728x90 AdSpace

  • أحدث المواضيع

    جريمة تجهيل الشعب الجزائري، كبرى كبائر فرنسا في الجزائر

     

    جريمة تجهيل الشعب الجزائري، كبرى كبائر فرنسا في الجزائر


    بقلم سمير خلف الله


    جرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر كثيرة لدرجة أن أي قلم ومهما حاول سيبقى عاجزا على أن يحيط بها أو يحصيها ذلك أنه في كل يوم وساعة ودقيقة وثانية من ليلها الاستعماري الطويل هناك ألف ألف جريمة مرتكبة في حق الجزائريين ولعل أفدحها جريمة التجهيل التي كانت جريمة دولة ممنهجة ومتعمدة وسياسة بغيضة أشرفت عليها وتكفلت بها وزارات وقيادات وشُرّعت لأجلها قوانين ومراسيم وقرارات ولا تهمنا تلك الحفنة من الجزائريين الذين أدخلتهم مدارسها ولا غاية لها من وراء ذلك سوى تخريج جماعة يكون أفرادها أدواتا في خدمة مشروعها الاستعماري هذا الذي كانت تهدف إلى مد جذوره عميقا في التربة الجزائرية ولهذا احتاجت لهذا الطابور ليكون القاطرة التي تجر الشعب الجزائري إلى بوتقة الفرنسة والانخراط في المشروع الاستعماري وتبنيه وضمان ذوبان الكتلة الجزائرية في الثقافة الفرنسية الغازية.

    نعم لقد حالوا بيننا وبين التعليم بالقوة وحجبوا عنا هذا الحق الطبيعي تحت حجة عنصرية مقيتة مفادها أننا من ( الأعراق الدنيا ) وهم من ( الأعراق المتفوقة ) التي عليها واجب نقل الحضارة إلى ( الأعراق المنحطة ) لا لشيء سوى لكون أصحاب خرافة ( الأعراق العليا ) كانوا يدورون في فلك فكرة المركزية الأوروبية البائدة والتي أوحت لهم أسطورة تفوق الرجل الأبيض الذي من حقه التصرف في الشعوب الأخرى وحكمها حتى أنهم استثنوها من امكانية تمتعها بحقوق الانسان أو أن تشملها المواثيق الضامنة لها والعذر دوما إنها من ( الأعراق الدنيا ) وبمثل هذه الحجج العنصرية تم استبعاد الجزائريين من التمتع بحق التعليم الذي تمخض عن مرسوم جول فيري والقاضي بإجباريته ومجانيته لكل سكان الجزائر ولكن الكولون بما لهم من نفوذ في باريس عطلوا شطره الخاص بالجزائريين الذين تم استثناءهم بصورة فضة وظالمة من هذا الحق المكفول لهم كما لغيرهم من سكان ما يسمى الجزائر الفرنسية لا لشيء سوى لكونهم أهالي يتوجب عليهم أن يبقوا خمّاسة عند السادة المستوطنين.

    وهذا الخطاب المتعالي والصلف نابع من مشكلة فرنسا وصنّاع قرارها في تلك الأيام ذلك أن الجميع كان لا يرى العالم إلا عبر منظومة قيم المركزية الأوروبية العرجاء نظرة كانت تُقصي الجزائريين من كل ما هو قادر على تحسين أوضاعهم لأن تمتعهم بحق التعليم سيجعلهم قادرين على معرفة حقوقهم ومن ثمة المطالبة بها ولعل أبرزها حق المساواة مع السادة المستوطنين وهنا يصبح التعليم الفرنسي سلاحا فتاكا وحادا يستخدمه الجزائريون ضد فرنسا وقوانينها وهو أمر مرعب ومخيف لها وللكولون فالجزائريون في نظرهم مجرد أهالي مسخرين للخدمة مثلهم مثل الدواب وهذا هو وضعهم الطبيعي ومتى تجاوزوه ففي هذا التجاوز تهديد لمكانة السادة الأوروبيين في الجزائر وسطو على حقوق لم توضع لهم وهو نفس موقف فيليب دو توكفيل المبهور والمفتون بالديموقراطية الأمريكية فهو الآخر يرى بأن حق المواطنة والحرية لم يُوضع للجزائريين ولا هم أهل ليتمتعوا بحقوق الحرية والمساواة والديموقراطية.

     جزائريون أو كما تسميهم أدبيات فرنسا الاستعمارية الأنديجان فرضت عليهم الخضوع لقانون الأهالي الذي منعهم من التنقل دون ترخيص خاص وهذا ما أغلق في وجوههم كل منفذ يمكن لهم عبره تحصيل ولو النزر اليسر من المعارف باستثناء أبناء موظفي إدارتها ثم جاء قانون أكتوبر 1892 ليطلق رصاصة الرحمة على ما تبقي من التعليم العربي وبهذا تكون قد حرمت الجزائريين من التعليم العربي وسدّت في وجوهم أبواب التعليم الفرنسي ومع كل هذا فقد كانت تدعى بأن لها رسالة حضارية تنويرية والواجب الأخلاقي يُحتم عليها تأديتها إنها حقا وقاحة وخاصة عندما نعلم أن تركتها ثقيلة ومخيفة ومرعبة فيما يخص نسبة الأمية بين الجزائريين لحظة خروجها غير المأسوف عليه فقد قاربت 99 ٪ وهذا ما يدحض ويكذب تلك الادعاءات الزائفة عن رسالتها التحضيرية في الجزائر وإن نسيت نذكرها بأننا لم نرث منها سوى ثالوث الشر البغيض ( الفقر والجهل والأوبئة ) هذه هي تركتها المسمومة التي تراها منطلقا يصلح لتمجيد ليل استعمارها للجزائر.

    وهذا الوضع مخالف تماما لمَا كان عليه الحال في العهد العثماني الذي لم يبق مؤرخو المدرسة الاستعمارية وأنصارهم وتلامذتهم من سبة ونقيصة إلا وألصقوها به مغرقين في الذاتية من قبل أغلبيتهم غير أن واقع الحال وشهادات جنيرالات الغزاة والرحالة الأوروبيين يكذبان أطروحاتهم  فرنسا الاستعمارية لقد حرمت بتلك السياسة الكريهة والبغيضة الجزائر من أن يكون لها أعلامها ككل أمم الدنيا فما الذي كان يمنع بلادنا من أن تنجب أمثال كانط وماكسيم غوكي وشكسبير سوى سياسة التجهيل التي وأدت العقول المبدعة ودفنتها حية وهذه جريمة أخرى تضاف إلى سلسلة جرائمها في الجزائر وحتى من فتحت لهم بواب التعليم فقد رسمت لهم إطارا يمنع عليهم التحرك خارجه  فاستنزفتهم خدمة للمشروع الاستعماري من أمثال محمد بن أبي شنب وعمر بن سعيد بوليفة هذا الذي يخبرنا عنه أبو القاسم سعد الله في كتابه تاريخ الجزائر الثقافي الجزء الثامن بأن احتواء فرنسا له منذ الطفولة جعله في دور قزم مثله مثل بلقاسم بن سديرة هذا الذي شَلـْـتْ موهبته هذا هو المصير البائس الذي آل إليه من نالوا حظوة عند المستعمر الغاصب وكانوا من جملة ممن رضي عنهم وممن أدخلهم في زمرة المقربين فما بالنا بمصير بقية الجزائريين ممن اتخذهم أعداء ونفاهم وراء الشمس وأقبرهم أحياء فلم نسمع لهم حسّا ولم نقف لهم على أثر علما بأن محمد بن أبي شنب وبلقاسم بن سديرة كان من الممكن أن يذهبا بعيدا لو أن الظروف كانت غير تلك التي أجبرتهم من خلالها فرنسا على السير وفق ما حددته لهما خدمة لمشروعها الاستعماري في الجزائر.

    ولا يجب أن ننسى بأن فرنسا وكما مارست حرب إبادة جماعية وأرض محروقة في حق الجزائر والجزائريين فقد مارست حرب إبادة ثقافية وتصحير وتحريق لكل ما يتصل بالجانب الثقافي وما تبقى منه سعت جاهدة لتجفيف منابعه لتحرم الشعب الجزائري من كل ما يضمن استمراره وتواجده على الساحة وبهذا عملت بلا كلل أو ملل على تجهيل الشعب الجزائري عبر تلك الترسانة من القوانين من أول يوم وطأت فيها أقدامها الهمجية أرض الجزائر قوانين كانت ترمي من خلالها إلى قذفنا في عالم العصور البدائية وإن أمكن إلى عصور ما قبل الكتابة ولمَا لا إلى العصور الحجرية ذلك أننا كلنا نعلم ما فعلته بمجرد نجاح حملتها العدوانية على الجزائر في العام 1830 من اغتصاب للأوقاف : " قهرا وعدوانا وكان ذلك سببا في ضمور حركة التعليم واختفاء المعلمين وغلق المدارس " أبو القاسم سعد الله الحركة الوطنية الجزائرية ج 1 وهذا الفعل كان أول قطرات مطرها المسموم الذي أصابت لعنته بلادنا ثم ما برح أن تداعت عوارضه كطوفان سيل العرم الذي لا يبقي ولا يذر علما أنها كانت ترمى من وراء هذا الاجراء إلى تجفيف منابع التعليم والقضاء عليها حتى تندثر العربية ويتم استئصالها وبهذا تُـسرّع وتيرة عملية دمج الجزائر وتذويبها في بوتقة الثقافة الغازية فهذا هو السبيل الوحيد لتضمن سيادتها عليها وإلى الأبد وليسهل عليها حكمها وهي في هذا المسعى كانت تستلهم أفعالها من تجربة المستوطنين البيض في العالم الجديد وأستراليا وبعد أن قررت الحاق الجزائر بها بصورة وقحة وفجة على إثر تقرير اللجنة الافريقية 1833 ثم اعتبارها مقاطعة فرنسية بموجب دستور 1848 فلم يعد من هم لها سوى تسريع عملية تذويبها في البوتقة الفرنسية عبر تسريع سياسة التنصير والفرنسة مستفيدة من تفوقها التقني الذي منحها قدرة على الحاق الهزيمة بالمقاومات الشعبية ثم سلطت قطعان الضباع البشرية من المستوطنين والمجرمين وقطاع الطرق الذين حولوا تلك القبائل الجزائرية القوية التي تسلطوا عليها إلى قبائل بائسة بعد أن أفقرها النظام الاستعماري كما يخبرنا بهذا لأمر عباس فرحات.

    وهنا أصبح الشعب الجزائري مهزوما لا هم لغالبيته سوى العمل كخماسة عند السادة المستوطنين أمّا التعليم فقد أصبح ترفا غير مفكر فيه وربما سقط عن غير قصد من سلم أولويات الجزائريين في ظلمة ذلك الليل الاستعماري الحالك جزائر الكولون في تلك الفترة كانت مزدهرة من الناحية التعليمية ففرنسا رمت بكل ثقلها لتخلق شعبا مصغرا يكون نسخة من شعبها في المتروبول ذلك أنه لا يوجد أمضى  من سلاح التعليم لصهر كل تلك الأجناس التي استوطنت الجزائر نتيجة عدم قدرة الكتلة السكانية الفرنسية على توفير ما تحتاجه لتنجز ما تسميه زورا تعمير الجزائر بمن قدموا في ركاب غزوها لبلادنا من عناصر متوسطية في الغالب كانت بحاجة إلى تسريع عملية فرنستهم وأقصر الطرق كانت المدرسة أمّا الجزائريين فمغضوب عليهم ولن تتقبلهم إلا في حال انصياعهم لما قرره ذات يوم لافيجري من أنه يتحتم عليهم أن يقبلوا الإنجيل أو أن يطردوا إلى الصحراء بعيدا عن العالم المتمدن وهو عين ما فعلته محاكم التفتيش البغيضة في الأندلس عقب سقوطها ومع هذا تدعي فرنسا الثورة بأنها حامية التنوع والاختلاف وحقوق الانسان  نعم إنه يتوجب عليهم التخلي عن اسلامهم الذي اتهمه فيليب دو توكفيل زورا بأنه هو سبب تخلفهم وعن لغتهم العربية التي اعتبرتها لغة أجنبية لأنها حسب زعمها لغة الغزاة العرب الذين افتكوا بالقوة الشمال الافريقي من حضن أمه الكنيسة والثقافة اللاتينية وهي هنا لإعادة وصل ما قطعه من اتخذتهم أعداء لها في الجزائر.

    وكنتيجة حتمية لتغول سياسة التجهيل التي كانت فرنسا أكثر وفاء لها من وفائها لزعم نشر المدنية والحضارة على طول الساحل البربري  سياسة أتت أكلها حتي أصبح القول بأن العرب كانت لهم حضارة يثير الدهشة والسخرية كما جاء في كتابات عباس فرحات الذي عايش ذلك بنفسه ونحن هنا لا نلوم هؤلاء الجهلة بتاريخنا وماضينا لأن الدعاية الاستعمارية حجبت عنهم الحقيقة ونست أن تخبرهم بأن أجدادهم كانوا ينتقلون إلى بجاية ليتعلموا على أيادي شيوخها كما أنهم نسوا بأن الجزائريين وإلى وقت قريب كانوا وكما قال حمدان بن عثمان خوجة : " يعتنون كذلك بالعلوم والآداب ، ففيهم الشعراء والأدباء وأساتذة التاريخ والمشرعون " أمّا الرحالة الألماني فيلهام شيمبر فيقول : " لقد بحثت قصدا عن عربي واحد في الجزائر يجهل القراءة والكتابة ، غير أني لم أعثر عليه ، في حين أني وجدت ذلك في بلدان جنوب أروبا ، فقلما يصادف المرء هناك من يستطيع القراءة من بين أفراد الشعب " وهو عين ما نجده في شهادة الجنرال فالز والجنرال ولسن وسترهازي هذا الذي يضيف بأن :" الجزائر احتلها جنود من طبقة جاهلة كل الجهل " نعم يا سادة لقد كانت الجزائر أيقونة قبل 1830 دمرها حقد وغل وضغينة وبغضاء طوابير الغزاة الجهلة ولذلك نقول كم هو الاستعمار الفرنسي للجزائر كريه وبغيض ذلك أنه سيئة من عمل الشيطان إن لم يكن هو الشيطان كما قال الشيخ البشير الابراهيمي ولئن كانت تلك الهوة التي حفرها خلال ليله الطويل الذي ران على صدر الجزائر كقطعة من الجحيم استطاعت الثورة المباركة أن تعيدها من حيث أتت ففي مقابل هذا فإن جرائم التجهيل التي مارستها في حق الشعب الجزائري لن تجد كفارة للتكفير عنها فضلا على تبييض صورة تواجدها الأسود في الجزائر حتي أصبح عدد من هم متعلمون يعدون على الأصابع ومع هذا يرى فيهم بعض أبنائها وحراس معبدها من الجزائريين من أعظم انجازاتها وحسناتها في الجزائر.

    نعم بماذا عساها أن تكفر عن خطيئة تجهيل الجزائريين وكل ما في خزائنها وما تمتلكه من ثروات فوق وتحت أرضها لن يعوض ما سلبته منهم ذلك أن الماديات مقدور عليها ولكن هل يمكن لها أن تعيد عجلة الزمن إلى الوراء وهي من سرقت من الجزائر قرنا واثنتين وثلاثين سنة وهذه فترة كافية لجعلنا في مصاف اليابان الذي بدأ نهضته بعد العام 1830 بكثير نعم لقد سرقوا منا فرصة الاقلاع الحضاري وخنقوا عقولا جبارة وأقبروها حية عقول كانت ستصل لا محالة إلى مصاف جبابرة وعمالقة العلوم الصلبة والانسانية تحت حجة مزيفة مفادها أننا عرق أدنى لم يُخلق ليتعلم فضلا على أن يفكر أو يشارك في رفع البنيان الحضاري الإنساني أو أن يُضيف له لبنة ولهذا كم من عقل جزائري جبار أقبرته فرنسا خلال ليلها الاستعماري البغيض ولو لا جريمة الاستعمار لكانت تلك العقول المقبورة الدرر واللآلئ التي تفتخر بها بلادنا كما تفتخر هي بعظمائها من أمثال فيكتور هيحو وفولتير فهل بعد كل هذا يمكن لها أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء حتي تتدارك ما جنته يداها الآثمة في الجزائر ؟

    نعم إن تجهيلها للشعب الجزائري لهو جريمة تتجاوز آثارها الشعب الجزائري إلى الإنسانية جمعاء لأنها قد فوتت على الأخيرة فرصة أن تخطو خطوات عملاقة نحو غد أفضل بكل ولكل أبنائها ولكن الجهل والعنصرية والسفاهة والاستهتار وجحود ونكران قيمة الإنسان أيقونة هذا الكون لهي الشرور سوّلت لفرنسا الاستعمارية المريضة بداء التعالي الزائف والعنصرية لبغيضة ارتكاب جريمة تجهيل الشعب الجزائري ومن سوء حظ الجزائر أنها كانت أول فريسة تقع بين أنياب حية الاستعمار الخبيثة فأفرغت كل سمومها وأحقادها في جسدها الطاهر حتي استحالت سرطانا أوشك على افنائها ومحوها من صفحة التاريخ ولهذا فإن لسان حالنا يقول وسيبقى يرددُ اليوم وغدا إننا لا نعادي فرنسا وشعبها ولكننا نعادي النظام الاستعماري المجرم وكل من يتبنى خطاباته وأطروحاته العنصرية ويحاول تسويقها ومهما كان من عامة الشعب الفرنسي أو من نخبتها أو من أعضاء حكوماتها المتعاقبة وأي كانت مشاربهم واتجاهاتهم ومن جهة أخرى نحن الجزائريون يمكننا أن نختلف على كل شيء وفي كل شيء إلا أننا ومتى وصلنا إلى وطننا الجزائر فإنه يتوجب علينا أن لا نقبل من بعضنا البعض سوى الاتفاق.


    • Blogger Comments
    • Facebook Comments

    0 comments:

    إرسال تعليق

    Item Reviewed: جريمة تجهيل الشعب الجزائري، كبرى كبائر فرنسا في الجزائر Rating: 5 Reviewed By: Algeria Gate