بحيرة المتيجة العظيمة التي قضى عليها الفرنسيون

تبدو بقايا بحيرة حلولة المجففة أعلى اليمين على الصورة
 
 

بحيرة كانت في أوج امتدادها تتربع على خمسة عشر ألف هكتار غرب سهل المتيجة الخصيب.  كانت شواطئها تبعد بحوالي ثلاثة كيلومترات فقط عن وسط مدينة بورقيقة وحمر العين من جهة الجنوب وأربعة كيومترات عن وسط مدينة حجوط  من جهة الغرب.  كانت تتمدد شرقا إلى حدود مدينة الحطاطبة المعروفة اليوم وكان عمقها يصل إلى سبعة أمتار في حوضها الشمالي.  كانت غزيرة الأسماك، غنية بالحياة، تردها أنواع كثيرة من الطيور المائية وتغذيها مياه الأمطار والوديان المحلية مثل وادي جر عند فيضانه ووادي بورقيقة وكانت مرتفعات الساحل تفصلها وتعزلها عن البحر من جهة الشمال ولم يكن لها منفذ إليه.

ذكرها عالم الحفريات الفرنسي "مارشون" فقال : بحيرة حلولة كانت مشهورة في العهد الروماني إذ كانوا يقصدونها لاصطياد الفيلة الوحشية [التي كانت ترد ماءها].  وقد وجد في محيطها أدوات حجرية من صنع الإنسان النيوليتي أو الحجري المتأخر.

وذكرها الرسام الفرنسي فرومونتان الذي زارها سنة 1847م فقال أنه كان يقصدها ليصطاد البط المائي والحبار ذا العنق الأبيض وطائر الشنقب .. ويستمتع بالنظر إلى  البجع الأبيض والبلشون الرمادي.

تحصل الإسبان من السلطات الإستعمارية على رخصة صيد الأسماك فيها سنة 1853م إذ كانت غنية بسمك الشبوط.

وقد وصفتها الرحالة البريطانية ذات الأصل الإيرلندي "ميبل شارمان" حين زارت الجزائر حوالي سنة 1860م وكانت تنظر إليها من الأطلس البليدي فقالت : " [وفي الأفق] تسطع بحيرة حلولة بلون فضي بَرَّاق تحت الضريح الهرمي الموريتاني المسمى قبر الرومية الذي يتوج مرتفعات الساحل في الجهة المقابلة".


لماذا وكيف اختفت هذه البحيرة العملاقة التي عاصرت إنسان الحجر وحضارة الرومان؟


السياق السياسي في فرنسا الإستعمارية منتصف القرن التاسع عشر


أطاحت ثورة فبراير 1848م بالملك لويس فيليب وشكلت المجلس التأسيسي الذي أدار شؤون الجمهورية الثانية بفرنسا بعد ذلك.  إلا أن سيطرة المحافظين على المجلس أدت إلى انتفاضة ثانية في جوان من نفس السنة قادتها الطبقة العمالية.  كان من نتيجة ذلك أن قرر المجلس التأسيسي التخلص من هؤلاء "المشاغبين" بنفيهم إلى الجزائر.

ففي 19 سبتمبر من عام 1848م، أقر المجلس مرسوما لتوطين 12000 من الفرنسيين المبعدين في 42 مركزا فلاحيا سيتم إنشاؤه في الجزائر وإفادة كل مستوطن جديد من 2 إلى عشرة هكتارات من الأراضي الفلاحية الخصبة.  كما يتكفل الجيش ببناء المستوطنات للوافدين الجدد وإمدادهم بالغذاء والأنعام وأدوات الزراعة والبذور وما شابه ذلك.

وهكذا فقد عجلت فرنسا ببناء تلك المستوطنات، ففي سنة 1849م وحدها، تم بناء 21 مستوطنة في منطقة وهران و9 مستوطنات بقسنطينة و12 مستوطنة في سهل متيجة أنشئ خمس منها في المتيجة الشرقية ضواحي العاصمة وسبع في المتيجة الغربية مثل العفرون وحمر العين وبورقيقية ومارانقو (حجوط حاليا) وبلغ عدد المستقدَمين الجدد 13900 مستوطن أي أكثر من التوقعات.
 

مراحل تجفيف البحيرة

 
بدأ التفكير مبكرا في تجفيف البحيرة لاقتطاع الأراضي المجففة لفائدة المستوطنين الجدد وكان ذلك سنة 1849م.  فتم تحويل مجرى وادي بورقيقة كمرحلة أولى ثم وادي جر ليصب في وادي بورومي كمرحلة ثانية، ومع حلول سنة 1864م كانت مساحة البحيرة قد انحصرت ثلثين، كما وضعت الدراسات والمخططات لتوزيع الأراضي المجففة على الوافدين الجدد من الأوروبيين منذ سنة 1862م.

وبعد إنشاء مستوطنات وأحواش أوروبية جديدة أخرى بالمنطقة كالحطاطبة والقندوري ومونتيبيلّو (سيدي راشد حاليا)، ازدادت طلبات المستعمرين وكثرت العرائض المرفوعة إلى السلطات لتجفيف ما تبقى من البحيرة والتنازل عنها لصالح المستثمرات الفلاحية متذرعين بالأمراض التي يسببها بعوض البحيرة كالملاريا.  بعد أخذ ورد، أتت تلك الضغوطات أكلها، فقدمت السلطات الإستعمارية مشروعا لتجفيف البحيرة نهائيا بحفر قناة تمتد إلى البحر عبر نفق يمر تحت قبر الرومية وكان ذلك سنة 1888م وبدأت السلطات الإستعمارية بتنفيذه سنة 1907م لكن لم تنجح لعدم توفر التقنيات والتكنولوجيا اللازمة.
 
أعاد مستوطنو مونتيبيلّو والعفرون مطالباتهم بالتجفيف النهائي للبحيرة وأسسوا سنة 1923م نقابة للضغط على السلطات لتفعيل مشروع 1888م وحفر القناة، فتم ذلك سنة 1930م بعدما حفرت السلطات الإستعمارية نفقا يخترق مرتفعات الساحل تحت قبر الرومية ويفرغ مياه البحيرة في البحر فجفت البحيرة إلى الأبد بعد أن ظلت جزءا هاما من التوازن البيئي لسهل متيجة وشاهدا على حضاراته المتعاقبة لآلاف السنين.
 
 
 
بوابة الجزائر

هناك 3 تعليقات:

  1. سوف ننتقم من فرنسا يوم ما التى تنادي اليوم بحماية البيئة والتي دمرت مستقبلا و موردا سياحيا ضخما للجزائر يا فرنسا تريثي سوف يأتي يوم العقاب

    ردحذف
  2. تتاسف يقولو كان يكثر فيها المحار مياه العذبة

    ردحذف