وعادت رفات البواسل



سمير خلف الله، الطارف

بحر المتقارب

وعادت رفات البواسل

 وعــادت رفـات الأبـاة الـــبــواسـلْ          فـمَـرحى بمـن في الجـنـائـن رافـلْ
 ومرحى بـسـادات أهـلـي الأفـاضـلْ         ومَنْ عـنهـمُ الـمجـد ما كان مـائـلْ
 وحيّوا معي من بـروض الخـمـائـلْ          نـزيـلا وفـي غُـرَفِ الخُـلْـد عـاهــلْ
 بـأرضـي هُـداة كـنـور الـمــشاعــلْ         فــمَـن ذا بــدنـيــا الـبـرايـا يُـعــادلْ ؟
 ومن فـوقـهــم نـور خـلـد يُـعَــانــقْ          ومِـن تـحتهم نـور روض يُـساحـلْ
 بـعَـالــيــة الـفـخـر حـطّــتْ رواحـلْ        مِـن الـنـورتُـدْنـي لـخـيـر المَـنَازلْ
 وسرب ُ ُمن الـرُّوح زفَّ الـبـشـائـرْ         لمن في الفراديـس يـحـيا وصـائـلْ
 جـمـاجـم تــروى بُــطــولات ثـائــرْ        وتُـخْـبـِرُ عـمَّــا جَــرى مـن نـوازلْ
 وتُـخْـبِــرُ عـن قُـبْـح سيل الـمجازرْ         فـأفٍّ لـِمَـن عـن بــيــجــو يُــجـادلْ
 وتُـنْــبــأُ عــن جـأش قــوم أكــابــرْ         يَــرُدُّون كــيــد الـعِــدا والــغـوائـلْ
 زغـاريـد مـن مـلء كُـلّ الـحـنـاجـرْ        ومدحُ ُ يضاهي قـريض الـفـطـاحلْ
 لِـمَـنْ مـات يـومـا لأجـل الـجـزائــرْ        فـَمَـن لـلـقـصـائد فـي الأسْـد قـائـلْ ؟
 فـمِـنْ بـعـد خـيـل الأمـيـر المـجاهدْ         تــنــادت هــنـا أو هــنـاك مَــكَـاحِـلْ
 وبُــوبـغـلـة الـمـجـد خـطَّ الـملاحـمْ         وأقـبـر بـالـســيـف زيـفـا وبـاطـــلْ
 وشـدّتْ لـعـَــضْـدٍ بُـطـولات فـاطــمْ       وشـــدّتْ لأزْرٍ بــلاد الــــقــبــائـــلْ
 ومـا نـال مـنـه وعِــيـــد ُ ُلـغــاشــمْ        ومـا فَــتَّ بـأسُ الأعـادي لــكــاحلْ
 فَــهَــزّ فــــرنـســا دويُّ الـحـوافــرْ        فــمـا الحُـرُّ يـوم الـوقـيـعــة هـازلْ
 وهـا إنّـه بَــدوَ بـاريــس قــــاهـــرْ         برجم الحـصـون وسحــقِ المُـنَازلْ
 وجُــرْجُـرَة ُ ُمـعـــقــل ُ ُلـلـكــواسـرْ       ومــنــهـا الــشّـواظ ودكّ الــزّلازلْ
 ومــا نـال مـنـه صـهــيــل المَـدافعْ        ولا فــيــلــق ُ ُلـلـبُـغَـاة الأســـافـــلْ
 ورَنْـدُونَ ما نــال إلا الـــفــواجـــعْ        وأحـزان ثـكــلـى وعــضّ الأنـامــلْ
 بــذا هُـدهُـد ُ ُجـال بـين المحـافـــلْ         ومِـن قَــبْـلـه سِــرب ريــمٍ وزاجــلْ
 لـشـيـخ الزّعــاطــشـة الـذّكــر آثـلْ        ومـا كـان بـــيـن الخـلائـق خــامـلْ
 وبـيـن ربـوع الـفـراديــس سـائـحْ          ومِـنْ قــبــلـهـا بـاب ريّـانَ غـــازلْ
 وفي الأرض غـنـَّـتْ طيور الـبلابلْ       وهامتْ شموس الضُّحى والأصائلْ
 أمَا عاش يَـفْـري صفـوف الكـتائبْ        وفـي ساحةٍ لـلوغى الـبَـنْـد حـامـلْ
 ومَا مِنْ مُـنَى غـيـر أرض الجزائـرْ       ولــو بِـرُبَـى لـُـؤْلـُـؤٍ لــن يُـــبَــادلْ
 لـهـا العُمر وقْـف ُ ُوما من مُـزاحِـمْ        ومـا دونـها في الـرُّؤى يَـتــضـاءلْ
 وبـِـرّا بــهـا بـِــرُّ يـحـي وفــاضـــلْ       ومِـنْ شـرِّ عـاقٍ لـهـا الـيـدّ غاسـلْ
 وفـرض ُ ُهـواهـا أيـا مـن يُـســائلْ         ومـا كان في الـقـلب صِـنْوَ النَّوافلْ
 خُـذي يـا فــرنــسا أراجـيـف واهمْ         وعَــنّي زخــارف قــول المُـخَـاتـلْ
 وبـيـني وبـيـنـك سـيـف الـمُـجـالـدْ         وعـَـهْـُد الـقِــلَـى لا مَـحـالـة زائـلْ
 وهــيـهـات يَـفْـلـحُ كـيـد الحـبــائـلْ         ويُـثـْمِـرُ في الأهل فـضـلا وطـائـلْ
 لـكَ الـذكـر وارى لـذكر ابـن وائــلْ       وفــيـنـا دروب خـطـى كـلّ سـابــلْ
 ومـا لِـنْـتَ والــسّــام نـحـوك قـادمْ         وطـيـر الـرَّدى لـلـمـنـايـا مُـنَــاولْ
 أمـــوتُ وأبـلـى لأجــل الــجــزائـرْ        وسـاح الـمُـنـون لـنـعـم الـمَـنَـاهِـلْ
 فـفـي حـتـفـنـا عــزُّها والــمـفـاخـرْ         ولا عــاش مـن لــلأمـــانــة خـاذلْ
 لـكَ الخيل والسيف خـير مُـصاحـبْ        تُـضاهي لوحـدك سـيـل الـجـحـافـلْ
 وكــلُّ الــذى فــــيـك تـام ُ ُوكــامــلْ        ومـا كـنـتَ كالخائــنــيـن العَـواطـلْ
 وتـَبْـطِـشُ بَـطـْش أسـود الـقـواحلْ          ومـــثــلـكَ بـيـن الـرّجــال قــلائـــلْ
 وحُـزْتَ حـَـمَــيّـة كــلّ الــفـــوارسْ        وفي ساحة الحـرب ما كـنتَ عَـائـلْ
 وموسى يُـعـاضد جـيـش الأشاوسْ         وشـعــبـيَ بـالـحـمـد مـا كان باخـلْ
 فـشكـرا لـضُـمْـياط فـالـقـلب عَـابقْ         بـذكرى لمـوسى وما مـن مُـطـاولْ
 وشَـاويّــة الـعـِـزِّ أسْـد ُ ُضــراغــمْ          لهـم سهـم رعدٍ ظـهـور الـرّواحـلْ
 يُـذيـقـون جـيـش الغُـزاة الفـواجـرْ           جِـمَـارا لــلـظـى ونــار الــمـراجـلْ
 كأجــنـاد بَـدْرٍ بِــوَاحِ الــزَّعَــاطِـشْ         وسِـجـّـِيـل سـيل العَـوارض هـاطـلْ
 وإنّـي لأغــبـط تـلــك الــسّــواعــدْ          على حـمـلها مَـنْ لنا خـيـر شاغــلْ
 وطُـوبى لـهـا لـمس تلك الجـماجـمْ          فـهـذا الــذي كـنــتُ أرجــو وآمـــلْ
 بـقـلـبي لـهـا مـا بـمُهـجـة عـاشـقْ           قـطـيـن ُ ُومـا كـان يــومـا بــراحـلْ
 ومـا أعـذب الــدّاء داء ُ ُوعـاضــلْ          يَـحُـوز عُـرَى مُهـجـتي والمفاصلْ
 يُـجـَـمِّـلُ بـيــت الـقـصــيــد أسـاورْ         جــــدائـــلُ قــافــيــةٍ وخــــلائـــــلْ
 تَــحَـلَّـتْ بـهـا رابـيـات الـجــزائـــرْ        فـعــنّي الذي ما حـوى طـيف وابـلْ
 ودمع العيون جرى فـي المـحـاجـرْ         لـهـول الــذي جـاء جــانٍ وقـــاتــلْ
 ومـا ذنـب أهـلي سـوى صدّ ظـالـمْ          وتـحـطـيـم أغــلال قــيـد الـسلاسلْ
 فـرنـسا بـوجــدانـــنـا الجرح غائـرْ         وبـيــن الـضّـلـوع مـقـيـم ُ ُومـاثــلْ
 وهـيـهـات يُـمْحَى بـسير الحـوادثْ          فـمـا جـئـتِ مـا كـان يـومـا بــزائـلْ
 حصدّتِ الـرؤوس كـحقل السَّـنـابلْ         فـويـل مـتـى اشـتّـد عُـوْد الفَـسائـلْ
 سَـيُـقــبــرُ بـارود نـار الـــبـنـــادقْ          زُيُـوفــا لــشَــارلَ وأنْــصَــاب نـائلْ
 وهـيـهـات نـسـيـان تلك الـفـظـائـعْ          ومـا حـاق بـالأهــل أو بـالـعــقـائـلْ
 ومـا كــنـتُ عــمَّـا أتـيـتِ بـغــافــلْ         ولــسـتُ بـتـلــك الـقــذارات جـاهـلْ
 فـما بـيـنـنـا مـن عـتـاب الـمُـؤاخـذْ          ومــا بــيـــنــنـا مـن مَـلامٍ لــعـــاذلْ
 فـمـا جـئـتِ غـيـر شـنـيـع القـبـائحْ          ومـا فـي الـذي جـئـتـه من شـمائلْ
 ومـا لـمَـمَـا جـئــتِ بـعــد الـكـبــائرْ         وكـلُّ الـذي جـئــتِ سـقـط الـرّذائـلْ
 وكـلُّ صـــنـــيـــعـــكِ إجــرام آثـــمْ         ولــلـجـــرم بــنـــيــانـه يــتــطــاولْ
 فـعـنّـي اعـتــذار الكـذوب المخادعْ          وأنّـى لــه مَـحْــو تــلــك الـبَــوَاطِـل
 ومـا بـيـنـنـا يـا فــرنـســا لَـوَاعِــجْ           وحــبـل الـمــودة مـا كـنــتُ واصـلْ
 فـما كـان مــنــكِ يُـجـافـي الـمـآثــرْ          ويُـــذهِـــبُ لُـــبَّ حــلـيــمٍ وعــاقــلْ

حملة محمد علي باشا على الجزائر


حملة محمد علي على الجزائر





من هو محمد علي باشا؟ 


محمد علي باشا، هو مؤسس الأسرة العلوية وحاكم مصر ما بين عامي 1805 إلى 1848م، ويشيع وصفه بأنه "مؤسس مصر الحديثة" وهي مقولة كان هو نفسه أول من روج لها واستمرت بعده بشكل منظم وملفت. استطاع أن يعتلي عرش مصر عام 1805م بعد أن بايعه أعيان البلاد ليكون واليًا عليها، بعد أن ثار الشعب على سلفه خورشيد باشا، ومكّنه ذكاؤه واستغلاله للظروف المحيطة به من أن يستمر في حكم مصر لكل تلك الفترة وأن يجعل الحكم وراثيا بعده، ليكسر بذلك العادة العثمانية التي كانت لا تترك واليًا على مصر لأكثر من عامين. 


مشروع حملة محمد علي على الجزائر 


كان القنصل الفرنسي في مصر، دروفيتي، على علم بأطماع محمد علي التوسعية في الشام، فأراد أن يصرف نظره تجاه المغرب وأقنعه بتجسيد نواياه هناك. فكتب دروفيتي إلى رئيس وزراء فرنسا آنذاك دي بولينياك يبشره بقبول محمد علي الفكرة ويمتدح الجيش المصري الذي كان قد تمكن من إخضاع السودان والحجاز. 

قَبِل دو بولينياك الإقتراح لكنه رأى أن يخبر الباب العالي أولا، فأرسلت الخارجية الفرنسية مذكرة إلى سفيرها في الأستانة ليفاتح العثمانيين بالأمر، فكان مما جاء فيها : 

"إن داي الجزائر أهان الملك، فاعتزم الملك أن يثأر لشرفه. وليس في نية جلالته أن يطلع الباب العالي على الوسائل التي سيلجأ إليها، بل يكتفي بأن يقول أن واجبه يقضي بأن يصون رعاياه (الفرنسيين) عن الأخطار التي تهددهم في هذا الجزء من الإمبراطورية، ويضمن لهم الأمن. ولكنه رغبة في المحافظة على الصداقة القديمة القائمة بين فرنسا وتركيا.. يود لو أن السلطان يقوم بنفسه، وبوسائله الخاصة، بتأديب عامل لا شك أنه لا يرضى قط بمروقه عن الأدب واللياقة. وإذا شاء السلطان أن يؤدب هذا العامل المارق، فإن له في القوة العسكرية التي يمتلكها باشا مصر ما يضمن تنفيذ إرادته. ووضع هذه المهمة في عنق محمد علي تُبعِد به جيشه عن بلاد عربية (الشام) ما انفك يفكر في بسط سيادته عليها. وما على السلطان إلا أن يُصدر فرمانا يأمر محمد علي بالإستيلاء على الإيالات الثلاث : طرابلس وتونس والجزائر وإقامة حكم جديد فيها يضمن الأمن والإستقرار". 

وفي نفس الوقت أخذ دي بولينياك يفاوض من خلال قنصله في مصر، محمد علي بشأن الحملة العسكرية، ووضع اتفاق يتعهد فيه بأن يقوم بالحملة بنفسه وبجنوده، على أن تقدم له فرنسا قرضا قيمته عشرة ملايين فرنك تُدفع مقسطة خلال الحملة، على أن يعيد تسديده في عشر سنوات، كما تقوم فرنسا بتشديد الحصار البحري على الإيالات الثلاث خلال الحملة. 

وقد قبل محمد علي هته الشروط، لكنه طلب أن تزوده فرنسا مجّانا بأربع سفن حربية كبيرة مجهزة بأربعين مدفعا لكل منها، وأن تقرضه واحدا وعشرين مليون فرنك يسددها في أربع سنوات ابتداء من أول يوم يحتل فيه الجزائر. وأن تتعهد فرنسا بتقديم الضباط والخبراء في المدفعية والهندسة والسلاح والعتاد لابنه إبراهيم باشا إذا احتاج لذلك والذي سيقود الحملة، وأن يتعهد ملك فرنسا بحل كل خلاف ينشأ بين محمد علي وبين الدول الأخرى، وبحماية مصر من كل اعتداء محتمل عليها. 

وفي مقابل ذلك يتعهد محمد علي بأن يقيم في إفريقيا الشمالية حكومة تمنح امتيازات اقتصادية لفرنسا، وأن يقضي على "القراصنة"، وأن يدفع لخزانة السلطان ما يدفعه لها عن مصر.  وقد وافقت كل من روسيا وبروسيا على خطة فرنسا بينما أبدت النمسا بعض التحفظات. 

إلا أن فرنسا لم توافق على إمداد محمد علي بالسفن التي طلبها، كما حذرت بريطانيا الدولة العثمانية من خطورة الحملة وطموحات محمد علي التوسعية، فرفض السلطان محمود الثاني الموافقة على المقترح الفرنسي، واكتفى بأن وعد بإرسال طاهر باشا إلى الجزائر لحمل الداي على الإعتذار، فهدد السفير الفرنسي بأن تقوم فرنسا بالحملة وحدها. 

فعند ذلك اتخذ مجلس الوزراء الفرنسي في 30 جانفي 1830م، قراره بأن تغزو فرنسا الجزائر بنفسها.



بنو مرين في الجزائر

بنو مرين في الجزائر




أصل بني مرين 

بنو مرين بطن من قبيلة زناتة، مثلهم مثل بني عبد الواد ملوك تلمسان الزيانيين. إستوطنوا منطقة الزاب نواحي بسكرة في الجزائر (أصل منشئهم هو منطقة جبل إيكجان التابعة لولاية سطيف، دائرة بني عزيز، اليوم) إلى أن أزاحهم عنها بنو هلال فهاجروا إلى سهول وهران بالغرب الجزائري. وبعد انهزامهم أمام الموحدين فروا إلى الصحراء ثم دخلوا المغرب الأقصى سنة 610ه واستولوا عليه بعد القضاء على حكم الموحدين واتخذوا من فاس عاصمة لهم.

بنو مرين وبنو عبد الواد 

لكن رغم اشتراكهم في الأصل، فقد تعددت الخلافات والحروب بين بني مرين وبني عبد الواد، فاستولى بنو مرين على ندرومة سنة 698ه ثم هنين في السنة الموالية، ثم وهران ومستغانم ومزغران وتنس وبرشك (قوراية) وشرشال ومليانة ومازونة سنة 700ه ثم المدية سنة 703ه، كما استولوا على مدينة الجزائر وبجاية سنة 736ه. 

لم يسجل التاريخ لبني مرين في الجزائر سوى الحروب والدمار، وما شيدوه بها لا يعدو بعض المنشآت لأغراض عسكرية كمحلة المنصورة التي بُنيت قصد إخضاع تلمسان. ولهذا فإنهم لم يتمكنوا من المكوث طويلا في الجزائر، فطُردوا من تلمسان بعد سبع سنوات من إستيلائهم عليها، وثماني سنوات من استيلائهم على بجاية وثلاث سنوات من دخولهم بونة وقسنطينة. 

نهاية مشؤومة 

عاد بنو مرين إلى مهاجمة بني عبد الواد، فاستولوا على تلمسان سنة 771ه وأقاموا بها حتى سنة 774 هجرية، 1372 للميلاد. فكان القرن الثامن الهجري قرن حروب وتطاحن بين أخوين في النسب والدين تحركهما الندية والأطماع، فكانت عاقبة أمرَيْهما خُسرا والأسوء من ذلك أن هذا الإستنزاف أتاح استقواء الإسبان وعجَّل سقوط ما كان تبقىّ من الأندلس.

ثورة الشريف بوشوشة

الشريف بوشوشة






من هو الشريف بوشوشة؟ 

هو محمد بن التومي بن إبراهيم الملقب ب بوشوشة. ولد بمنطقة الغيشة بالقرب مـن آفلو سنة 1826 أو 1827م حسبما ذهب إليه المؤرخ يحي بوعزيز. سجنته السلطات الإستعمارية ظُلما سنة 1862م لمدة عام بسجن بوخنيفيس بسيدي بلعباس. لكن هذا الإجراء التعسفي زاد من سمعته فأصبح لدية أتباع أخذوا يلتفُّون حوله. 


مراحل ثورة بوشوشة 

مرحلة التحضير : 1863-1869م 

بعد خروج بوشوشة من السجن بدأ التحضير للثورة حيث اتصل بثوار أولاد سيدي الشيخ الذين تقربوا منه وحاولو منحه قيادة نصف جيشهم ولكنه رفض. ثم رحل إلى طرابلس الغـرب سنة 1864م ربما لجمع السلاح والمال أو أخذ التزكية من الطريقة السنوسية التي كان ينتمي إليها. وعند عودته إلى الجزائر، زار عدة مناطق كورقلة ووادي ريغ والأغواط وتوات، كما اتصل بعدة قبائل مثل الشعانبة والمخادمة وبني ثور. وفي عين صالح، بايعه الشعانبة زعيما للثورة على فرنسا. 

مرحلة الإنتصارات : 1870-1872م 

بعد المبايعة، أعلن بوشوشة الثورة وتحرك باتجاه المنيعة ودخلها في أفريل 1870م بعد أن قبض علـى القائد جعفر، المعيَّن من طرف فرنسا . وفي الخامس من مايو وصل نواحي متليلي التي لم يقاومه أهلها، فغادرها عائدا إلى سبسب حيث لحقت به كوكبة من قوم الأرباع تحت قيادة قائـد مخـزن الأغواط، لخضر بن محمد، فاستطاع الثوار الإنتصار عليها يوم 11 مايو. بعد هـذا التحـرك السريع، عاد بوشوشة إلى عين صالح التي مكث بها عشرة أشهر دون نشاط عسكري يُذكر : من مايو 1870 إلى مارس 1871م. 

وخلال هذه الفترة، أرسل جماعة من سكان ورقلة رسالة إلى الثوار جاء فيها: "..لا تبقوا يوما واحـدا، أقـدموا بخيامكم، أحضروا بوشوشة معكم، لم يبق فرنسي واحد، لا أحد يحكم، إلا قيادنا يعاملونا بظلم، تعالوا لتخلصونا". فعزم على دخولها وجمع أتباعه وخطب فيهم خطبة حماسية أكد فيها أن ساعة الخلاص قد حانت ومن جملة ما قـال: "..إن كنتم ترغبون فقط في السلب والنهب فلست منكم، وأما إذا عاهدتموني على أن تعطوني السيادة على ورقلة فاني أقبل قيادتكم، شريطة معاهدتي على الصبر حتى النصر أو الشهادة." سار بوشوشة إلى ورقلة فدخلها يوم 6 مارس 1871م وعيَّن عليها بن ناصر بن شهرة. وفي 8 مارس اتجه صوب غمار ودخلها عُنوة. ثم سار إلى تقرت التي شكى أهلها ظلم عمال فرنسا عليها ،عائلتي علي باي وبوعكاز، فدخلها في 13 مايو. 

مرحلة التقهقر والنهاية : 1872-1874م 

بدأت هذه المرحلة مع قدوم الجنرال الفرنسي دوُلاكروَا إلى ورقلة يوم 5 جانفي 1872م حيث انتقم من أهلها ونكل بقادة المقاومة وأحرق ديار وبساتين عرش بني سيسن الذين اصطفوا سابقا مع الثوار. 

وبعد ذلك تعقبت قوة فرنسية بقيادة العقيد قُومْ، ثوار بوشوشة واشتبكت معهم عند المكان المسمى حاسي تمسقيدة يوم 9 جانفي، فأحرقوا سمالته وسبوا النساء والذراري واستُشهد عدد من الثوار من بينهم حفيد لبن ناصر بن شُهرة. بعد هذه الواقعة، تشتت شمل الشريف بوشوشة، فغادر بن ناصر بن شُهرة إلى تونس مع أتباعه، وانزوى الشعانبة إلى العين الطيبة جنوبا، وبقية أخرى انحصرت نحو عين صالح. 

أما بوشوشة فلم ييأس، فبعد أن استجمع قواه، اتجه إلى توات وكرزاز، وتنقَّل بين البيَّض والأغواط والمنيعة محاولا إعادة تنظيم الجهاد. لكن عند محاولة الإقتراب من ورقلة، تصدى له السعيد بن ادريس أخ آغا ورقلة المُنصب من طرف فرنسا، وهزمه في جويلية 1873م فاحتمى بالجنوب وانقطع حتى مارس 1874م لكنه انهزم مجددا في معركة ملوك قرب عين صالح. 

اقتيد بوشوشة بعد المعركة أسيرا إلى ورقلة ثم إلى الجزائر قبل أن ينتهي به الأمر في محكمة قسنطينة أمام المجلس العسكري الذي حكم عليه بالإعدام، فنُفِّذ فيه يوم 29 جوان 1875م. رحمه الله وكتبه في الشهداء.

الإنتاج الزراعي : الجزائر الأولى مغاربيا


الإنتاج الزراعي :  الجزائر الأولى مغاربيا




حسب أرقام البنك الدولي فقد بلغ الإنتاج الزراعي الجزائري 20،8 مليار دولار سنة 2018م. ويعادل إنتاج الجزائر سنة 2018 إنتاجها سنة 2013 ويقل عن إنتاج 2014 والذي بلغ 22 مليار دولار. لكن تجدر الإشارة إلى أن الإنتاج الفلاحي الجزائري اليوم يفوق أربعة أضعاف ما كان عليه بداية الألفية إذ لم يتجاوز سنة 2000م 4،6 مليار دولار. وقد حلت الجزائر في المرتبة الثانية بعد مصر عربيا والتي بلغت قيمة إنتاجها الزراعي 28،16 مليار دولار.

مغاربيا فقد تقدمت الجزائر على كل من مملكة المغرب التي بلغت قيمة إنتاجها الزراعي 14،4 مليار دولار وتونس ب4،1 مليار دولار ثم موريتانيا ب1،3 مليار دولار.

وعربيا فقد حلت السعودية في المركز الثالث بإنتاج قيمته 17،5 مليار دولار تليها المملكة المغربية ثم السودان بما قيمته 12،8 مليار دولار. وقد بلغ إنتاج الدول العربية مجتمعة ما قيمته 128،4 مليار دولار لنفس السنة.

أما إفريقِيًّا فقد تقدمت على الجزائر، إلى جانب مصر، كٌّل من نيجريا ب 84،2 مليار دولار وكينيا ب 30 مليار دولار ثم إثيوبيا ب 26،3 مليار دولار.



بوابة الجزائر


عائشة، أديبة بجاية

عائشة، أديبة بجاية



عائشة، أديبة بجاية

يورد الغبريني قصة امرأة أديبة أريبة، فصيحة لبيبة، شريفة، من ساكنات مدينة بجاية في القرن السادس الهجري، الثاني عشر الميلادي.  ويذكر أنها كتبت بخط يدها ثمانية عشر سفرا من كتاب الثعالبي لم يُر أحسن منه ولا أصح.

من هو والدها؟

يقول الغبريني :

"هو الفقيه أبو الطاهر عمارة بن يحيى بن عمارة الشريف الحسني، لعلمه وشرفه، هكذا وجدته من خط يده رحمه الله، يكني أبا الطاهر، له علم وأدب وفضل ونبل، قضى في بعض النواحي ببجاية. كان متقدما في علم العربية والأدب، وله تأليف في علم الفرائض منظوم، وتواشيحه في نهاية الحسن وبها يضرب المثل، وكثيرا ما يقول الناس عندما يشطط الإنسان على الإنسان في الطلب فيجاوبه وأغني لك موشحا لعمارة.  وقد ذكر لي أن شعره قد جمع في ديوان، ولكني ما اطلعت عليه وقد رأيت بعض قطع مستحسنة من شعره."

مناقب عائشة كما ذكرها الغبريني :

وكانت له رحمه الله ابنة تسمى عائشة كانت أديبة أريبة، فصيحة لبيبة، وكان لها خط حسن، رأيت كتاب الثعالبي بخطها في ثمانية عشر جزءا، وفي خاتمة كل سفر منه قطعة من الشعر من نظم والدها رحمه الله، إذا ختم السفر وتم التأريخ يكتب بخط يده، وقال عمارة بن يحيى بن عمارة الشريف الحسني، وتكتب ابنته القطعة بخطها، وهي نسخة عتيقة ما رأيت أحسن  منها ولا أصح، ولقد رأيت منه نسخا كثيرة منتقدة إلا هذه النسخة، ولقد يجب أن تكون هذه النسخة أصلا لهذا الكتاب حيث كان، ويقع التصحيح منها، وهذه النسخة من جملة الخزانة السلطانية ببجاية أبقاها الله وحفظها، ومن الغريب أني رأيت هذا الكتاب في سفر واحد، رأيته بحاضرة قسنطينة عند أمام جامع قصبتها المحروسة وهو المعروف بابن الغازي، وأكثر ما رأيته في ثمانية عشر سفرا وأقل ما رأيته في سفر، وهو بخط بين لا بأس به. ومن شعر الشريفة عائشة رحمها الله:

أخذوا قلبي وساروا … واشتياقي أودعوني
لا عدا أن لم يعودوا … فاعذروني أو دعوني

ويقال أنها بعثت بهما إلى ابن الفكون شاعر وقته، وقالت عارضهما أو زد عليهما، فكتب لها معتذرا عن الجواب، أن الاقتصار عليهما هو الصواب. ولها أيضا.

صدني عن حلاوة التشييع … اجتنابي مرارة التوديع
لم يقم خير ذا بوحشة هذا … فرأيت الصواب ترك الجميع

ولها رحمها الله ظرائف أخبار، ومستحسنات أشعار، لكن هذا الموضع لم يقصد به هذا المعنى فيقع منه الإكثار، وإنما المقصود منه صورة التعريف بالرجال [ذكرها في سياق ترجمته لوالدها]، وذكر بعض شواهد الحال.

جزائر بومدين من خلال نظرة دبلوماسي أردني






كان الوضع في الجزائر التي قضيت فيها نحو سنتين قائماً بأعمال السفارة الأردنية مختلفاً عما كان عليه في تونس. فقد جئت إلى الجزائر بعد مرور سنة على الانقلاب العسكري الذي قام به قائد جيش التحرير الوطني هواري بومدين، وأطاح بالرئيس الجزائري أحمد بن بلة وبحكومته. 

وكانت الحالة غير مستقرة. وكنت أتلقى منشورات سرية بالبريد العادي أو توزع باليد على صناديق البريد في السفارات المعتمدة في الجزائر، تدين بومدين وفريقه الحاكم المؤلف من أحمد مدغري وزير الداخلية، وعبد العزيز بوتفليقة وزير الخارجية، وشريف بلقاسم ومحمد شريف مساعديه المسؤولين عن جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وقايد أحمد وزير المالية، والعقيد طاهر الزبيري قائد الجيش. 

وكانت البلاد تحكم حكماً فردياً مطلقاً ويسيطر الجيش على مقدراتها. أما الحزب الوحيد الحاكم في البلاد، حزب جبهة التحرير الوطني، فلم يكن مسيطراً سيطرة تامة على مؤسسات الدولة وأجهزتها، كما كانت الحال في تونس. وكان الصراع على السلطة في الجزائر ما زال قائماً، ولذا قام طاهر الزبيري بمحاولته الانقلابية العسكرية في صيف 1967 التي منيت بالفشل. ومنذئذ تمكن بومدين من فرض سيطرته على الدولة وأجهزتها ورسخ سلطته في البلاد حتى وفاته بعد ما يربو على أثني عشر عاماً. 

ومن محاسن حكم بومدين توفير الاستقرار والأمن في البلاد اللذين مهدا للتنمية الاقتصادية واستعادة الدولة لملكية النفط والغاز الجزائريين من الشركات الفرنسية، وتوزيع الأراضي على الفلاحين. كما تم تعريب التعليم العام والعالي في معظمه، وتعريب المعاملات والإجراء في مختلف مؤسسات الدولة وأجهزتها. والشعب الجزائري معروف بطيبته وبساطته ووطنيته واستعداده للتضحية دفاعاً عن هويته العربية الإسلامية وكرامته الإنسانية. والإنسان الجزائري حساس وحذر وكتوم، قلما ينفتح على الغرباء، وأعتقد أن ذلك يعود إلى ما عاناه من ظلم وقمع واضطهاد على يد المستعمرين الفرنسيين، وإلى ممارسة الكتمان والتصرف بحذر شديد طوال سنوات الثورة الجزائرية وما صاحبها من قتل وتشريد وتعذيب. وبسبب هذا الوضع كانت صلاتي مع الأخوة الجزائريين محدودة، وقلما تناولت مع صديق جزائري الوضع الداخلي في الجزائر في حديثي معه. وكنت أحصل على معلوماتي عن أحوال البلاد من المشاهدة الشخصية ومن أصدقائي في السفارات المعتمدة في الجزائر، وهم كثر. وكثيراً ما كنا نقضي ساعات في تحليل الوضع الداخلي في البلاد. 



---------------------------------------------------------- 

من "ذاكرة الأيام" ل علي مفلح محافظة، القائم بالأعمال الأردني بين سنتي 1966-67 بالجزائر.


أوضاع الجزائر الثقافية والتعليمية قُبَيل الثورة التحريرية

مدرسة كولونيالية للذكور بالجزائر




في المجال الثقافي، فإن الثورة قد اندلعت عندما كان الاستعمار قد انتهى تقريباً من مهمته الأساسية، الخاصة بالمسخ والتشويه والتجهيل


ففي السنوات الأولى من الاحتلال وبالتوازي مع ما كان به من نهب للثروات الوطنية واستيلاء على الأراضي الخصبة الشاسعة، يوزعها على الكولون الجدد وعلى المؤسسات الاستعمارية المختلفة، راح يوظف كل ما لديه من قوة، ظاهرة أو باطنة، للقضاء على مصادر الثقافة الوطنية. فهدم كثيراً من المساجد، وحول أعداداً كثيرة منها إلى كنائس أو ثكنات أومستوصفات وحتى إلى ملاهي لأجناده وماخورات عمومية. وفي نفس السياق وجه ضربات قاسية للمثقفين الجزائريين فقتل من قتل ونفى من نفى وزج في السجون بمن شاء وظل يطارد ويضطهد كل من بقي طليقاً قصد منعه من القيام بواجبه نحو المجتمع وبذلك صارت الإحصائيات تشير قبل اندلاع ثورة نوفمبر إلى أن حوالي 19% فقط، من الجزائريين متعلمون، يدخل في هذه النسبة المئوية من يحسن القراءة والكتابة سواء بالعربية أو بالفرنسية، وكانت جامعة الجزائر التي تعد، نظرياً، من أكبر جامعات فرنسا تجمع في مدرجاتها حوالي ستة آلاف طالب، لا يزيد عدد الجزائريين منهم عن خمسمائة طالب، معظمهم من أبناء الطبقات التي صنعها الاستعمار لخدمة مصالحه. 

ولكن ماذكرنا، أعلاه ليس هو وجهة نظر المؤرخين الغربيين الذين على غرار السيد هورن يشيدون بما حققته فرنسا، في الجزائر، من منجزات تتمثل في: "شبكة الطرقات والسكك الحديدية والمطارات والمدن الكبرى والمواني، إلى جانب الغاز والكهرباء والمواصلات السلكية واللاسلكية والمنشآت الصحية والخدمات الطبية المتعددة" والحقيقة، أن ذلك ليس مجرد ادعاء، لقد أنجزت فرنسا، ولا يمكن للمؤرخ النزيه أن ينكر ذلك، لكن كل الإنجازات كانت موجهة لخدمة مصالح الأوربيين. وحيث لا وجود للمستعمر، فإن تلك الإنجازات لم تصل ولم تتحقق. 

ففي مجال التعليم الابتدائي، مثلاً، نجد أن الأطفال الفرنسيين الذين هم في سن الدراسة كلهم يقبلون في المدارس التي تطبق البرامج السارية المفعول في "الوطن الأم"، وبواسطة معلمين أكفاء تعطى لهم كافة الوسائل الضرورية لأداء رسالتهم على أحسن وجه. أما الأطفال الجزائريون، فإن المصادر المتزمتة نفسها تذكر بأنهم عندما يبلغون سن الدراسة، لا يجدون سوى مقعد واحد لكل خمسة ذكور، ومقعد آخر لعدد يتراوح ما بين ست عشرة وست وسبعين فتاة، معنى ذلك أن طفلين جزائريين فقط من جملة حوالي ثلاثين كان يمكن لهما أن يدخلا المدرسة في سنة 1954، الأمر الذي يسمح لنا أن نؤكد بأن حوالي 7% فقط من أبناء الجزائر كانت لهم فرصة التعليم، أضف إلى ذلك نسب الفشل والعجز عن مواصلة الدراسة نتيجة الفقر والاحتجاج خاصة. 

و لم تكتف السلطات الاستعمارية بسد أبواب التعليم الفرنسي في وجه الجزائريين، بل إنها بذلت كل ما في وسعها لمحاربة اللغة العربية سواء في المدارس أو في الكتاتيب. 

ولقد نجحت في ذلك إلى أقصى الحدود حتى إن الجزائر التي كانت قبل الاحتلال، توفر لكافة أبنائها جميع الشروط اللازمة للحصول على نصيبهم في العلم والمعرفة، قد أصبح شعبها أمياً بنسبة حوالي ثمانين بالمائة سنة اندلاع الثورة. 

وهكذا، فبقدر ما كانت الجالية الأوربية تستفيد من بناء المدارس ونشر المعرفة، كان الجزائريون يعانون من سياسة التجهيل التي نجح الاستعمار نجاحاً باهراً في تطبيقها على سائر الفئات الاجتماعية. 

إن الإحصائيات الرسمية تنص بكل بساطة على أن الجزائر كانت سنة 1944 تشتمل على 6.500 قسم مدرسي في الابتدائي نصيب المسلمين منها حوالي 1000 لاستقبال 108.000 تلميذ أي بمعدل 108مدرس للقسم الواحد. 

و في المقابل فإن عدد التلاميذ الأوربيين قد بلغ بالنسبة لنفس السنة 118000 موزعة على 5.500 قسم أي بمعدل 22 مدرساً للقسم الواحد. 

أما في التعليم الثانوي، فإن عدد التلاميذ الجزائريين سنة 1951 لم يكن يمثل سوى 6و11% من مجموع المسجلين في الثانويات. وفي سنة 1954 بلغ عدد الثانويين الجزائريين 6.260 من جملة 35.000 تلميذ، علماً بأن عدد السكان الأوربيين كان في ذلك الوقت أقل من عشر العدد الإجمالي للسكان. 

وفي التعليم العالي، كان عدد الطلبة الجزائريين سنة 1948 لا يزيد عن 6 من بين حوالي600 أوربي. ومع اندلاع الثورة ارتفع ذلك العدد ليصل إلى 589 طالباً من بينهم 51 طالبة. أما الطلبة الأوربيون فقد كان عددهم 7800. 

إن هذه الاحصائيات لا تكون كاملة إلا إذا أضفنا لها عدد الأطفال الجزائريين الذين كانوا يتعلمون بالمدارس الحرة والكتاتيب والتي كانت تستقبل منهم سنة 1954 حوالي 200.000 تلميذ. أما جامعات الزيتونة في تونس والقرويين في المغرب الأقصى والأزهر في مصر فإن عدد الطلبة الجزائريين بها في تلك السنة قد يكون وصل إلى 1270 رحلوا إليها من مختلف جهات الوطن.


أوضاع الجزائر الصناعية قُبَيل الثورة التحريرية

مصنع للفلين بالجزائر إبان الإحتلال





لئن كان ممكناً الحديث بإسهاب عن الفلاحة الجزائرية قبل اندلاع الثورة، والإيفاء بذلك الحديث يتطلب عشرات المجلدات، خاصة إذا أردنا التعرض للتفاصيل، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة للتجارة الخارجية والصناعة لأنهما تكادان تكونان وقفاً على المعمرين الذين يحتكرون كما ذكرنا، عمليات التصدير والتوريد، واستغلال المناجم على اختلاف أنواعها.

فالصناعة، قبل الاحتلال، كانت أكثر تقدماً وأحسن تنظيماً، تشهد بذلك مختلف المصادر التي تجمع أن الحرفيين، في الجزائر، كانوا يجمعون في نقابات حسب التخصص بحيث تجد النجارين في شارع، والحدادين في آخر، والشواشين في ثالث، والصباغين في رابع، والدباغين في خامس، إلخ... وكانت كل نقابة تسير من قبل أمين ينتخب بديمقراطية ويختار لما له من خبرة وحكمة وحسن سلوك، وللأمناء مجتمعين مكانة مرموقة لدى الحكومة المركزية، أما أمين الأمناء، فإنه يحضر الاجتماعات مع السلطات العليا، ويشارك، فعلياً، في اتخاذ القرارات، سواء منها الاقتصادية أو السياسية.

وإلى جانب هذه الصناعة التقليدية، كانت الدولة الجزائرية تهتم كثيراً بمناجم المعادن المختلفة ، وتولي رعاية خاصة لصناعتين كانتا أساسيتين في ذلك الحين، وهما صناعة الأسلحة والذخيرة الحربية، وصناعة السفن.

وبعد الغزو، وبالتدريج، أهملت الصناعة في الجزائر، لتتخصص البلاد شأن جميع بلدان العالم الثالث، في تصدير المواد الأولية وقد نجحت السطات الاستعمارية في مهمتها، إذ ما كادت الثورة تندلع حتى اختفت صناعتنا التقليدية، وصارت الجزائر تستورد كل شيء تقريباً، واختفت مصانع الأسلحة والبارود، وورشات البحرية الخاصة بصناعة السفن. وبالمقابل تضاعفت كميات المعادن المنجمية المستخرجة، والتي أصبحت سنة 1954، حوالي ستمائة ألف طن من الفوسفات، وثلاثة ملايين ونصف مليون طن من الحديد، وأربعمائة ألف طن من الفحم، إلخ....

وبقدر ما أنهك الاستعمار صناعتنا، قبل أن يقضي عليها، فإنه خنق التجارة الخارجية التي كانت، هي الأخرى، مزدهرة قبل الغزو الفرنسي. قد يبدو أن قولنا هذا مجرد إدعاء، ولكن المصادر، على اختلاف لغاتها، تثبت بأن الجزائر، قبل الاحتلال كانت تقيم علاقات تجارية مكثفة مع افريقيا جنوب الصحراء، ومع البلاد العربية وأوربا الغربية خاصة، وبأن تجارتها تلك كانت مخططة وتدر على البلاد أرباحاً كثيرة، تستثمر في سائر الميادين. ثم جاءت آفة الاستعمار، وما كادت تمر السنوات الأولى من الغزو حتى أصبح ميزان التجارة الخارجية الجزائرية خاسراً لأن كل عمليات التصدير والتوريد صارت مقصورة على فرنسا.

وفي العشرية التي سبقت ثورة نوفمبر سنة 1954، لم يعد في استطاعة أي عاقل الحديث عن تجارة الجزائر الخارجية، بل كل ما هناك عمليات احتكارية تقوم بها كمشة من المستعمرين، يجمعون الأرباح لأنفسهم على حساب فرنسا والجزائر في آن واحد.

أوضاع الجزائر الزراعية قُبَيل الثورة التحريرية

فلاحان جزائريان إبان الإحتلال



الجزائر بلد زراعي، هذه حقيقة قديمة، لا تحتاج إلى تدعيم، ولكن الجديد في الأمر هو أن مؤرخي الاستعمار يدعون بأن المعمرين الفرنسيين هم الذين استصلحوا الأراضي، وصيروا ترتبها طيبة. إن هؤلاء المؤرخين يتناسون أو يتجاهلون ما ورد في تقرير السيد "تادنة" الذي قدمه لسلطات الإمبراطورية الفرنسية في أيام عزها، والذي جاء فيه: "إن مناخ الجزائر جميل وأرضها طيبة، توجد بها مراع شاسعة، وسهول فسيحة: تكثر فيها منتوجات أمريكا والهند، بالإضافة إلى ما ينبت في أراضي أوربا، كما أنها تنتج كميات هائلة من القمح والشعير والصوف والجلود والشموع. أما مراعيها فتزخر بأنواع الحيوانات المختلفة مثل الأبقار والأغنام والماعز والبغال والحمير الممتازة".

ويبدو كذلك أن هؤلاء المؤرخين لم يطلعوا على ما أورده السيد (شايلر) في كتابه "لمحة تاريخية عن الدولة الجزائرية" إذ يؤكد بأن سهول متيجة تعتبر من أحسن الأراضي وأوسعها في العالم، وذلك نظراً لمناخها وخصوبتها وموقعها، وهي تمتد على مساحة قدرها بالتقريب 330 ميلاً مربعاً. 

صحيح أن سلطات الاحتلال قد استصلحت بعض المستنقعات القريبة من العاصمة لكنها لاتمثل شيئاً بالمقارنة مع ملايين الهكتارات من الأراضي الخصبة التي اغتصبتها سواء من أملاك الدولة الجزائرية أو من أملاك الأعراش والخواص ثم وزعتها على الكولون المرحين من الجيش أو المرافقين له وعلى عدد من الشركات الفلاحية التابعة لمختلف المؤسسات الفرنسية في "المتروبول". 

وكانت معظم الأراضي في الجزائر، قبل الاحتلال الفرنسي، ملكاً مشاعاً للأعراش التي كانت تستثمرها جماعياً لتحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي وتصدير الفائض من الإنتاج إلى المشرق وإفريقيا السمراء وإلى بلاد جنوب أوربا على وجه الخصوص ثم جاءت قرارات القادة العسكريين االفرنسيين ومراسيم السلطات الاستعمارية فأباحت اغتصاب تلك الأراضي بسبب مشاركة أصحابها في الانتفاضات الشعبية المختلفة وتسليمها بالمجان إلى المعمرين الأوربيين. 

وبفعل عمليات الاغتصاب تلك تحول الفلاحون الجزائريون الذين كانوا، قبل الاحتلال، يمثلون الأغلبية الساحقة من السكان، إلى مجرد خماسين أو أوأجراء موسميين أو إلى أناس عاطلين تماماً عن العمل يعيشون من التسول أو من الأعشاب والنباتات التي تجود بها الطبيعة. 

وما كاد يحل الاحتفال بمرور قرن على الاحتلال حتى فقدت الجزائر قدرتها على تحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي وتحولت من منتج للحبوب ومصدر لها إلى بلد مضطر لاستيراد المواد الغذائية الضرورية لحاجات سكانه. 

مثل هذه الحقائق تفرض علينا طرح أسئلة كثيرة، وفي مقدمتها: كيف انقلبت الأوضاع بهذه الصورة وبتلك السرعة؟ والجواب يكون سهلاً ومعقولاً، إلا على الفرنسيين، ويكمن في التالي: إن المهاجرين الأوربيين كانوا يجهلون طريقة الاعتناء بالفلاحة، ولم يكونوا يهدفون لغير الإثراء بأية طريقة كانت، لأجل ذلك، ركزوا مجهوداتهم على استنزاف الثروات، وتسخير الأرض بدون حساب، كما أنهم لم يهتموا باستصلاح الأراضي البور، أو الأراضي الموات الممتدة على ملايين الهكتارات جنوب التل شرقاً وغرباً. 

وبالإضافة إلى إهمال العمليات الاستصلاحية التي كان من الممكن أن تقلب الجنوب الجزائري جنة خضراء، قادرة على تغذية عشرات الملايين من البشر، فإن المستعمرين قد وجهوا ضربة قاسية ما زالت بصماتها واضحة المعالم على فلاحتنا، وتتمثل في تخصيص حوالي نصف مليون هكتار من أحسن الأراضي لغراسة الكروم المنتجة لعنب الخمور، مع العلم أن الجزائريين مسلمون ولا يستهلكون المشروبات الكحولية. 

وعلى حساب الحبوب أيضاً اهتم الكولون بالحوامض التي كانت تدر عليهم أضعاف أضعاف ما كانوا يجنونه من القمح والشعير. ولقد تطور منتوجها من سبعمائة ألف قنطار سنة 1931م إلى مليونين وسبعمائة وستة عشر ألف قنطار سنة 1950م وأصبح بذلك يحتل المرتبة الثانية في قائمة الصادرات بعد الخمور التي كانت تنتج بمعدل 16 مليون هكتار سنوياً عندما اندلعت الثورة الجزائرية. 

ولصالح الكروم والحوامض قضي، في ضواحي معسكر، على زراعة الأرز  وكذلك الأمر في شمال شرقي الجزائر، حيث أهملت زراعة القمح وسائر أنواع الحبوب الغذائية والفول والعدس وغيرها. 

وإذا كانت مغارس الكروم والحوامض قد أنشئت على حساب زراعة القمح والشعير، فإن اقتصار المعمرين على استغلال المساحات التي وجدها عند الغزو، وعدم التفاتهم إلى الجنوب حيث تتكاثر المياه الجوفية، قد أديا، بسبب ارتفاع عدد السكان وبالتالي تزايد الحاجيات، إلى تحويل الجزائر من بلد مزدهر إلى مستعمرة لا يستفيد منها سوى الكولون الذين اجتمعت بين أيديهم حوالي ثلاثة ملايين هكتار من أخصب الأراضي. 

وعلى هذا الأساس فإن سنة 1954، قد وجدت الفلاحة الجزائرية متقهقرة بالنسبة لما كانت عليه قبل الغزو: وإن تعسفات الاستعمار، وعمليات الاغتصاب التي قام بها، والتي تعرضت لها كافة أنحاء الوطن، وكذلك روح المستعمرين الانتهازية الاستغلالية، كل ذلك ترتب عنه إبعاد الفلاحين الجزائريين عن التسيير في مجال الزراعة، لتحويل معظمهم إلى آلات تسخر لخدمة المستغليين الأوربيين من جهة، ولتزويد الفلاحين الفرنسيين بما يحتاجون إليه لتحسين منتوجاتهم، ولتنمية طاقاتهم الإنتاجية من جهة ثانية. 

وتجمع الإحصائيات بالنسبة للعشرية التي سبقت الثورة، أن الأراضي الصالحة للفلاحة، تبلغ مساحتها أحد عشر مليون هكتار: منها ثمانية بيد الجزائريين الذين يمثلون تسعة أعشار السكان، وثلاثة ملايين هكتار بيد حوالي خمسة وعشرين ألف مستعمر، لأن الباقي يحتكرون التجارة الخارجية والصناعة الهامة ويشغلون مناصب القيادة على اختلاف أنواعها في جميع الميادين. 

ولئن كان ممكناً الحديث بإسهاب عن الفلاحة الجزائرية قبل اندلاع الثورة، والإيفاء بذلك الحديث يتطلب عشرات المجلدات، خاصة إذا أردنا التعرض للتفاصيل، فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة للتجارة الخارجية والصناعة لأنهما تكادان تكونان وقفاً على المعمرين الذين يحتكرون كما ذكرنا، عمليات التصدير والتوريد، واستغلال المناجم على اختلاف أنواعها.