخص مسألة القرصنة الجزائرية بتعبيرهم هم حيث لأن : " بريطانيا كانت تصغي بأذن صماء لكل اقتراح قدم أمام المؤتمر يستهدف تحريم قرصنة بلاد البربر ، ولما سئل رئيس وزراء بريطانيا في البرلمان بعد ذلك ، بشأن هذه القضية ، ادعى أن معاهدات بريطانيا مع بلدان المغرب هي التي تبرر هذا الموقف ، ولكن المؤرخ الذي عالج مؤتمر فيينا ، لم يتردد في أن يصف موقف الوزير البريطاني فيه ، بأنه قد أوحت به الأنانية ويقوم على ضغط المصالح " 91 . ونفس المنطق تقريبا كانت تحتكم إليه فرنسا في تعاملها مع الجزائر أما : " السياسة الفرنسية نحو الجزائر تقوم على مقتضى الظروف : متبصرة ، مقنعة ، ملمحة ، معرضة ، مثابرة . وكان قناصلها عادة يتمتعون بدرجة عالية من الكفاءة ويعرفون جيدا مصالح بلدهم . وبفضل الهدايا والرشوة التي يقدمونها ... توصلوا إلى غاياتهم والمال لم يكن يهمهم ، بل إن كرامة فرنسا نفسها ، لا تهمهم بقدر ما يهمهم تحقيق هدفهم الوحيد هو الفوائد التجارية 92 .
 

الخاتمة


في الأخير يمكن القول بأن الأعمال الحربية للبحرية الجزائرية في العهد العثماني ، لا علاقة لها بصورة مباشرة أو غير مباشرة بالقرصنة بمفهومها الأوروبي . وأن كل ما قيل عنها وعن البحارة الجزائريين ومن أن أعمالهم  تنبع من التعطش لأعمال السلب والنهب ، ما هي إلا دعاية مغرضة من قِبَل عدو في حق من صنفه في خانة المعادي له وهذا لكي يبرر أعماله . ولكي يتمكن من تجنيد وتوحيد صفوف مواطنيه حول قضيته بغض النظر إن كانت أخلاقية أو شيطانية .

وما قام به الجزائريون كان جزء من الحرب الدولية الدائرة في حوض المتوسط والمحيطين الأطلسي والهندي بين القوى المسيحية من جهة وعلى رأسها البرتغال وإسبانيا وبين الدولة العثمانية والجزائر من جهة أخرى . وبالتالي علينا أن نضع ما قام به الجزائريون في إطاره الحقيقي وأن لا نختصر تلك الحروب في لفظة القرصنة وكفى . ولا في ادعاء باطل مفاده بأن تلك الأعمال كانت مجرد لصوصية بحرية وفقط ، وهذا كما تدعى المدرسة الاستعمارية وهذا ليجد المستعمر مبررا لغزو الجزائر .

كما لا يجب أن ننسى بأنهم هم كذلك قد مارسوها وللتدليل على هذا الأمر نقتبس هذه الفقرة من أبي القاسم سعد الله والذي جاء فيها : " وقد قدر الكاتب وهو مغربي الأموال التي كانت تحملها سفينتان إلى اسطانبول بألف ألف مثقال بينما قدرها آخرون بثمانية عشر قنطار ذهبا سوى الجوهر غير أن السفينتين وقعتا في قبضة القراصنة المسيحيين " 93 .

كما يجد أن نعرف بأن الجهاد البحري الجزائري وكما عرف الاضمحلال في المرحلة الأخيرة من الحكم العثماني للجزائر فإنه أيضا قد : " تطور هذا الجهاد فكان أقوى ما يكون في القرن الحادي عشر ثم ضعف تدريجيا لأسباب أهمها ضعف الدولة العثمانية نفسها ... وقوة الدول الأوروبية وخصوصا فرنسا وبريطانيا ثم دخول أمريكا إلى حوض الأبيض آخر القرن الثاني عشر " 94 . وما يؤكد الكلام السابق من أن القرصنة قد انتهت تقريبا في الضفة الجنوبية للمتوسط هذه الفقرة والتي نقتبسها من كتاب الجزائر في مؤلفات الرحالين الألمان والتي جاء فيها : " ... وإذا كان لم يتم أي عمل من أعمال القرصنة ، ولم توجه أية إهانة إلى القناصل ... فإن هذا يعود إلى طبيعة الداي حسين الوديعة وميله إلى الهدوء والسلام " 95 .

كما أنه ولا أحد ينكر بأن الثورة الصناعية والفرنسية قد قلبت كل منهما موازين القوى وبصورة نهائية لصالح الضفة الشمالية للبحر المتوسط . ولذلك فإن خطر السواحل البربرية كما يسمونها قد انتهى وبصورة كلية ، وهذا ابتداء من القرن الثامن عشر ولا يمكن الحديث مطلقا على خطر يتهدد سواحل أوروبا الغربية الجنوبية منها بصورة خاصة ، وقادم من سواحل ليبيا أو تونس أو المغرب الأقصى وهذا باستثناء البحرية الجزائرية . والتي انحصر وانكمش هي الأخرى دورها في البحر المتوسط . وهذا نتيجة للضغط الشديد الممارس عليها من قبل الدول الأوروبية متفرقة أو مجتمعة . وعلى كل حال فقد كان من المستحيل أن تجابه الجزائر والتي لم تأخذ بأسباب الثورة الصناعية الدول الأوروبية المصنعة ومعها قوة الو م أ الصاعدة .

وما جعل البحرية الجزائرية تواصل أعمالها البحرية في البحر المتوسط هو تضارب مصالح الدول الأوروبية فيما بينها وخاصة بريطانيا الدولة المصلحية والبراغماتية الكبرى ، والتي كانت كثيرا ما تحرض الجزائر وتغض الطرف عن أعمالها لتحقيق مصالحها التجارية . وفي مقابل انحصار دور البحرية الجزائرية في المتوسط فإننا نجد : " أن حركة القرصنة المسيحية قد عرفت أوج ازدهارها في نهاية القرن السابع عشر وبداية القرن الثامن عشر " 96 . ولكن الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا كانت دعايتها الكاذبة والزائفة تردد وبلا كلل أو ملل الحديث عن القرصنة الجزائرية وهذا بهدف إيجاد مبرر يتيح لها غزو الجزائر ، وهذا الغزو لا علاقة له بالقرصنة مما يضفي عليه الطابع الإنساني والحضاري . وإنما دوافعه وكما يعلم الجميع ذاتية مصلحية بحثة لصالح نظام شارل العاشر وديني صليبي لصالح البابا وأوهام عانقت السانسيمونيين واجتمعت كلها على هدف واحد ألا وهو اقتلاع الدولة الجزائرية من جذورها لتحقيق مصالحهم ولا شيء غير هذا .
 

بن امهيدي / الطارف / الجزائر


الهوامش :

 
01 أبو القاسم سعد الله أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر القسم الأول ط 2 الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر 1981 ص 28
02 زكي مبارك الجهاد البحري في الغرب الإسلامي المفهوم الإسلامي والمفهوم المسيحي مجلة البحث العلمي ، السنة الإحدى والثلاثون ع 45 جامعة محمد الخامس الرباط المغرب 1998 م  ص 24
03   نفس المرجع والصفة
04 صحيفة الوحدة مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع – اللاذقية العدد 8004 – 22 نيسان 2013 سورية
05 نفس المرجع
06 مقال البحرية الجزائرية خلال العهد العثماني على الرابط التالي : http://www.startimes.com/f.aspx?t=35193863
07 مذكرات القنصل الأمريكي وليام شالر قنصل أمريكا في الجزائر تعريب إسماعيل العربي الشركة الوطنية للنشر والتوزيع الجزائر 1982 ص 191
08 أحمد توفيق المدني حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر وإسبانيا 1492 – 1792 ط 3 المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1984 ص 72
09 عزيز سامح التر الأتراك العثمانيون في شمال إفريقيا ترجمة محمود على عامر الطبعة الأولى دار النهضة العربية للطباعة والنشر بيروت 1989 ص 177
10 وليم سبنسر الجزائر في عهد رياس البحر تعريب وتقديم عبد القادر زبادية دار القصبة للنشر الجزائر 2007 ص 98
11 أبو القاسم سعد الله تاريخ الجزائر الثقافي من القرن العاشر إلى الرابع عشر " 16 – 20 " الجزء الأول الطبعة الثانية المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1985 ص 136
12 وليم سبنسر الجزائر في عهد رياس البحر المرجع السابق ص 10
13 -  Moulay belhamissi histoire de la marine algerienne (1518 – 1830 ) 2é edition enal alger 1986 p 31
14 وولف ج .ب  ، الجزائر و أوروبا ترجمة سعدا لله أبو القاسم المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1986 ص – ص  23- 24  .
15 محمد بن مبارك الميلي تاريخ الجزائر في القديم والحديث ج 3 مكتبة النهضة الجزائرية الجزائر
ص 21
16 وليم سبنسر الجزائر في عهد رياس البحر المرجع السابق ص 35
17 موسوعة ويكبيديا
18 أحمد توفيق المدني المرجع السابق ص - ص 80 – 81
19 نفس المرجع ص 82
20 شوقي عطا الله الجمل المغرب العربي الكبير في العصر الحديث ( ليبيا – تونس – الجزائر – المغرب ) الطبعة الأولى مكتبة الانجلومصرية القاهرة 1977 ص 42
21 نفس المرجع ص 44 .
22 نفس المرجع ص 43
23 نفس المرجع ص 92
24 عباس فرحات الجزائر من المستعمرة إلى الإقليم الشباب الجزائري ترجمة أحمد منور منشورات وزارة الثقافة 2007 ص 21
25 Moulay belhamissi Opcit p 19
26 Ibid p 19
27 Ibidp 16
28 Ibid p 17
29 Ibid p 17
30 جمال قنان معاهدات الجزائر مع فرنسا 1619 – 1830 المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1987
ص ، ص 249 / 250
31 نفس المرجع ص 250 .
32 أبو القاسم سعد الله تاريخ الجزائر الثقافي المرجع السابق ص 135
33 نفس المرجع ص - ص 135 -  136
34 نفس المرجع ص 196
35 نفس المرجع ص 197
36 نفس المرجع ص -  ص 194 - 195
37 زياد أبو غنيمة صفحات مضيئة في تاريخ العثمانيين الأتراك الطبعة الأولى دار العرفان للنشر والتوزيع عمان 1983 ص 346
38 علي محمد الصلابي صفحات من التاريخ الإسلامي في الشمال الإفريقي الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ط 1 دار التوزيع والنشر الإسلامية مصر 2001 ص 295
39 عبد العزيز قايد المشرق العربي والمغرب العربي ط 1 دار الكتب الثقافية  صنعاء  1993 ص97
40 زياد أو غنيمة المرجع السابق ص 354
41 عبد العزيز قايد  المرجع السابق ص 97
42 زياد أبو غنيمة المرجع السابق ص 27
43 نفس المرجع ص 28
44 بسام العسلي خير الدين بربروس الطبعة الثالثة دار النفائس بيروت لبنان 1986 190
45 نفس المرجع ص - ص 189  - 190
46 كورين شوفاليه الثلاثون سنة الأولى لقيام دولة مدينة الجزائر 1510 – 1541 ت  جمال حمادنة  ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر 2007 ص
47 صفحات من التاريخ في شمال افريقيا 341
48  صفحات من التاريخ في شمال افريقيا ص 211 و 212
49 صفحات شمال افريقا ص 376
50 - Clement Varenne . La piraterie dans la Mediterranee antique : representations et insertion dans les structures economiques . Archeologie et Prehistoire . Universite Toulouse le Mirail – Toulouse II-2013 p 35
51 Moulay belhamissi Opcit p 17
52 ibid p 18
53  يوسف الثقفي د راسات متميزة في العلاقات بين الشرق والغرب على مر العصور دار الثقة الطبعة الثانية 1411 هـ ص58
54 عباس فرحات المرجع السابق ص 28
55 مذكرات القنصل الأمريكي وليام شالر المصدر السابق ص 58
56 زياد أبو غنيمة المرجع السابق ص 09
57 نفس المرجع ص 10
58 عزيز سامح التر الأتراك المرجع السابق ص 149
59 نفس المرجع ص - ص 149 – 150
60 عزيز سامح التر الأتراك المرجع السابق ص 33
61 أبو القاسم سعد الله تاريخ الجزائر الثقافي  المرجع السابق ص 165
62 محمد بن مبارك الميلي المرجع السابق ص 26
63 عزيز سامح التر الأتراك المرجع السابق ص 150
64 نفس المرجع ص 150
65 Moulay belhamissi Opcit p 20
66 ibid p 26
67 محمد بن مبارك الميلي ص 28
68 وليم سبنسر الجزائر في عهد رياس البحر المرجع السابق ص 33
69 أحمد توفيق المدني المرجع السابق ص 75
70 وليم سبنسر الجزائر في عهد رياس البحر المرجع السابق ص 33
71  يحي بوعزيز الموجز في تاريخ الجزائر  ط2 ديوان المطبوعات الجامعية الجزائر 2009 ج  2 ص 178
72 عزيز سامح التر المرجع السابق ص 391
73 عزيز سامح التر الأتراك المرجع السابق ص 186
74 زياد أو غنيمة المرجع السابق ص - ص 221 - 222
75 مذكرات القنصل الأمريكي وليام شالر المصدر السابق ص 137
76 نفس المصدر ص 63
77 نفس المصدر ص 137 .
78 نفس المصدر ص 132
79 وليم سبنسر الجزائر في عهد رياس البحر المرجع السابق ص 16
80 مذكرات القنصل الأمريكي وليام شالر المصدر السابق ص 185 .
81 وليم سبنسر الجزائر في عهد رياس البحر المرجع السابق ص 06
82 مذكرات القنصل الأمريكي وليام شالر المصدر السابق ص 323
83 نفس المصدر ص 103 .
84 مقال لأسطول الجزائري يشهد له التاريخ 1515-1827 على الرابط التالي :
http://almasaer.blogspot.com/2009/12/1515-1827.html
85 نفس المرجع
86 أبو القاسم سعد الله أبحاث وآراء المرجع السابق ص 81
87 مذكرات القنصل الأمريكي وليام شالر المصدر السابق ص 127
88 نفس المصدر ص 127 .
89 نفس المصدر ص ، ص 80 - 81
90 أبو القاسم سعد الله أبحاث وآراء المرجع السابق ص 81
91 مذكرات القنصل الأمريكي وليام شالر المصدر السابق ص 146
92 نفس المصدر ص 132 .
93 أبو القاسم سعد الله تاريخ الجزائر الثقافي المرجع السابق ص 141
94 نفس المرجع ص 135
95 أبو العيد دودو الجزائر في مؤلفات الرحالين الألمان 1830 – 1855 المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1989 ص 74
96 Moulay belhamissi Opcit p 19
المراجع :
01 - أبو القاسم سعد الله أبحاث وآراء في تاريخ الجزائر القسم الأول ط 2 الشركة الوطنية للنشر والتوزريع الجزائر 1981
02 - أبو القاسم سعد الله تاريخ الجزائر الثقافي من القرن العاشر إلى الرابع عشر " 16 – 20 " الجزء الأول الطبعة الثانية المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1985
03 - أبو العيد دودو الجزائر في مؤلفات الرحالين الألمان 1830 – 1855 المؤسسة الوطنية للكتاب الجزائر 1989
 
 
 

هناك 6 تعليقات:

  1. طويل جدا

    ردحذف
  2. يجب تلخيص
    طويل جدا

    ردحذف
  3. غير مفهوم وطويل

    ردحذف
  4. طويييل جدا يجب التلخيص

    ردحذف
  5. بارك الله فيك، مجهود طيب و شامل حول موضوع القرصنة

    ردحذف