جزائر الثعالبة ودولة مدينة الجزائر
الأرشيف الإيطالي، وثائق هامة حول تاريخ الجزائر
الجزائر - تحتوي الوثائق الأرشيفية الخاصة بتاريخ الجزائر والمتواجدة بإيطاليا معطيات وشهادات مكتوبة تخص تاريخ الجزائر إبان العهد العثماني وتتطرق إلى الأحوال الإجتماعية والسياسية والعسكرية والصحية وكذا العلاقات الدبلوماسية الجزائرية خلال الفترة ما بين القرنين ال16 وال19، حسب ما أكده يوم الثلاثاء بالجزائر العاصمة أستاذ التاريخ الحديث إبراهيم سعيود.
و في محاضرة بمقر المتحف العمومي البحري, أبرز ابراهيم سعيود, أستاذ باحث في التاريخ الحديث بجامعة الجزائر 2 في محاضرة بعنوان "وثائق تاريخ الجزائر المحفوظة في الأرشيفات الإيطالية", أن هناك "دور أرشيف إيطالية كثيرة تضم مجموعات هامة من الأرشيف الذي يخص الجزائر, ويمكن استغلاله لمعرفة الأحوال الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وأيضا الصحية, وكذا تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والدويلات الإيطالية من القرن ال16 وإلى غاية القرن ال19".
و استعرض سعيود, على ضوء بحوثه الميدانية, ما تضمه خمسة مراكز أرشيفية هامة في إيطاليا على غرار أرشيف مكتبة الفاتيكان وأرشيف الفيكارياتو بروما, حيث "نعثر في هذه المراكز على أرشيفات ذات مواضيع متصلة بالأحوال السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والصحية والدبلوماسية أيضا".
و تضم هذه المراكز -يضيف المتحدث- "عدة مجموعات صنفت ضمن مجموعات ثانوية تابعة لها بحسب المناطق الجغرافية التي وردت منها التقارير, حيث انفردت منطقة شمال إفريقيا باثنين وعشرين مجلدا تشمل الفترة الممتدة من 1638 وإلى غاية 1892".
و تبرز من بين هذه المجموعات الثانوية مجموعة تضم "460 صفحة من الوثاىق تغطي الفترة ما بين 1783 و1791, تخص الجزائر وتونس وطرابلس, وهي في الغالب عبارة عن تقارير مرسلة من قبل قناصلة أوروبيين وتجار وغيرهم قدموا تقارير عديدة, منها ما يخص الوضع الصحي في الجزائر أثناء انتشار الطاعون في 1691 ومنها ما يخص العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وعدد من الدول".
و تحتوي هذه المجموعة أيضا على رسائل بعثها أسرى مسلمون وفي مقدمتهم جزائريين كانوا محتجزين في مناطق تابعة للفاتيكان, ومن بينها رسالة لأسير جزائري يدعى "أحمد" كان محتجزا في نابولي إلى بابا الفاتيكان آنذاك, مقدما في سياق كلامه نماذج عنها تبرز أن أصحابها كانوا يتمتعون "بمستوى ثقافي وتعليمي ..".
و يعتبر أرشيف مكتبة الفاتيكان -حسب المتحدث- "هاما جدا" للدارسين لأنه "يعطي نظرة حول العلاقات السياسية والتاريخية بين الجزائر وإيطاليا, ومن بين ما يحتوي نجد أرشيف خاص ومفصل بالحملة الاسبانية على مدينة الجزائر, إضافة الى نص عن المعاهدة المبرمة بين الجزائر والبندقية في 1763".
و أما أرشيف الفيكارياتو بروما فتظهر فيه "وثائق تتعلق بقضية التنصير أو عمليات التعميد التي مورست عنوة على الأسرى المسلمين, وذلك خلال القرنين ال17 و18, والذين تجاوز عددهم الألف أسير أغلبهم جزائريين ..".
و يتميز من جهته أرشيف ليفورنو بصفحات خاصة حول علاقة مقاطعة توسكانيا الإيطالية مع الجزائر خلال الثلث الأخير من القرن 16, وهي مراسلات امتدت ما بين 1577 و1590 تعتبر اليوم بمثابة "وثائق هامة حول العلاقات بين الجزائر وإيطاليا".
و خلص السيد سعيود إلى القول بأن هذه الوثائق "موجودة بكثرة في منطقة البحر الأبيض المتوسط, بدءا بإيطاليا واسبانيا وفرنسا والبرتغال, وهي محطات تستحق أن ننفتح عليها من أجل تنويع المصادر التاريخية وإثراء صفحات تاريخ الجزائر القديم".
و دعا في هذا السياق إلى "تفعيل التعاون بين مختلف مراكز الأرشيف الوطنية ونظيراتها في إيطاليا لخلق ديناميكية في العمل الأرشيفي من خلال فرق بحث وتجسيد التعاون الثقافي بين الجزائر وهذه الدول".
الجزائر ستسترجع مليوني وثيقة تاريخية مهرّبة وعدّة ممتلكات منهوبة
![]() |
| صورة توضيحية غير واردة في المصدر الأصلي |
كشفت اللجنة الجزائرية للتاريخ والذاكرة، اليوم الاثنين، عن اتفاقها مع نظيرتها الفرنسية على استرجاع مليوني وثيقة مرقمنة خاصة بالفترة الاستعمارية، فضلاً عن عدّة ممتلكات منهوبة، إضافة إلى 29 لفة و13 سجّلا أي ما يشكّل خمسة "أمتار لينيار" [متر طولي - (غير واردة في المصدر)] من الأرشيف المتبقي الخاص بالفترة العثمانية.
أتت هذه الخطوة تتويجاً لاجتماع اللجنة الجزائرية للتاريخ والذاكرة مع نظيرتها الفرنسية في الثاني والعشرين نوفمبر الجاري بمدينة قسنطينة، أين جرى مناقشة ملفات الأرشيف والبيبلوغرافيا والكرونولوجيا والممتلكات المنهوبة.
وفي بيان حمل توقيع المنسق د. محمد لحسن زغيدي، أفيد أنه جرى الاتفاق على مواصلة إنجاز بيبلوغرافيا مشتركة للأبحاث والمصادر المطبوعة والمخطوطة عن القرن التاسع عشر من أجل نشر ورقمنة وترجمة الأهم منها إلى العربية والفرنسية والعمل على استرجاع ما يمكن استعادته.
وبشأن الكرونولوجيا، ستتمّ مواصلة إنجاز كرونولوجيا الجرائم الاستعمارية خلال القرن التاسع عشر، إضافة إلى استرجاع كل الممتلكات التي ترمز إلى سيادة الدولة والخاصة بالأمير عبد القادر وقادة المقاومة، وكذلك الجماجم المتبقية ومواصلة التعرف على الرفاة التي تعود إلى القرن التاسع عشر، مع إحصاء وجود مقابر الأسرى والسجناء الجزائريين ووضع قائمة إسمية.
في المجال العلمي الأكاديمي، اتفقت اللجنتان المذكورتان على تنفيذ برنامج تبادل وتعاون علمي يشمل بعثات طلابية وبحثية جزائرية إلى فرنسا، وفرنسية إلى الجزائر للإطلاع على الأرشيف، إلى جانب رفع العراقيل الإدارية الفرنسية أمام الباحثين الجزائريين، وتنظيم فعاليات علمية مشتركة خلال السنة الجامعية 2024 - 2025.
ومن بين مخرجات الاجتماع المُشار إليه، فتح بوابة إلكترونية مشتركة خاصة بالفترة الاستعمارية 1830 - 1962 على أن تكون بدايتها القرن التاسع عشر.
وتمّ الاتفاق على مواصلة اللقاءات الدورية بين الطرفين.
التسلسل الزمني لأهم الأحداث في تاريخ الجزائر المستقلة 1962-2019
• 20 سبتمبر1962 : انتخاب أول برلمان تأسيسي
• 25 سبتمبر 1962 : الإعلان عن الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
• 29 سبتمبر 1962 : تنصيب أول حكومة جزائرية
• 08 أكتوبر 1962 : إنخراط الجزائر في هيأة الأمم المتحدة
• 08 مايو 1963 : الإستفتاء والمصادقة على مشروع أول دستور جزائري .
• 15 سبتمبر 1963 : إنتخاب أحمد بن بلة رئيسا للجمهورية الجزائرية
• 21 أبريل 1964 : المصادقة على ميثاق الجزائر
• 19 يونيو 1965 : التصحيح الثوري، استحداث مجلس الثورة تحت رئاسة هواري بومدين
• 07 مايو 1966 : تأميم المناجم
• 05 فبراير 1967 : تنظيم أول انتخابات محلية
• 29 مايو 1967 : إجلاء القوات الفرنسية عن قاعدتي رقان و بشار
• 1 فبراير 1968 : إجلاء القوات الفرنسية عن مرسى الكبير
• 24 فبراير 1971 : تأميم المحروقات
• 27 يونيو 1976 : الاستفتاء حول مشروع الميثاق الوطني
• 19 نوفمبر 1976 : الاستفتاء و المصادقة على مشروع ثاني دستور جزائري
• 10 ديسمبر 1976 : إنتخاب هواري بومدين رئيسا للجمهورية الجزائرية
• 27 ديسمبر 1978 : وفاة الرئيس هواري بومدين
• 07 فبراير 1979 : إنتخاب الشاذلي بن جديد رئيسا للجمهورية الجزائرية
• 13 يناير 1983 : إعادة انتخاب الرئيس الشاذلي بن جديد رئيسا للجمهورية الجزائرية
• 05 أكتوبر 1988 : مظاهرات في العديد من المدن الجزائرية
• 03 نوفمبر 1988 : إستفتاء حول المراجعة الدستورية
• 22 ديسمبر 1988 : إعادة انتخاب الرئيس الشاذلي بن جديد رئيسا للجمهورية الجزائرية
• 23فبراير 1989 : إعتماد ثالث دستور جزائري عن طريق الاستفتاء
• 12 يونيو 1990 : تنظيم انتخابات محلية، فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ
• 26 ديسمبر1991 : تنظيم انتخابات تشريعية، فوز الجبهة الإسلامية في الدور الأول
• 04 يناير 1992 : حل المجلس الشعبي الوطني
• 12 يناير 1992 : إيقاف المسار الانتخابي و استقالة الرئيس الشاذلي بن جديد
• 14 يناير 1992 : إستحداث المجلس الأعلى للدولة برئاسة محمد بوضياف
• 02 فبراير 1992 : إعلان حالة الطوارئ
• 02 فبراير 1992 : إستحداث المجلس الاستشاري الوطني
• 29 يونيو 1992 : اغتيال الرئيس محمد بوضياف
• 02 يوليو 1992 : علي كافي يترأس المجلس الأعلى للدولة
• 30 يناير 1994 : نهاية عهدة المجلس الأعلى للدولة، اليمين زروال يعين رئيسا للدولة
• 18 مايو 1994 : إستحداث المجلس الوطني الانتقالي
• 16 نوفمبر 1995 : اليمين زروال ينتخب رئيسا للجمهورية
• 18 نوفمبر 1996 : الإستفتاء و المصادقة على مشروع رابع دستور جزائري
• 05 يونيو 1997 : تنظيم إنتخابات تشريعية تعددية
• 23 أكتوبر 1997 : تنظيم إنتخابات محلية تعددية
• 11 سبتمبر 1998 : رئيس الجمهورية اليمين زروال يعلن عن تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة
• 15 أبريل 1999 : عبد العزيز بوتفليقة ينتخب رئيسا للجمهورية
• 16 سبتمبر1999 : المصادقة على قانون الوئام المدني عبر استفتاء وطني
• 10 أبريل 2002 : دسترة تمازيغت كلغة وطنية
• 30 مايو 2002 : تنظيم انتخابات تشريعية تعددية ، فوز حزب التحرير الوطني
• 10 أكتوبر 2002 : تنظيم انتخابات محلية، فوز حزب التحرير الوطني
• 08 أبريل 2004 : إعادة انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة
• 29 سبتمبر 2005 : المصادقة على ميثاق السلم و المصالحة الوطنية عبر استفتاء وطني
• نوفمبر 2008: مراجعة الدستور
• 09 أبريل 2009: إعادة انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة
• فبراير 2011: رفع حالة الطواريء
• 10 مايو 2012: تنظيم إنتخابات تشريعية، فوز حزب جبهة التحرير الوطن
• 17 أبريل 2014: إعادة انتخاب السيد عبد العزيز بوتفليقة رئيسا للجمهورية.
• مارس 2016: مراجعة الدستور.
• 22 فبراير 2019: إنطلاق الحراك الشعبي السلمي.
• 2 أبريل 2019: إستقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
• 12 ديسمبر 2019: انتخاب السيد عبد المجيد تبون رئيساً للجمهورية.
مقاومة أحمد باي - الجزء الثالث
تكملة للجزئين الجزء الأول والجزء الثاني
قتال الفرنسيين ورفض المعاهدات
كان القائد العام الفرنسي عندئذ م داريمون الذي حل بعنابة قادما من الجزائر استعدادا للحملة. رفض الحاج أحمد اقتراحات الفرنسيين وخرج لقتالهم في مكان يدعى بلاد عمر. وهناك أرسل إليه دامريمون يهوديا آخر هو بوجناح (الذي كان في زي فرنسي) عارضا عليه دفع مليونين من الفرنكات ضريبة حرب , وإقامة حامية فرنسية في قصبة قسنطينة، في مقابل أن تعترف به فرنسا بايا على الإقليم فيما وراء مجاز عمار، أي باستثناء الأجزاء التي تحتلها هي. ولكن أعيان قسنطينة ورؤساء القبائل رفضوا الشروط الفرنسية. وأرسل الحاج أحمد رفضه إلى دامريمون عن طريق بوجناح. وعاد بوجناح بشروط أخرى ولكن الحاج رفضها أيضا وأرسل رفضه مع كاتبه هذه المرة لأنه لم يعد يثق في بوجناح.
لم يرض الحاج أحمد أن يوقع معاهدة مع الفرنسيين كما فعل الأمير عبد القادر في نفس السنة، بل استعد للقتال من جديد، جمع شيوخ القبائل والقواد وجند منهم 5،000 فارس و2،000 راجل، بالإضافة إلى الجيش النظامي الذي يعمل بأمره شخصيا. ترك حوالي 1،500 جندي في قسنطينة وبدأ الحرب ضد الفرنسييين، فهاجمهم مدة ثلاثة أيام متواصلة في معسكرهم الواقع في مجاز عمار. لكنه فشل هذه المرة في صد زحفهم على المدينة. فقد تمكنوا من نصب الحصار عليها ثم دخلوها بينما كان المراطنون يحاربونهم من دار إلى دار ومن شارع إلى شارع. وأثناء هذه الجولة قتل دامريمون القائد العام للجيش الفرنسي فتولى مكانه الجنرال فاللي. كما قتل البجاوي خليفة الحاج أحمد في قسنطينة. وتكبد الحاج أحمد خسائر كبيرة واستشهد أحسن جنده. وغنم الفرنسيون أشياء كثيرة لأن الحاج أحمد رفض إخراج الأشياء الثمينة من المدينة، عندما طلب منه ذلك الأعيان، حتى لا يؤثر ذلك على معنوياتهم. كذلك خسر الفرنسيون الجنود والعتاد وكانوا يعانون من قلة المؤونة. ومن سوء حظ الحاج أحمد أن ابن عيسى الذي كان عضده الأيمن تخلى عنه وعرض خدماته على الفرنسيين.
ولكن الحاج أحمد لم يلق السلاح رغم ضياع عاصمته وملكه، عرضت عليه فرنسا الأمان وحمله إلى بلاد إسلامية فرفض. وضع خطة جديدة لمقاومة الفرنسيين وقطع خط التموين عليهم الرابط بين عنابة وقسنطينة. ولكن صهره اعترض على هذه الخطة وأراد أن يحارب فرحات ابن سعيد أولا ثم الفرنسيين. وهي الخطة التي كان فيها (هلاكى) حسب تعبيره. وقد اجتمعت عليه عدة عوامل سيئة: موت أو تخلى أحد قواده عنه. خلافه مع صهره بوعزيز والتحاق هذا بالفرنسيين الذين عينوه شيخ العرب. محاولة الأمير عبد القادر مد نفوذه إلى إقليم قسنطينة بتوجيه نداء إلى أعيانه وتعيين خلفاء له فيه أمثال حسن بن عزوز. فرحات بن سعيد الذي لم ينس عزله له حتى بعد سقوطه (أي الحاج أحمد) من الحكم. وباي تونس الذي كان يغار منه ويكيد له لدى القبائل المجاورة ولدى السلطان، ثم فرنسا التي كانت ترى في وجوده بين العرب علامة خطر وكانت تؤلب عليه القبائل وتخلق له الصعوبات أينما حل. ويمكن أن نضيف إلى هذه القائمة سلبية السلطان الذي كان الحاج أحمد يعتمد عليه حتى بعد سقوطه .
ظل الحاج أحمد يقاوم كل هذه العوامل من سقوط قسنطينة سنة 1837 إلى نفاد مقاومته في صيف 1848.كان ينتقل من قبيلة إلى أخرى، ومن الجبل إلى الصحراء. وبينما كان في جبل أحمر خدو اتصلت به السلطات الفرنسية في باتنة وبسكرة وعرضت عليه الاستسلام وإعادة كل أشيائه إليه وأخذه ليعيش في بلاد إسلامية. فقبل العرض بعد أن كبرت سنه ووهنت قواه ومن بسكرة ذهب إلى باتنة (في 5 يونيه عام 1848) ومنها إلى قسنطينة عاصة ملكه القديم التي عاد إليها هذه المرة مجردا من السلاح ولكنه كان مشحونا بالذكريات. استقبله أعيانها عند مدخلها ودخل إليها وسطهم في كوكبة من الخيل. وأقام فيها ثلاثة أيام كان فيها محل رعاية خاصة، فكان أهلها يأتون إليه كل يوم بالطعام والملابس والعسل والزبدة والفاكهة وبعض مصنوعاتهم. ولكن السلطات الفرنسية خشيت العاقبة فمنعت الأعيان من فعل ذلك وأحضرتهم أمام المحاكم العسكرية.
غدر فرنسا
وعن طريق سكيكده وصل الحاج أحمد إلى العاصمة. وهناك عينت له السلطات الفرنسية دارا له ولأهله وخصصت له مبلغ 12،000 فرنك سنويا. وعينت له أحد المترجمين لمرافقته وهو الضابط دي روزي Rouzé وبدل تنفيذ الوعد بإطلاق حريته ظل سجينا في الجزائر إلى أن مات سنة 1850 ويوجد قبره الآن في زاوية سيدي عبد الرحمن الثعالبي وسط مدينة الجزائر. ولعل موته لم يكن طبيعيا.
حاول الحاج أحمد إقامة دولة تعتمد على تأييد السلطان وتأييد الارستقراطية المحلية. فحافظ على النظام العثماني ونشد مساعدة السلطان حتى يعطي لحكمه الشرعية والهيبة. وبعد احتلال الجزائر حاول الحاج أحمد أن يوسع قاعدة حكمه بتأييد الجماهير له، فكان لا يقرر شيئا هاما إلا بالرجوع إلى الأعيان وشيوخ القبائل والعلماء والجيش. وإذا كان في الفترة الأولى قد اعتمد على الجند العثماني فانه بعد الاحتلال قد غير رأيه وتخلص من هذا الجند معتمدا على العرب الذين أراد أن يخلق منهم دولة يكونون هم سادتها. كان هدف الحاج أحمد باي إقامة دولة تفرض الأمن والاستقرار، والدولة في نظره كانت وسيلة للسلطة. لكنه خالف الأمير عبد القادر في كون ثورته محلية، بينما سعى الأمير في مقاومته وجهاده لإقامة دولة وطنية شاملة.
مقاومة أحمد باي - الجزء الثاني
تكملة الجزء الأول
عداوة ذوي القربى أشد مضاضة
بعد السيطرة على الموقف في قسنطينة التفت الحاج أحمد إلى خصومه الذين تخلص من بعضهم بمساعدة الظروف، ولكن بعضهم ظل كالشوكة في حلقه. فقد خرج لمحاربة إبراهيم وفرحات بن سعيد. فر الأول إلى عنابة عن طريق تونس والثاني إلى أولاد جلال في أعماق الصحراء حيث ظل يحارب بدون هوادة، وكان إبراهيم في عنابة قد تواطأ مع الفرنسيين أولا ثم أعلن الحرب عليهم وأخرجهم من المدينة ولكن ابن عيسى مساعد الحاج أحمد حاربه واضطره إلى الهروب. ثم تحولت المعركة على عنابة بين ابن عيسى والفرنسيين. وعندما أيقن ابن عيسى من تغلب الفرنسيين عليه خرج منها هو وسكانها ودخلها الفرنسيون من جديد واستقروا بها بعد سنتين من احتلال الجزائر. وقد كان احتلالهم لعنابة، أهم مواني إقليم قسنطينة، سببا في توتر مستمر بين فرنسا والحاج أحمد. وقد عين الفرنسيون على عناية يوسف المملوك. أما إبراهيم فقد احتمى بالجبال وواصل مقاومته للحاج أحمد إلى سنة 1834، وكان في نفس الوقت يحارب الفرنسيين. ثم التجأ إلى مدينة المدية حيث مات، ويقال إنه اغتيل من عملاء الحاج أحمد. وإذا كان الفرنسيون قد خلصوا الحاج أحمد من خصمه بومرزاق حين أسروه ونفوه إلى الاسكندرية (خريف 1830)، فان ابنه سي أحمد قد انضم إليه (إلى الحاج أحمد) وأصبح خليفة له ورشحه أن يكون صهرا له. غير أن سي أحمد كان مغامرا ففر من عنده والتجأ إلى الأمير عبد القادر.
خذلان السلطان
رغم محاولات الحاج أحمد الحصول على نجدة عاجلة من السلطان فان جهوده لم تنجح، على الأقل في الوقت المناسب. فقد عاد إليه الوفد الذي أرسله برد غامض من السلطان يحمل توقيع رؤوف باشا. فالسلطان في حالة سلم مع الدول المسيحية ولا يمكنه إعلان الحرب على فرنسا بسبب قضية الجزائر، أو بالأحرى قضية قسنطينة ولكنه طلب من الحاج أحمد أن يستمر في نضاله ضد الفرنسيين وأن لا يوقع أي صلح معهم إلا بعد مشاورته. والجدير بالذكر أن وفد الحاج أحمد قد نزل س البحر في طرابلس ومنها فيما يبدو، إلى قسنطينة عن طريق الصحراء، لأن باي تونس لم يكن صديقا لباي قسنطينة. ولكن الحاج أحمد لم ييأس وأرسل وفدا آخر إلى السلطان يقوده السيد بلهوان الذي كان يحمل رسالة إلى رؤوف باشا الوزير الأول. وألح الحاج أحمد في رسالته على طلب المساعدة المادية وأعلن أنه مستعد للتضحية من أجل الدين، وأن الفرنسيين يقتربون منه يوما بعد يوم. ولكن رؤوف قد استقبل بلهوان استقبالا باردا ووعده بإرسال مندوب عنه إلى قسنطينة ليتقصى الأمر. فكان هذا لمندوب هو كامل بك. وقبل وصول كامل بك إلى قسنطينة جرت اتصالات بين الحاج أحمد وبين القائد الفرنسي العام في الجزائر، الدوق دي روفيغو للتفاوض، فقد حمل إليه حمدان بن عثمان خوجا في صيف سنة 1832 رسالة من الدوق محتواها الاستسلام لفرنسا ودفع ثلاثة ملايين فرنك ضريبة حرب ودفع اللازمة السنوية، في مقابل أن تعترف به فرنسا بايا على إقليم قسنطينة.
جمع الحاج أحمد أعيان المدينة، بحضور خوجا، وأطلعهم على رسالة الدوق، وبعد المنافثة استقر رأيهم على دفع اللازمة على شرط أن تعيد فرنسا الأراضي التي احتلتها من الإقليم، ولا سيما ميناء عنابة، وإقامة قنصل فرنسي في عنابة، وعدم القدرة على دفع ضريبة الحرب. ولكن ذلك كله كان مرهونا بارادة السلطان الذي يجب أن يتصل به الفرنسيون مباشرة. حمل خوجة رأي أعيان قسنطينة إلى الدوق ثم رجع برسالة أخرى تحمل الشروط التالية: دفع 50،000 دورو، واللازمة السنوية، وتعهدت فرنسا بالحصول على القفطان للحاج أحمد من اسطانبول، ولكنها اشترطت أن تبقى حامية عسكرية في كل من عنابة وقسنطينة، ويظل ميناء عنابة في يدها. ولكن الحاج أحمد لم يقبل هذه الشروط وأحال الفرنسيين على السلطان العثماني. وصل كمال بك إلى قسنطينة واستقبله الحاج أحمد استقبالا حارا. وفي اجتماع عام لأعيان المدينة ورؤساء القبائل والمسئولين خطب كمال بك وقال بأن السلطان لم ينسهم وأن عليهم بالصبر والإيمان، وقال إن السلطان يعمل على إبقاء إقليم قسنطينة تحت طاعته، وأن عليهم أن لا يقبلوا أي شرط بدون موافقته. وقد وقف كمال بك على تعلق البلاد بالحاج أحمد وعرف أن الرسائل التي ترد إلى اسطانبول من باي تونس لا تستند على الواقع. عاد كمال إلى اسطانبول وكتب إلى الحاج أحمد يعلمه أنه اطلع السلطان على الوضع وأنه يعمل للوصول إلى حل لصالح الباي، ولكنه لم ينجح، وطلب منه أن يراسل السلطان عن طريق سي الطاهر باشا الذي أصبح - حاكما لطرابلس.
إنتصار قسنطينة
وليس هناك حاجة للإطالة في موضوع انتصار العرب على الفرنسيين في معركة قسنطينة سنة 1836، فقد علم الحاج أحمد عن طريق جواسيسه باستعداد الفرنسيين في عنابة للقيام بحملة ضد قسنطينة، فخرج لمقابلتهم مسافة نصف يوم وأقام معسكره عند مكان يدعى وادي الكلاب، وكانت قواته 1،500 من الرماة و500 فارس. وقد التقى الجمعان في مكان يسمى عقبة العشارى، وحين رأى قوة الجيش الفرنسي تراجع ولكنه استمر في حربهم، ودخل قسنطينة. نصب الفرسيون مدافعهم على جبل المنصورة وسيدى مبروك الذي يشرف على المدينة وبدأوا في قصفها. كان الجيش الفرنسي بقيادة كلوزيل. وكان الثلج والمطر ينزلان بغزارة وحاول الفرنسيون إرغام المدينة على الاستسلام ولكنهم فشلوا، لذلك تراجعوا عنها، بينما طاردهم جيش الحاج أحمد إلى قالمة. وفي طريق عودته إلى قسنطينة وجد عربات محملة بالمؤونة تركها الفرنسيون خلفهم. وقد كان لهذا الانتصار وقع كبير على الأهالي. كما أدى إلى عزل كلوزيل واستدعائه إلى فرنسا.
بعد انتصاره عاد الحاج أحمد إلى المدينة وبدأ في تحصينها لأنه كان يتوقع أن الفرنسيين سيعيدون الكرة. وقد عرف أن هناك أناسا كانوا يريدون التسليم للفرنسيين أثناء قصف المدينة فحكم على بعضهم بالإعدام. ومن جهة أخرى أرسل إلى السلطان يخبره بما جرى. وكان معه قواد مخلصون له أمثال ابن عيسى والبجاوي الذي أصبح خليفة له، وساعده على تصميم المقاومين أن الفرنسيين أرادوا تعيين يوسف المملوك بايا على قسنطينة بينما كان أهل قسنطينة يعلمون أن يوسف لم يكن مملوكا فقط ولكنه كان أيضا يهوديا مرتدا.
خيانة باي تونس
وفي نفس الوقت شع الأمل في وجه الحاج أحمد عندما علم أن المساعدات العثمانية قد وصلت إلى تونس في طريقها إليه. فقد جاءه مبعوث من اسطانبول يدعى صراف أفندي وأخبره أن السلطان قد علم بانتصاره عن طريق سي الطاهر باشا حاكم طرابلس. كان ذلك في ربيع سنة 1837 أي بعد عدة شهور من انتصاره على الفرنسيين. وصلت أربع سفن عثمانية إلى ميناء تونس محملة بالجنود الأتراك مع اثنى عشر مدفعا ومائة وخمسين مدفعيا. ولكن باي تونس الذي كان مهددا بالضرب من الأسطول الفرنسي إذا نزل الجنود العثمانيون على أرضه أرسل إلى القبطان العثماني يأذن له بانزال المدافع فقط أما الجنود فقد اعتذر له عن إنزالهم. ومن جهة أخرى أرسل (باي تونس) يعتذر إلى الحاج أحمد عن موقفه لأنه يريد إقامة علاقات ودية مع الفرنسيين، وهكذا عاد الجنود الأتراك بسفنهم من حيث أتوا، أما المدافع فقد استعملها باي تونس في شؤونه الخاصة، وبقي الحاج أحمد وحيدا حزينا.
وبينما كان الفرنسيون يستعدون لجولة أخرى ضد قسنطينة حاولوا فتح المفاوضات مع الحاج أحمد. اتصلوا أولا باليهودي ابن باجو الذي كان يعمل في دار الحاج أحمد والذي كان يتاجر في تونس.
ويليه الجزء الثالث والأخير إن شاء الله
مقاومة أحمد باي - الجزء الأول
مقاومة الإحتلال الفرنسي في الجزائر وأنواعها :
يمكن تقسيم المقاومة التي واجهت الفرنسيين بعد احتلال الجزائر إلى ثلاثة أنوع :
- مقاومة سياسية قامت بها طبقة التجار والعلماء وأعيان المدن، وكانت هذه غالبا تنبع من المدن وتولاها حمدان بن عثمان خوجة وزملاؤه.
- مقاومة شعبية دينية قام بها مرابطون ورؤساء قبائل تحت راية الجهاد في سبيل الله والأرض والشرف والوطن، وتولاها مرابطون وزعماء أمثال بن زعمون والحاج سيدي السعدي والآغا محيي الدين ثم الأمير عبد القادر.
- أما النوع الثالث من المقاومة فهو ما قام به ممثلو الإدارة العثمانية، بعد سقوط الحكومة المركزية، دفاعا عن المصالح الشخصية والألقاب العثمانية في سبيل الإسلام وذودا عن التقاليد والأراضي الإسلامية. وقد تولى هذا النوع من المقاومة باي التيطري مصطفى بومزراق وابنه سي أحمد، وإبراهيم باي قسنطينة السابق، والحاج أحمد الذي كان باي قسنطينة عند دخول الفرنسيين مدينة الجزائر.
ويهمنا الآن الحديث عن الحاج أحمد الذي قاوم الفرنسيين خلال ثماني عشرة سنة وترك لنا سيرة مقاوم عنيد، وجندي كفء، وحاكم قدير.
مقاومة الحاج أحمد باي قسنطينة
من هو أحمد باي؟
ولاه حسين باشا بايا على قسنطينة حوالي سنة 1827. وكان الحاج أحمد مرتبطا بإقليم قسنطينة بالمصاهرة فقد ولد من أب تركي وأم جزائرية، وكان أخواله من عائلة ابن قانة التي كانت لها مكانة وسلطة على عرب الصحراء في نواحي بسكرة والزاب. كان جده هو أحمد القلي الذي كان بايا على قسنطينة أيضا. أما والده فقد كان خليفة لحسين باشا. وقد تصاهر الحاج أحمد مع عدد من الأسر والقبائل العربية في المنطقة هادفا إلى نيل تأييدهم. فتصاهر مع ابن قانة، والمقراني، وقسم من قبيلتي فرجيوة زواوة. ولكن أعداءه كانوا هم أولاد فرحات الذين يتنازعون منصب (شيخ العرب) مع أولاد ابن قانة. وقد واجه الحاج أحمد عدوا لدودا في شخص فرحات ابن سعيد عندما عزله الحاج أحمد من منصب شيخ العرب وأعطاه إلى خاله بو عزيز بن قانة. كما واجه الحاج أحمد خصوما في بقية فرجيوة وزواره وفي الحزب الذي ظهر ضده في عاصمة إقليمه.
عندما تأكدت الحملة الفرنسية على الجزائر بعث إليه حسين باشا يأمره بالقدوم إلى العاصمة عام 1830 في رحلة (الدنوش). وقد أمره الباشا أيضا بتحصين ميناء عنابة وأخطره بالمشروع الفرنسي. وما دام الباشا لم يطلب منه الإتيان بالجيش معه فإنه لم يصطحب معه سوى حوالي 400 فارس وبعض أعيان قسنطينة وقوادها. وبعد وصوله إلى العاصمة عرفه حسين بتفاصيل الحملة الفرنسية وطلب منه أن يستعد لملاقاة الفرنسيين في سيدى فرج. وقد أخطره الباشا بأن له جواسيس في مالطا وجبل طارق وفرنسا يتتبعون أخبار الفرنسيين ويبعثون إليه الرسائل عن كل التفاصيل.
حضر الحاج أحمد مجلسا عسكريا قرب اسطاوالي وحضره أيضا الآغا إبراهيم - قائد الجيش وصهر الباشا، وباي التيطري مصطفى بومزراق، وخليفة باي وهران، وخوجة الخيل وناقشوا وسائل الدفاع. وقد شارك الحاج أحمد في المناقشة الطويلة التي جرت والتي تعارض فيها رأيه مع رأي الآغا. وقد حضر المناقشة أيضا حمدان بن عثمان خوجا الذي ترك لنا وصفا حيا، لذلك. وبعد معركة اسطاوالي التي حضرها الحاج أحمد وفقد فيها من رجاله حوالي 200. وبعد استيلاء الفرنسيين على قلعة مولاي حسن انسحب الحاج أحمد إلى وادي القلعة ثم إلى عين الرباط (مصطفى باشا الآن) شرقي العاصمة. ثم تابع طريقه شرقا في اتجاه قسنطينة، بينما انضم إليه أكثر من 10600 شخص من الأهالي الفارين من الجيش الفرنسي رجالا ونساء. وفي أولاد زيتون إستلم رسالة من بورمون قائد الجيش الفرنسي يخطره فيها بتوقيع معاهدة الاستسلام ويعرض عليه اعتراف فرنسا به كما هو إذا قبل دفع (اللازمة) (الجزية) التي تعود دفعها إلى الباشا. فكان رده هو أن ذلك متوقف على رضى أهل الإقليم الذي يحكمه، ثم واصل سيره نحو قسنطينة التي وصل ضاحيتها (الحامة) بعد اثنين وعشرين يوما.
المسلك نحو المقاومة
توقف الحاج أحمد في ضاحية المدينة لأنه عرف أن خصومه الأتراك قد قاموا بانقلاب ضده وعينوا بايا جديدا مكانه يدعى حمود بن شاكر. ولكن أنصاره تحركوا عندما علموا بعودته يقودهم خليفته ابن عيسى وبعض العلماء، وعندما تأكد خصومه من عدم تأييد أهل البلاد لهم قتلوا زعيمهم وأعلنوا توبتهم وولاءهم. وقد عفا عنهم الحاج أحمد في الظاهر ولكنه تخلص منهم واحدا واحدا فيما بعد وحمل منذئذ كرها شديدا ضد الأتراك وأصبح لا يثق فيهم واعتمد على تأييد الجيش العربي الذي أخذ في تكوينه.
كان على الحاج أحمد أن يواجه عدة ضغوط دبلوماسية وأن يسيطر على الإقليم. فبعد استقراره في عاصمة إقليمه تلقى رسالة من قائد الجيش الفرنسي الجديد، الجنرال كلوزيل، يطلب فيها منه تعيينه بايا على قسنطينة باسم ملك الفرنسيين شريطة أن يدفع (اللازمة) لفرنسا. ولكن الحاج أحمد الذي كان يعتقد أن سلطاته مستمدة من الشعب ومن السلطان العثماني جمع ديوانه واستشاره. فكان رد الديوان الرفض القاطع. وبينما كان ينتظر رد السلطان محمود الثاني علم أن كلوزيل قد عزله من منصبه وأنه قد وقع مع تونس معاهدة يصبح بمقتضاها سي مصطفى، أخو باي تونس عندئذ، بايا على قسنطينة خلفا للحاج أحمد. ولكن الحكومة الفرنسية لم توافق على المعاهدة المذكورة، وكان على كلوزيل وخلفائه أن يواجهوا مقاومة شديدة من الحاج أحمد. ويذكر هذا في مذكراته أن خبر توقيع المعاهدة بين كلوزيل وباي تونس لم ينتشر بين سكان الإقليم ولم يعرفه إلا بعض الناس.
ولكن فرنسا، ولو لم توافق حكومتها على المعاهدة، نجحت في خلق توتر بين قسنطينة وتونس. فبعد توقيع المعاهدة انتشرت الرسائل في إقليم قسنطينة من باي تونس تدعو الناس إلى الثورة ضد الحاج أحمد، وتصف الحاج أحمد بالاستبداد والطغيان والخروج عن طاعة السلطان. والغريب أن الرسائل كانت لا تذكر شيئا عن الاتفاق مع الفرنسيين وهكذا كان على الحاج أحمد أن يواجه عدة جبهات: جبهة ضد فرنسا، وأخرى ضد تونس، وثالثة ضد إبراهيم الذي أعلن نفسه بايا على عنابة ويطالب بعودته إلى قسنطينة. ورابعة ضد باي التيطري الذي أعلن نفسه (باشا الجزائر)، خلفا لحسين باشا وطالب الحاج أحمد الاعتراف به. وخامسة ضد فرحات بن سعيد شيخ العرب الذي عزله الحاج أحمد وعين بدلا منه خاله بوعزيز بن قانة. بالإضافة إلى المؤامرات التي ولدت ضده داخل عاصمته.
جمع الحاج أحمد ديوانه وعرض عليهم دعوى باي تونس فقرر الديوان إرسال رسالة إلى باي تونس محتواها أنه ليس من حقه المطالبة بقسنطينة. وأن السلطان هو المرجع، فكما أن باي تونس يستمد سلطاته منه فكذلك باي قسنطينة، وأن أهل قسنطينة راضون بحكم الحاج أحمد. وتحت صغط الرأي العام، وانتزاعا للمبادرة عن باي التيطري، وقطعا لدعاوى باي تونس، تقلد الحاج أحمد لقب (الباشا) وأمر بضرب السكة باسمه وباسم السلطان. وعين مساعده بن عيسى خزناجيا، وأعلن هذه الإجراءات الإدارية التي تخوله ممارسة السيادة إلى الرأي العام.
المخازنية والسطو على كل ما هو جزائري : إتفاقيات إيفيان أنموذجا
إن أغاظكم تاريخ الجزائر الثائر لأنكم نظرتم في تاريخكم فلم تجدوا إلا الخيانة والحمائية فلا تلوموا إلا أنفسكم على تقصيركم وتخاذلكم، فكما قال الشاعر :
ما ضرني حسد اللئام ولم يزل ** ذو الفضل يحسده ذوو التقصير
وأختم منشوري هذا بقول آخر :
ولن تستبين الدهر موضع نعمة ** إذا أنت لم تدلل عليها بحاسد
المقالين الأصليين من موقعنا :
نصوص اتفاقيات إيفيان كاملة
فرنسا والنفط الجزائري
أدناه مقتطفات من موقع نسخ/لصق السارق
الجزائر تعمل على تطوير نماذج لطائرات دون طيار
![]() |
| صورة توضيحية |
قال وزير التعليم العالي والبحث العلمي الجزائري
كمال بداري، اليوم السبت، إن الجامعات الجزائرية تعمل على تطوير نماذج من منتجات
ابتكارية عديدة منها الطائرات دون طيار.
الجزائر بصدد تطوير نماذج لطائرات
دون طيار
وأضاف الوزير الجـزائري خلال كلمة افتتاحية بمناسبة العام الدراسي الجديد في ولاية قالمة: “الجامعات الجزائـرية تعمل على تطوير نماذج من المنتجات الابتكارية، مثل أجهزة الرادار للوقاية من حرائق الغابات وبطاريات للطاقة المتجددة، وزراعة القمح الصلب، وتحلية مياه البحر، والسيارات الكهربائية، إضافة إلى الطائرات دون طيار”.
وأشار إلى أن الوزارة “بصدد تنويع عروض
تكوينات الابتكار على مستوى البحث العلمي الجامعي لمدينة سيدي عبد الله في مجالات
متقدمة على غرار الروبوتات المتحركة والذكاء الاصطناعي، والفيزياء الحديثة
والرياضيات التطبيقية”.
كما بيّن الوزير أن موعد الندوة الوطنية
الخاصة بتقييم الجلسات الجامعية ستكون خلال الأشهر القليلة المقبلة، إذ سيتم من
خلالها مراجعة شاملة لعروض الابتكار، وتحسين أقسام والشعب الجامعية والعمل على
تعزيز دورها الفعال في تكوين جيد للطالب.
وأوضح أنه سيتم، من خلال هذه الجلسات “التقليل من ظاهرة الرسوب الجامعي وخلق ديناميكية موحدة في الحرم الجامعي”،
وفق ما نقلته وسائل إعلام جزائرية.
خطط ديغول للقضاء على الثورة الجزائرية
1. مشروع قسنطينة :
- توزيع 250 ألف هكتار من الأراضي على الفلاحين الجزائريين لاستغلالها.
- تشييد مساكن لمليون جزائري.
- توفير 400 ألف منصب شغل للمعطلين.
- دمج اقتصاد الجزائر في اقتصاد فرنسا.
- إنشاء طبقة بورجوازية جزائرية وربط مصالحها بفرنسا.
- تشييد المدارس والمراكز الصحية.
- ضمان التمدرس للأطفال في سن الدراسة.
- تأسيس مدن جديدة للحد من الإكتظاظ في المدن الكبيرة.
- تطوير الأرياف وتحسين الظروف المعيشية لسكانها.
- عملية كورون Couronne، في الولاية الخامسة (فيفري ـ مارس 1959).
- عملية كوروا Courroie، في الولاية الرابعة (أبريل ـ جوان 1959).
- عملية إيتانسيل Etincelle، في الولاية الثالثة (1-15 جويلية 1959).
- عملية جيميل Jumelles، في الولاية الثالثة (22 جويلية ـ نوفمر 1959).
- عملية بيير بريسيوز Pierres précieuses، في الولاية الثانية، (نوفمبر 1959 إلى غاية جوان 1960).
فرنسا تحاول تكرار سيناريو إفشال ديزرتيك مع هيدروجين الجزائر نحو أوروبا
د. جمال سالمي
فرنسا لن تهدأ حتى تنسف مشروع أنبوب الهيدروجين الجزائري نحو أوروبا..
خاصة بعد ترسيم مروره عبر كل من إيطاليا والنمسا وألمانيا..
دون فرنسا طبعا..
***
تريد باريس تكرار نفس سيناريو إفشال مشروع ديزارتيك الألماني للطاقة الشمسية في صحراء الجزائر..
***
لكن هيهات..
لقد تغير الفريق الاقتصادي الحاكم في يابان إفريقيا..
الرئيس تبون عاقد العزم على التحرر من فرنسا..
مهما يكن الثمن..
***
الهيدروجين الأخضر سيرفع حتما صادرات الطاقة إلى أوروبا..
الحكومة الجزائرية تستهدف زيادة إيراداتها من صادرات الطاقة..
إنتاج وتصدير الهيدروجين تصدر مؤخرا المشهد الطاقوي الجزائري..
استحوذ على اهتمامات المسؤولين والرأي العام بمختلف اتجاهاته..
خاصة أنّ العديد من الدول تعوّل عليه..
كيف لا؟
وهو من هو:
وقود مستقبلي خالٍ من الانبعاثات..
الهدف = تحقيق الحياد الكربوني..
***
زادت الحرب الروسية الأوكرانية من اهتمام الدول الأوروبية به..
ألمانيا تريد فك ارتباطها طاقوياً مع روسيا..
عبر تنويع مصادر الحصول على الوقود..
تبدو الجزائر ملاذاً طاقوياً آمناً لهذه الدول..
فهي تقدم مزيجاً بين الغاز والنفط..
كما الهيدروجين الأخضر مستقبلاً كطاقة متجددة..
ما جعلها تحول بوصلة استثماراتها نحو إنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء..
بعدما ظل حبيس الوعود والأوراق منذ 2015..
***
توقيع الشركة الجزائرية للنفط “سوناطراك” مع شركة الغاز الألمانية “في إن جي” اتفاقية إنشاء مشروع الهيدروجين الأخضر ضرب مصالح فرنسا في العمق..
إذ تم تهميشها تماما..
***
الغضب الفرنسي زاد عندما علمت أنه سيسمح بإنتاج 50 ميغاواط من الكهرباء..
على أن تتضاعف الكمية بحلول 2030..
***
يعد هذا المشروع أول خطوة ميدانية للجزائر في طريق استغلال طاقة بديلة وهي “الهيدروجين الأخضر”..
بعدما ظلت هذه الطاقة المنتجة من الطاقات المتجددة كالطاقة الشمسية، محل الخطابات الحكومية فقط..
***
للحرب الروسية في أوكرانيا سهم في هذا التطور..
الهيدروجين تحول إلى رأس أولويات الدول الأوروبية..
باعتباره بديلاً للغاز الروسي..
ارتفع الطلب العالمي عليه..
مما فتح شهية الجزائر للاستثمار فيه..
***
تبقى مشكلتا النقل وكلف الإنتاج وحدهما ما يؤرق الحكومة الجزائرية.
خط أنابيب “غالسي” بين الجزائر وإيطاليا، الذي جُمِّد قبل 10 سنوات، عاد إلى الواجهة..
وسط خطط لاستعماله في تصدير الهيدروجين إلى أوروبا..
يأتي الطرح الجديد للأنبوب الذي كان مخصصاً لنقل الغاز الجزائري إلى أوروبا، وسط مساعي هذه الأخيرة لتأمين احتياجاتها من الوقود خالي الانبعاثات..
***
تحوز الجزائر حالياً على أنبوبي غاز يربطانها مع القارة الأوروبية..
الأول “ترانسميد”
يربطها مع إيطاليا عبر الأراضي التونسية..
الثاني “ميد غاز”
يربطها مع إسبانيا مباشرة..
بعد توقيف التصدير عبر الأنبوب “المغاربي الأوروبي” الذي يمر عبر دولة المغرب..
في أعقاب قطع العلاقات معها سنة 2021.
***
للتذكير، نجحت فرنسا منذ عشر سنوات في نسف مشروع ديزارتيك..
مما أثار الكثير من الجدل..
سواء على مستوى الخبراء أو الإعلام..
إذ كان من المفروض ان يقوم بإنتاج الكهرباء عن طريق الطاقة الشمسية..
***
لكن الجزائر عادت مؤخرا لبعث الروح فيه..
عبر مفاوضات بين “سونلغاز” والشركاء الألمان لإنشاء إطار مشاورات بين الجهتين على أسس سليمة..
الهدف = إنجاز محطات للألواح الشمسية..
***
كيف أفشل لوبي باريس داخل الجزائر مشروع ديزارتيك؟
في الوقت الذي كانت الأنظار صوب هذا المشروع، لم تول الحكومات المتعاقبة في فترة الرئيس السابق أي اهتمام له..
***
بل بالعكس، اعتبرت أنه عديم الجدوى..
***
في أرشيف المشروع تصريحات غريبة لوزير الطاقة الأسبق نور الدين بوطرفة..
قال فيها: “إن مستقبل المفاوضات التي تجريها الجزائر مع ألمانيا بشأن هذا المشروع الضخم لا فائدة من استكمالها..
في ظل وجود فائض في الطاقة الكهربائية في معظم بلدان أوروبا”.
وحسب أقواله دائما، فإن الجزائر غير مستعدة لقبول مشروع “ديزيرتيك” الأوروبي الذي يهدف إلى إنتاج الكهرباء بواسطة الطاقة الشمسية..
بسبب أن “مجمع سونلغاز كان أجرى دراسة تقنية سنتي 2012 و2013 بالتعاون مع المركز الألماني “ديزيرت أندوستري” التابع لمشروع “ديزرتيك” وأن “الدراسة خلصت إلى ضرورة مراجعة الشروط القانونية الأوروبية المرتبطة بنشاط إنتاج وتوزيع الطاقة الكهربائية الشمسية ومراجعة سعر بيع الكيلواط الساعي للكهرباء الشمسية في الفضاء الأوروبي والذي يبقى غير تنافسي في الوقت الحالي”.
***
المشروع ونظرا لأهميته خلق الكثير من الجدل..
سواء في داخل الجزائر أو خارجها..
***
انتشرت آنذاك أخبار متفاوتة الصحة تتحدث عن صراع الماني فرنسي بشأن هذه الطاقات المتجددة في شمال افريقيا..
***
من ذلك التصريح الذي انتشر عبر العديد من المواقع على لسان وزير الطاقة الألماني جاء فيه:
“كنا نريد الاستثمار مع الجزائر في أكبر مشروع للطاقة الشمسية في العالم في الصحراء الجزائريّة، كان بإمكان الجزائر أن تزوّد أوروبا بالطاقة الكهربائية وتجني الملايين من الدولارات..
لكن الحكومات السابقة رفضت لأن فرنسا عارضت الفكرة بشدّة..
لكي لا تستطيع الجزائر النموّ وتنويع الاقتصاد والخروج من التبعية”.
***
السفارة الألمانية بالجزائر نفت ذلك وكتبت: “التصريحات المنسوبة لوزير الاقتصاد والطاقة الألماني، السيد بيتر ألتماير، حول مشروع “ديزيرتيك” والتي نشرتها بعض صفحات الفايسبوك والصحافة الالكترونية، غير صحيحة..
بل هي “فايك نيوز”، أي أخبار كاذبة.
ما هو مشروع ديزيرتيك؟
ديزيرتيك أو ديزارتيك هو مشروع للطاقة الشمسية في شمال أفريقيا..
مقترح من قبل مؤسسة ديزيرتيك التابعة لنادي روما..
حيث تتجاوز تكلفة الاستثمار 400 مليار يورو..
يعتمد على الطاقة الشمسية الحرارية..
على أن تصدر الكهرباء المنتجة من هذا المشروع إلى أوربا..
كما تستفيد منها دول شمال إفريقيا.
أنشئت مؤسسة ديزيرتيك في جانفي 2009
بهدف تسريع وتعزيز تنفيذ مشروع ديزيرتيك..
وهي منظمة غير ربحية..
تمتلك مكاتب في هامبورغ وهايدلبرغ بألمانيا.
وفي جويلية 2013، انفصلت مؤسسة ديزيرتيك غير الربحية عن باقي الشركاء التسعة عشر (19) الآخرين في المبادرة الصناعية، متعللة بأنها “لم تعد مرتاحة للأهداف التجارية التي عبرت عنها الأطراف المشاركة” في المشروع.
يتضمن المشروع إقامة شبكة ضخمة متصلة من المرايا لتحويل أشعة الشمس إلى طاقة حرارية تسخن زيتا خاصا يستخدم في تشغيل توربينات بخارية لتوليد كهرباء.
سيتم نقل الكهرباء بعد ذلك إلى أوروبا عبر خط كهرباء الضغط العالي الموجود حاليا بينها وبين شمال أفريقيا. يمكن للمشروع أن يوفر حوالي 15 بالمائة من احتياجات قارة أوروبا من الكهرباء.
***
تصريحات
1 / محمد عرقاب (وزير الطاقة الجزائري) المشروع الموقع مع شركة الغاز الألمانية، ذات التجربة الطويلة في إنتاج الطاقات المتجددة، يعد أول مشروع في أرض الواقع لإنتاج الهيدروجين الأخضر في الجزائر..
وهو مشروع نموذجي..
سينتج الهيدروجين من الطاقة الشمسية وتحلية مياه البحر..
لإنتاج حوالي 50 ميغاواط من الكهرباء..
اختيرت ألمانيا للاستفادة من خبرتها في هذا المجال..
مع نقل المعرفة في أقرب الآجال..
نحن نسعى لتنويع مصادر الطاقة وهذه فرصتنا..
نقل الهيدروجين الأخضر سيكون عبر كلّ الطرق الممكنة..
الأمونيا الخضراء وأنابيب الغاز التي تربط الجزائر بإيطاليا..
فالجزائر لديها إمكانيات طاقوية تلامس 2000 كيلواط في المتر المربع من الطاقة الشمسية..
وهو رقم كبير يجب استغلاله.
***
2 / مراد برور (مدير مكتب “إيمارجي” للدراسات النفطية) من واجب سوناطراك أن تكون في موقع مراقبة تكنولوجية نشطة..
وأن تتحرك بحزم نحو الهيدروجين الأخضر، الذي سيكون بديلاً ممتازًا للطاقات التقليدية، وكذلك للاستخدامات الصناعية..
مما سيمثل أهمية كبيرة..
إذ أنّ إنتاج الهيدروجين عن طريق التحليل الكهربائي للمياه من مصدر غير كربوني مكلف نوعاً ما..
لكنّه يحمل عائدات مهمة مستقبلاً إذا استحوذت الجزائر على التكنولوجيا..
فالهيدروجين هو ناقل لا جدال فيه لتخزين الطاقة الكهربائية..
وقادر على تقليل البصمة الكربونية لوسائل النقل وحتى للاستخدامات الصناعية..
الجزائر تحوز ورقتين، الأولى عبر الأمونيا الخضراء..
وهي تملك شبكة نقل جاهزة لها..
أما الورقة الثانية، فهي أنابيب الغاز نحو إيطاليا وإسبانيا..
إيطاليا تعتبر بوابة آمنة للجزائر لولوج القارة الأوروبية طاقوياً..
وما معارضة روما للمساعي الأوروبية لتسقيف أسعار الغاز إلّا دليل على أنّ إيطاليا تطرح نفسها كوسيط للغاز الجزائري..
يمكنها مستقبلاً أن تضمن توزيع الهيدروجين الأخضر عبر أنابيب الغاز..
آخر كلمة
حظ سعيد للهيدروجين الجزائري..
احذروا مكر فرنسا وأتباعاها داخل الجزائر..
لا تكرروا نفس فشل ديزارتيك..
تطورات التيار الإستقلالي الثوري بعد سنة 1947م - المنظمة الخاصة
المبادئ والتنظيم
شهدت الفترة التي أعقبت تأسيس حزب انتصار الحريات الديمقراطية سنة 1947م عدة تطورات سياسية أفرزت إنشاء هيئات قامت بالإعداد للثورة التحريرية منها "المنظمة الخاصة".
المنظمة الخاصة :
هي منظمة سرية شبه عسكرية تمثل الجناح العسكري لحزب انتصار الحريات الديمقراطية. كان الهدف من إنشائها الإعداد للعمل المسلح ضد الإستعمار والتفكير في توفير وسائله البشرية والمادية والقانونية، مستغلة في سبيل ذلك الظروف الدولية التي انبثقت عن الحرب العالمية الثانية والمحلية إثر مجازر 8 ماي 1945م والإحتقان الشعبي الذي أعقبها مما جعل الجزائري يميل أكثر إلى ترجيح العمل المسلح كحَلٍّ وحيد لطرد الإحتلال وتحقيق الإستقلال.
في 15 فيفري 1947م، عقد الحزب اجتماعا ببوزريعة بالعاصمة في منزل أحد مناضليه يدعى مهدي عوماري، وفي اليوم التالي نقل اجتماعه إلى حي بلكور بمصنع للمشروبات الغازية كان يملكه المناضل مولود ملاين تأسست خلال أعمالهما المنظمة الخاصة.
شروط الإنضمام إلى المنظمة الخاصة
التجربة النضالية:
يتم انتقاء العناصر الراغبة في الإنضمام إلى صفوف المنظمة الخاصة من بين مناضلي الحزب على أن لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين عاما وأن تكون لديهم تجربة ثلاث سنوات نضال على الأقل (في حزب الشعب والذي أسس على أنقاضه بعد حله حزب انتصار الحريات).
الإيمان بضرورة العمل المسلح:
على المجند في صفوف المنظمة الخاصة أن يكون مؤمنا بأن الكفاح المسلح هو الوسيلة الوحيدة للتخلص من الاستعمار، وأن يُسَخِّر نفسه لهذه المهمة.
الشجاعة والإِقدام :
وهما شرطان ضروريان لمواجهة مختلف الصعاب التي قد يواجهها المجند حين قيامه بمختلف العمليات التي تتطلبها حرب العصابات.
السرية والكتمان :
"كان كل مترشح يقسم بالقرآن الكريم أن يكتم السر بخصوص انخراطه في المنظمة ولم تكن تعلم لا عائلته ولاأصدقاؤه بذلك". - بن يوسف بن خدة -
القوة البدنية والإلتزام بالتدريبات :
على الراغب في الإنضمام إلى المنظمة أن يكون ذا بنية جسدية قوية، وأن يلتزم بالتدريبات الرياضية والعسكرية بشكل مستمرحتى يتمكن من القيام بالمهام وبمجابهة الصعاب.
الخبرة العسكرية :
حيث أعطيت الأولوية للمناضلين الذين أدوا الخدمة العسكرية في صفوف الجيش الفرنسي أو الذين جندوا في الحرب العالمية الثانية لما لديهم من خبرة عسكرية يمكن أن تستفيد منها الوحدات العسكرية التي شكلتها المنظمة الخاصة.
السلوك الحسن :
ليكون قدوة لغيره من المناضلين.
التنظيم العسكري :
كانت المنظمة الخاصة سباقة في وضع الهيكل الأولي للتنظيم الثوري العسكري في الجزائر. فقد قسمت الوطن إلى خمس مناطق، هي الجزائر الأولى والثانية، القبائل، وهران وقسنطينة. وقسمت المنطقة إلى نواحي، والناحية إلى أقسام وأنصاف أقسام… وهذه الهيكلة السياسية والعسكرية التي وضعها قادة المنظمة الخاصة ظلت سارية خلال ثورة التحرير الكبرى 1954-62، مع بعض التعديلات البسيطة والتي أضيفت قبل وبعد مؤتمر الصومام سنة 1956م.
قيادة أركان المنظمة الخاصة :
عرفت المنظمة الخاصة منذ تأسيسها سنة 1947م إلى غاية اكتشافها سنة 1950م، ثلاث قيادات لأركانها؛ الأولى بقيادة محمد بلوزداد، والثانية بقيادة حسين آيت أحمد والثالثة بقيادة أحمد بن بلة :
قيادة الأركان الأولى
بقيادة محمد بلوزداد، وتتشكل من الأعضاء التالية أسماؤهم :
- محمد بلوزداد، المسؤول الوطني للمنظمة.
- أحمد بن بلة مسؤولا عن منطقة وهران.
- الجيلالي عبد القادر بلحاج(1)، مسؤولا عن التدريب العسكري.
- الجيلالي رجيمي، مسؤولا عن الجزائر المنطقة الأولى والتي تضم مدينة الجزائر، سهل متيجة والتيطري.
- محمد ماروك، مسؤولا عن الجزائر المنطقة الثانية والتي تضم إقليمي الظهرة والشلف.
- عمار ولد حمودة، مسؤولا عن منطقة القبائل.
- محمد بوضياف، مسؤولا عن منطقة قسنطينة.
قيادة الأركان الثانية
- حسين أيت أحمد رئيسا.
- عبد القادر بلحاج مدربا ومفتشا عاما.
- محمد بوضياف مسؤولا عن منطقة قسنطينة.
- الجيلالي رجيمي مسؤولا عن الجزائر المنطقة الأولى.
- محمد ماروك مسؤولا عن الجزائر المنطقة الثانية.
- أحمد بن بلة مسؤولا عن منطقة وهران.
- امحمد يوسفي مكلفا بالإتصالات والاستعلامات.
قيادة الأركان الثالثة
- أحمد بن بلة رئيسا.
- الجيلالي بلحاج مفتشا عاما ومدربا عسكريا ومنسقا بين مختلف المصالح التابعة للمنظمة.
- امحمد يوسفي مسؤولا عن التكوين العسكري والاستعلامات.
- الجيلالي رجيمي مسؤولا عن الجزائر المنطقة الأولى.
- أحمد محساس مسؤولا عن الجزائر المنطقة الثانية.
- عبد الرحمان بن سعيد مسؤولا عن منطقة وهران.
القسم الهندسي :
أنشأه عبدالقادر الجيلالي في أوائل سنة 1948م، وأسندت مهمة إدارته إلى مسؤول ناحية الشلف محمد أعراب، واختص في صناعة مختلف أنواع المتفجرات وكيفية استخدامها، كما تولت هذه المصلحة مهمة تخزين الأسلحة، التي كانت بحوزة المنظمة الخاصة، بالقرب من ساحة أول ماي بالعاصمة.
قسم الإتصالات :
أنشأه محمد ماروك وتولى إدارته رمضان عسلة، وكانت مهمته تكوين الإطارات المختصة في الإتصالات وسلاح الإشارة قصد التحكم في استخدام أجهزة الإتصالات وتشفير الرسائل وفك الرموز، ومن بين إطارته محمد مشاطي وعيسى كرمة وغيرهما.
قسم الإستخبارات :
مهمته مراقبة أنشطة العدو والإستعلام الأمني والإداري على مصالحه كالشرطة، الدرك والإدارة العامة.
شبكات الدعم :
ترأسها امحمد يوسفي، كانت مهمتها استقطاب الدعم الشعبي للثورة الجزائرية لتأمين الملاجئ للمناضلين المطاردين من طرف مصالح العدو وتوفير المخابئ للأسلحة والذخيرة.
إستراتيجية المنظمة الخاصة :
إضفاء البعد الشعبي على الثورة :
في ظل انعدام تكافؤ القوى المادية والبشرية بين الثوار الجزائريين - الذين سيفجرون الثورة فيما بعد - وبين الدولة الفرنسية الإستعمارية التي تملك مختلف وسائل الحرب، فقد تم اعتماد الطابع الشعبي للثورة وعليه يتطلب تعبئة مختلف الطاقات البشرية الوطنية وجعل تجنيدها من الشروط الأساسية لنجاح الثورة.
حرب العصابات :
يستخدم هذا النوع من الحروب في حالة عدم تكافؤ القوى المادية والبشرية بين المتحاربين، ويتميز تكتيك حرب العصابات بسرعة التنفيذ وخفة التنقل، وتنوع العمليات، فتارة تكون على شكل كمائن وتارة أخرى على شكل عمل تخريبي كما قد تكون على شكل عمليات فدائية أو هجومات على مصالح العدو مهما كانت طبيعتها، كما تكون موزعة على أماكن متباينة قصد إرباك العدو وتشتيت قواه المادية والبشرية، كي يضطر إلى الزج بقدرات ضخمة في الميدان دون أن يحقق بها مبتغاة مما يؤثر على قدراته الاقتصادية والعسكرية، ومن ثم الحط من عزيمته على مواصلة الحرب.
الإستغلال الأمثل لطبيعية الميدان :
باستعمال العمل الكشفي والإستطلاعي للميدان قبل تنفيذ العمليات للوقوف على مسالك الهجوم والإنسحاب والتعرف كذلك على الموارد البشرية والطبيعية.
العمل الدبلوماسي كركيزة للكفاح :
لم يكتف اهتمام قادة المنظمة الخاصة بالنشاط السياسي والعسكري للثورة المرتقبة فحسب، بل منحوا اهتماما كبيرا للعمل الدبلوماسي قصد توسيع مجال الدعم الخارجي للكفاح المسلح في الجزائر وتقليص النفوذ الفرنسي في المحافل الدولية. ويمكن تلخيص الدور الدبلوماسي للمنظمة الخاصة فيما يلي :
- كسب الدعم العربي للقضية الجزائرية، فعلى إثر انعقاد دورة اللجنة المركزية لحركة انتصار الحريات الديمقراطية في ديسمبر1948 تقرر ضرورة كسب الدعم المغاربي عن طريق حزب الدستور الجديد التونسي وحزب الاستقلال المغربي، وذلك بغية تحقيق جملة من الأهداف المشتركة، تتمثل في إيجاد تكتل سياسي وعسكري للبلدان المغاربية الثلاث ضد العدو الفرنسي المشترك و تشكيل هيئات شبه عسكرية، على شاكلة المنظمة الخاصة، (تعمل بالتنسيق والتكامل بين هذه البلدان و بين رواد الكفاح المغاربي. ولتجسيد ذلك ميدانيا اقترح إيجاد كتلة مغاربية متجانسة في أبعادها الاجتماعية، الاقتصادية السياسية والعسكرية قادرة على مواجهة المحتل المشترك بالإضافة إلى كسب باقي الدول العربية ، في إطار مساعي الجامعة العربية، والشعوب العربية الراغبة في التحرر من الإستعمار.
- نقل ميدان الحرب إلى فرنسا : وذلك بتعبئة الجالية الجزائرية الموجودة في الدول الأوربية بشكل عام وبفرنسا بشكل خاص قصد جمع القوى المادية والبشرية التي يمكن استخدامها في الحرب ضد المستعمر الفرنسي بعقر داره، واستمالة المهاجرين إلى صالح حرب التحرير في الجزائر وكذا تنبيه الرأي العام الفرنسي والدولي بعدالة القضية الجزائرية، ودحض السياسة الفرنسية التي قد تلجأ إلى تعتيم الحقائق وتغليط الرأي العام الفرنسي والدولي عن حقيقة ما يجري في الجزائر.
- استغلال الظروف الدولية الظروف الدولية : ركز قادة المنظمة الخاصة على ضرورة استغلال الظروف الدولية لنبذ المشروع الإستعماري الذي يجثم على عدة بلدان لا سيما في قارتي إفريقيا وآسيا، وهو ما يتطلب حتمية تجميع قوى حركات التحرر ودعمها لبعضها البعض وكذا استغلال فرصة الحرب الباردة والتعامل مع الدول الكبرى بذكاء وحضها على الحياد وتأييد حق الشعوب في الإستقلال وتقرير المصير.
وقفة :
من خلال هذه الإستراتيجية التي طبقها قادة المنظمة الخاصة، يمكن أن نقف على الحقائق التالية :
- إستفاد قادة المنظمة الخاصة من تجارب المقاومة الشعبية خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، وكذا من تجارب النضال السياسي، فجاء الإعداد للثورة المسلحة شاملا لكل ربوع البلاد، وممزوجا بين الكفاح العسكري والنضال السياسي .
- كما أن المنظمة الخاصة حددت أسلوب الحرب المرتقب ضد فرنسا والمتمثل في حرب العصابات، والذي مكن الثورة الجزائرية فيما بعد، من مقارعة قوة استعمارية كبرى، بإمكانات مادية وبشرية محدودة وتحقيق استقلال كامل للبلاد بفضل الله تعالى وتوفيق منه.
- استغلال الوضع الدولي الذي ميز العالم بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، والمتمثل في ظهور الهيئات الدولية التي تبنت قضية تحرر الشعوب - ولو نظريا - مما جعل المنظمة تكثف من نشاطها الخارجي، وهو ما استغل فيما بعد في تشكيل الوفد الخارجي لحركة انتصار الحريات ثم جبهة التحرير الوطني.
========================
(1) المشهور ب"كوبيس" أيام الثورة التحريرية. قصته معلومة لدى المهتمين بتاريخ الثورة لمن أراد أن يستزيد.













